كتب حسن عصفور/ خلال معركة جنين، والتي انتهت بتعزيز روح “الكفاح الوطني” في مواجهة دولة الكيان الاحتلالي وحكومتها الفاشية، دعا الرئيس محمود عباس يوم 3 يوليو 2023، الى عقد لقاء لقادة الفصائل الفلسطينية، دون أن يكون هناك “استثناء” ما يعني شمولها فصائل منظمة التحرير، المشتركة في تنفيذيتها، او الغائبة عنها (شعبية، قيادة عامة وصاعقة)، مع حركتي الجهاد وحماس.
وسريعا أعلنت فصائل المنظمة كافة، ترحيبها بتلك الدعوة، باعتبارها خطوة الضرورة السياسية للرد على الفاشية اليهودية المتنامية، فيما صمتت حماس والجهاد، ما يفسر أنها لم تجد وقتا كافيا ربما لدراسة “الرد” سلبا أو إيجابا، وإن كان موقف حركة حماس منطقيا فيما يتعلق بمشروعها الخاص، فليس مفهوما موقف حركة “الجهاد”، بعدم التجاوب الإيجابي مع الدعوة، وخاصة أنها نالت تقديرا خاصا لدى قواعد فتح خلال معركة الأيام الخمسة مايو الماضي، وشراكتها الفدائية مع كتائب شهداء الأقصى في معركة جنين.
منطقيا، صمت “الجهاد” لا تبرير له سوى حسابات غير محلية، وخاصة بعد الإشادة التي عبر عنها أمين عام الحركة زياد النخالة حول علاقة قواعد فتح مع سرايا القدس، والحاضنة المشتركة لهما، ما يشير الى “علاقة دافئة” بينهما، خلافا لما هي مع “حماس”، والتي تجاهل المرور عليها، بل أنه استخف فيما يسمى “الغرفة المشتركة” التي أكدت انها “غرفة تسويق الوهم”، بعد معركتين كان لها أن تكون “شريكا” وليس عائقا، في أغسطس 2022 بعد اغتيال القائد تيسير الجعبري، ومعركة مايو 2023 بعد اغتيال قادة السرايا، فخاضت الجهاد معارك وطنية، وليس “معارك استعراضية لحسابات اقتصادية”.
وكي لا تصبح دعوة الرئيس محمود عباس جملة في بيان وليد حالة “انفعالية” لصد حالة غضب شعبي خلال معركة جنين، ولإظهار جدية سياسية، بعدما أعلنت الشقيقة مصر أنها ذاهبة لدعوة الأطراف الفلسطينية “كافة” الى لقاء في القاهرة، تعزيزا للنداء الرسمي الفلسطيني، لا بد من التفكير العملي بما سيكون من نتائج لقاء، قبل الذهاب الى عقد اللقاء، لو كان النداء حقا يريد تعزيز “الجبهة الداخلية” في ظل اتساع حركة المشروع الاستيطاني التهويدي في الضفة والقدس، وتسارع خطاه أضعافا مضاعفة عما كان ما قبل يونيو 2023.
نقطة الانطلاق لإظهار جدية فتح والرئيس محمود عباس، قبل الآخرين، ان ينطلق في تحديد خلية عمل تفتح ورشة اتصال مع فصائل منظمة التحرير المشاركين في التنفيذية والغائبين عنها، باعتبارهم شركاء التمثيل الوطني الفلسطيني، وشركاء الثورة الفلسطينية المعاصرة، وموضوعيا يمثلون “أم ولد المشروع الوطني”، بالتوازي لقاءات مكثفة جدا مع حركة الجهاد، والتي تتمتع بتقدير شعبي وفتحاوي خاص، كونها لم تكن طرفا في مشروع بديل، وليست صاحبة مشروع بديل.
أهمية الحوارات المسبقة بين فتح وقوى منظمة التحرير من جهة، وبينها وحركة الجهاد من جهة أخرى، سيمثل قوة دفع جوهرية لنتائج أي لقاء قادم، وتشكيل قاعدة صلبة تكون ضامنة حقيقية لنتائج لا يجب أن تكون نسخة مكررة عن نتائج لقاءات سابقة، وغالبها إن لم نقل كلها حملت “قرارات” شاملة لكنها بلا أقدام.
الحوارات المسبقة لا يجب أن تقتصر على “الكلام السياسي العام”، بل يجب أن تذهب لـ “فكفكة” الكثير من “العقد الثنائية” بينها وبين فتح، وأن تنتهي عقلية “الحظر” التي فرضها الرئيس محمود عباس على فصائل في منظمة التحرير لأنها خالفت مساره السياسي، وهنا دور فتح، ان تحمي منظمة التحرير من “النزعة الفردانية” التي سادت، وان تكسر كل مظاهر التمييز على قاعدة “عاش الرئيس”، وتضع قواعد مشتركة مع الوطنية الفلسطينية، باعتبار أن “الاختلاف حق” في مواجهة خيار “البديل مرفوض”، ودون قواعد عمل متفق عليها لإنهاء مرحلة التمييز و”العصبوية” لن تدرك فتح غايتها، أي كانت رغبة الآخرين.
