كتب حسن عصفور / لا نعتقد ان ما حدث في الساعات الأخيرة من تصريحات للرئيس عباس بخصوص قطاع غزة جاءت مصادفة، ففي خطابه أمام خريجي جامعة الاستقلال، والشوق الشعبي والوطني لعودة القطاع الى حضن الشرعية، مرفقها بتصريحات أنه لا يوجد أي هدف أو نية لاقصاء حماس من المشهد، وبعدها نجد أن الرئيس يهاتف وزير المخابرات العامة المصرية من أجل القيام بفتح معبر رفح المغلق بقرار نظرا للحالة الأمنية في سيناء، كما تقول مصر، للطلبة والمرضى والحالات الانسانية، خاصة وأن عشرات من طلبة غزة تظاهروا أمام المعبر مناشدين العمل على عدم انهاء مستقبلهم العلمي..وبعد سويعات يصدر قرارا مصريا مستجيبا لطلب الرئيس بفتح المعبر لمدة 48 ساعة..
وفي خطوة غابت كثيرا أعلن الناطق باسم الحكومة الفلسطينية أنهم مستعدين وفورا لتوريد الوقود الى محطة كهرباء غزة كي لا تتوقف ما يؤدي الى خلق “كارثة انسانية”، خطوات لم تأت بالمصادفة الزمنية أو السياسية، بل يبدو أنها ضمن تطور في الادراك الذي تم تغييبه للمسؤولية الخاصة التي تقع على عاتق القيادة والحكومة، وأن المسؤولية ليست تعبيرا عاطفيا بخطاب، أو تعبيرا عن محبة خاصة لأهل القطاع، أو بالاساءة المتعمد بالحديث غير الدقيق والتحريضي ان أكثر من 58 من موازنة السلطة تذهب الى قطاع غزة، وهو كلام لا يمت للحقيقة باي صلة، ولكنه يشكل تحريضا باطنيا ضد القطاع من أهل الضفة الذين قد يصدقون هذه النغمة الكاذبة..
ما حدث مؤخرا يمكن اعتباره عودة لروح المسؤولية نحو قطاع غزة،خاصة ما بعد التطور الهام الذي حدث في مصر باسقاط الحكم الاخواني وما اصاب حماس من ضرر سياسي واقتصادي ايضا، فالحديث عن التأييد الشعبي والوطني لعودة القطاع لحضن الشرعية والبدء بخطوات تبدو أنها خطوات غير كلامية، تشكل بداية جديدة في آلية التفكير نحو القطاع وأهله، وهو ما يفرض من جهة أخرى، تحركا منتظما لتكريس تلك المسؤولية، وتعزيزها كي لا تبدو أنها “رد فعل انساني” بل جزءا من تصور ورؤية باعتبار قطاع غزة جزءا من الشرعية وأن عملية الخطف لا تؤدي الى خروجه من المشهد المسؤول..
كي لا تصبح الخطوات الأخيرة للرئيس عباس وحكومته، التي نأمل ان تصدق قولها وفورا تبدأ بارسال الوقود ضمن الاتفاق السابق مع رجال الأعمال وهيئة الطاقة، يجب أن ترتقي الخطوات لتعلن ضمن خطة شاملة لمعاجلة كل ما يعاني منه القطاع، من الموظفين العاطلين عن العمل ولم يعد يلتفت اليهم سوى بالراتب وكأنهم أصبحوا ضمن الحالات الاجتماعية، كم هائل من العاملين دون أي تطور وظيفي أو مهني، في مختلف المجالات، الى مسألة جواز السفر الذي يعتبر الحصول عليه عملا شاقا وأحيانا يتحول الى حالة لا انسانية تخضع لعمليات لا تليق بالانسان الفلسطيني..
وكي لا يتم بحث القضايا والتطرق لها واحدة بعد الاخرى فالأنسب أن تبادر الرئاسة وبالتنسيق مع الحكومة المفترض أنها ستعلن، ومن أجل الاهتمام بشؤون القطاع عامة الى تشكيل “هيئة وطنية” تتولى القيام بمهام الرئاسة والحكومة وتصبح مسؤولة كل ما هو مرتبط بالشرعية الفلسطينية، ومنذ سنوات طالبنا باعتماد “هئية العمل الوطني” كجسم تنسيقي مع “الشرعية” مع منحها كل ما هو ضروري للقيام بواجبها، بعيدا عن عقلية الهيمنة والاستحواذ التي مارسها بعض من قيادات فتح، ومحاولة تجريد أي فكرة وحدوية من جوهرها كي تبقى تلك الأدوات صلة الوصل مع “الشرعية” وقد اثبتت فشلها بطريقة مذهلة..
البحث المسؤل في كيفية التواصل مع القطاع ولبحث حلول لازماته، قد تجد ايضا حلا عمليا مع الشقيقة مصر لمعبر رفح تراعي بين الضرورة الانسانية – السياسية لأهل القطاع، والحاجة الأمنية لمصر في محاربتها للقوى والتنظيمات الارهابية، وبعيدا عن رأي حماس وارتباطها بالجماعة الإخوانية، ومن يفكر في حل الأزمةسيجد بالتأكيد طرقا مناسبة لها، المهم أن تدرك الشرعية الرسمية أنها مسؤولة بشكل مباشر عن القطاع، وأن خطف حماس لمقاليد الادارة لا يعني أن تجلس الشرعية على قارعة الطريق تعدد كوارث الوضع العام في القطاع..
وهنا وبعد تشكيل الهيئة تصبح حركة حماس أمام مسؤولية خاصة إما أن تدرك وعيا بأنها لا تستطيع الاستمرار في خطف القطاع، كما أدرك بعض قادتها، وبالتالي عليها إعادة الأمانة الى اصحابهاـ وتبدأ رحلة العودة للنسيج الوطني العام، أو تصر على موقفها بالخطف القهري وعندها عليها الاستعداد لمواجهة من نوع جديد، تبدأ بتشكيل هئية وطنية ترتبط بالشرعية يتم التعامل معها كممثل شرعي للقطاع، ويمكنها ان تكون قناة الاتصال لحل كل ما يواجهه، ولو عرقلت حماس عمل الهيئة ستكون في مواجهة مباشرة مع الشعب وتكشف أنها لا تبحث فك حصار قطاع غزة..
لا مجال للبحث التفصيلي في تقديم افكار للخروج من النفق المظلم لأهل القطاع، لكنها مؤشرات يمكن الاستفادة بها ومنها لو كانت هناك جدية حقا في اعتبار القطاع جزءا من “الشرعية الرسمية والوطنية”..
ملاحظة: تصريح ظاظا حماس بأن ما حدث في مصر هو “خريف عربي” وانحراف نحو “مشروع صهيو أمريكي” ليس سوى جهل سياسي بالحقيقة المجردة ..وكأن أوباما وماكين ضد الصهيونية ايضا!
تنويه خاص: الخجل حالة انسانية يبدو أن الفريق الفلسطيني المفاوض فقدها.. يواصل رحلته وكأن الأحوال على ما يرام..والمصيبة عندما يقولون أنها مفاوضات عقيمة.. العقيم عقلا هو من يصر على فعل العقم ذاته!