كتب حسن عصفور/ كما هو التقليد للرسمية الفلسطينية منذ عام 2005 وحتى تاريخه، يتم تشكيل “لجان” لمسميات مختلفة، ثم تغيب كثيرا الى أن يحدث ما يعيد لها الذاكرة، ومنها ما يسمى إعلاميا بـ “اللجنة العليا لإحياء ذكرى النكبة”، التي صدر لها قرار في مارس /آذار 2023، ما يقارب الستين يوما، لجنة ربما لو سأل صحفي أي من أعضاء “تنفيذية منظمة التحرير” عنها لأصابه لعثمة قبل تحديد ماهيتها، تكوينا ووظيفة.
أيام، وتحل الذكرى الـ 75 للنكبة الوطنية الكبرى، ولا تلمس أي عمل حقيقي يتناسب وتلك الذكرى الخاصة، وتحديدا بعدما قامت دولة الكيان بعمليات استعراضية، وسط أزمات تضربها من مختلف الجهات، دون أن تصيبها هزة عدم الاهتمام بذلك التاريخ لهم، فيما فلسطين، ام القضية، لا تلمس أن هناك ما يضع المسألة في الذهن الوطني فعلا وليس استنادا لتاريخ.
وبعيدا عن العتاب والغرق في لو وليت ولما، مع جهة بات كل الاهتمام الوطني لديها مجرد وظيفة مقابل، بلا ابداع أو تطوير أو ترك بصمات يمكن للفلسطيني داخل الوطن وخارجه ان يلمس وجود ما يستحق الاهتمام.
ولأن الفعل التأثيري، غير “حفلة تنكرية” يوم الخامس عشر من مايو / أيار، هو ما يمكن الحديث عنه، فلعل تنفيذية منظمة التحرر ورئاستها، مع حكومتها تدرك خلال ما بقي من زمن أنها تحتاج وضع عناوين وطنية، كي لا يصبح يوم ذكرى النكبة يوما لمزيد من البلاء السياسي، وذلك من خلال العمل على وضع جدول عمل سريع لفعاليات ذلك اليوم، تبدأ بزيارات مقابر الشهداء حيثما توجد مقبرة، والذهاب الى ضريح الخالد المؤسس ياسر عرفات بشكل جماعي، وتدعى اليه القوى المختلفة كافة، بما فيها الخارجين عن منظمة التحرير، وتحديدا حماس والجهاد.
مشاركة وطنية في حدث احياء ذكرى شهداء الثورة والعمل الوطني، عنوان جمعي بعيدا عن الانقسامية السائدة، وذلك كرسالة لأهل الشهداء وليس غيرهم، بأن الشهيد عنوان وحدة أي كان مسماه، وأنها من مقدسات الوعي الوطني، تفرض منطقها الخاص، بعيدا عن “الرغائبية الحزبية”، وتلك قيمة لمن سيواصل مسار العطاء الوطني اللاحق.
يمكن، ان تبدأ تكون فعاليات مشتركة، لزيارة منازل شهداء وأسرى، بالممكن في كل محافظة، بالضفة والقدس وقطاع غزة، وتجنبا لأي حساسيات يمكنها ان تكون عبر تمثيل حزبي ولجان عمل بعيدا عن المظهر الحكومي، كتقليد عمل يمكنه أن يفتح باب جديد لقطع الطريق على محاولات بث فرقة مضافة بين الناس وأسر الشهداء، فتنة تطل بعناوين مختلفة، لذا يمكن لمبادرة التفاعل الجمعي لزيارة مكونات قاطرة الثورة شهداء وأسرى، تعيد بعضا من “صوابية” ضلت طريقها في السنوات الأخيرة.
وتعزيزا لها، ربما يكون مفيدا إعادة تسمية بعض الشوارع والمناطق بمسمى شهداء في كل محافظة، بعيدا عن العصبوية، كدلالة رمزية على وحدة الفعل الكفاحي، مسألة ربما يكون لها أثر وقيمة سياسية لدى أهل فلسطين أكثر من غيرها.
ولا شك أن العنوان الرئيسي لإحياء تلك الذكرى، الى جانب البعد المراسمي الهام والضروري، سيبقى الجوهر السياسي الذي ينتظره الشعب الفلسطيني، وما قبل ذهاب الرئيس محمود عباس لألقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من حيث وضع رؤية عملية لمسار وطني جديد، بعد تيه طال زمنه، وهروب من تنفيذ قرارات “فك الارتباط” مع دولة العدو الاحتلالي.
خطاب يحدد قواعد عمل للقادم، خاصة وأن ملامح المشروع التآمري المستحدث، بدأت تطل براأسها، بمسميات ومظاهر متعددة، ولم يعد أمرها سرا أبدا، تمهيدا للتزاوج بين “التهويد والتقاسم الوظيفي”، وانهاء مرحلة “الكيانية الوطنية الفلسطينية” وصناعة “تبعية سياسية” جديدة.
خطاب للناس يحدد عناصر عمل لا تتضمن ملامات لهذا وذاك، ومنها الكيان وأمريكا، فتلك لغة صارت مخجلة ومضحكة في آن واحد، بل تذهب مباشرة لوضع قاطرة الفعل على سكة حديدها، بدلا من البقاء منتظرا على محطة مهجورة.
خطاب تنفيذ ما يجب من عناصر محددة وواضحة لدولة فلسطينية تحت الاحتلال وتعطيل الاعتراف بدولة الكيان، ومشروع محدد حول مفهوم تطبيق البند السابع للحماية الدولية، وملف كامل للجنائية الدولية، وتكليف “المجلس المركزي” برلمانا للدولة الى حين ترتيبات انتخابات ممكنة لمجلس نواب دولة فلسطين، واغلاق ملف المرحلة الانتقالية كليا.
دون خطاب “فك الارتباط” مع دولة الكيان، فالنصيحة ألا يتحدث الرئيس محمود عباس سوى بالترحم على شهداء الثورة والقضية والوطن، واعلانه الذهاب نحو “اعتكاف سياسي” الى حين.
ملاحظة: محادثات جدة بين “ثنائي الحرب” في السودان، رغم قيمتها، لكنها تصيب العربي، أي عربي خال من جين الاستعباد، بحسرة سياسية أن تكون أمريكا طرفا، وليس رعاية عربية خالصة…هاي وحدها تكفي من هو صاحب يد التخريب الأطول فيها!
تنويه خاص: عادت ظاهرة سرقة “الشهداء” الفصائلية من تاني..رغم انها شكليا تعزيز لروح الكفاح لكنها تعكس مشهد سوداوي جدا..وكأنها سرقة لغرض مالي مش نضالي..بدها وقفة تصدي حتى لا تصيب الناس بقرف فوق قرفهم من البعض الحزبوي!