وتحتاج حركة “الجهاد” حوارا أكثر تعقيدا مع حركة “فتح”، لتراكم “عٌقد” تبدو وكأنها “مستعصية”، لكن يمكن اذابتها بسهولة جدا في ظل الثقافة الوطنية للجهاد قيادة وتكوينا، ولكن سياسة عدم الإحساس بالآخر، التي مارستها قيادة فتح وخاصة الرئاسة الفلسطينية، وبعض ممارسات يمكن اعتبارها “خالية من الاحترام” لا يمكنها أن تصنع تغييرا حقيقيا.
وكي لا تتكرر لقاءات الفشل الحتمي، يجب تحديد مسبق لجوهر عناصر الاتفاقات قبل الذهاب، وتحديدها انطلاقا من قاعدة “فك الارتباط بدولة الاحتلال”، ما يعني:
* تحديد أولويات الدولة واستبدالها بالسلطة وفق جدول متفق عليه، وآليات محسوبة باتفاق واضح وطنيا، وشراكة عمل كاملة، في مؤسسات الدولة والمنظمة.
*يجب وقف كل تفكير في أي عمل مرتبط بمهام المرحلة الانتقالية والسلطة الراهنة، بما فيها المطالبة بانتخابات للسلطة وليس للدولة.
*وضع خيار الاستبدال الديمقراطي التوافقي بديلا للانتخابات الانتقالية، التي تكرس الجوهر الاحتلالي وتكسر انطلاقة فك الارتباط بدولة الاحتلال.
*خيار الاستبدال الديمقراطي يمر عبر مؤسسات منظمة التحرير، وتحديدا المجلس المركزي ليصبح برلمان دولة، شرط أن يراعي ميزان قوى تمثيلي حقيقي وليس انتقائي وفقا لمعاير سابقة، أو الذهاب لخيار حساب أخر تشريعي للسلطة المنحل بقرار رئاسة ومصادقة المحكمة الدستورية (بعيدا عن شرعية أو لاشرعية القرار)، قوة تمثيلية حسب العدد السكاني في الضفة والقدس والقطاع قياسا بالعدد الكلي للشعب الفلسطيني، ويتم تمثيلهم في البرلمان الجديد وفقا لذلك.
*الاتفاق على انتخاب رئيس دولة فلسطين من برلمان الدولة الجديد، دون محاولة الفرض الانتخابي أو التصويتي الآلي بالتصفيق.
*تشكيل حكومة دولة فلسطين وتخضع للمحاسبة من برلمان الدولة.
تلك مسائل جوهرية ما لم يتم حلها أولا، فخير لفلسطين عدم عقد لقاء سيكون فشلا مركبا، مع كسر روح الثورة المتنامية، ومنح قوة إضافية للمشروع البديل، الذي لم يعد سرا ابدا، بل أن ملامحه وأطرافه تنطق بكل اللغات الحية أنه مستعد.
ومسألة أخرى تتعلق بحركة فتح، أن كل حوار وطني دون حوار فتحاوي داخلي يضع حدا لما حدث بها منذ عام 2011، لن يكون ناجحا أبدا، فالمختلفين ليسوا عددا ورقما، بل ظاهرة ولها قوة وفعل وحضور، يزيدون فتح قوة فوق ما لها، وسلاحا في وجه خصومها، لتشرق حركة الجماهير نحو حماية الوطنية الفلسطينية، مشروعا وتمثيلا.
اما بخصوص حركة حماس، فلا حديث معها سوى بعد ترتيب “البيت الفلسطيني من غيرها”، ثم وضعها امام حقيقة جديدة استغلت غيابها طوال سنوات الانقلاب، استخدمتها لتعزيز الانفصالية وبناء “حكم ذاتي إخواني خاص” في قطاع غزة، وعليها الاختيار أن تكون ضمن “الوطنية الفلسطينية” أو المضي بمشروعها الخاص، وعندها تصبح هي في مواجهة الكل ولكل حادث سياسي حينها حساب.
ملاحظة: قدمت “فئة ضالة وطنيا” هدية سريعة لدولة الاحتلال، التي هربت من مخيم جنين، عندما تطاولت على قيادات فتحاوية، بينهم القائد الوطني محمود العالول، فعلة مشبوهة من راسها لساسها…اللي بدي يحاسب حدا يستنى كم ساعة مش يحرف المشهد من فرح وطني الى “غم وطني”..خدمة العدو مرات بقصد ومرات بغباء وهات فسر يا مفسر!
تنويه خاص: مشهد عنف شرطة دولة الكيان ضد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب، وعمليات دهس وضرب، تعكس أن الفاشية تذهب لفتح خيار الحرب الأهلية اللي حذر منها الكثيرون.. سموتريتش وبن غفير هدايا لفضح العار المخزون في دولة الغزو والاغتصاب، بس مين يفهم!