كتب حسن عصفور/ لم يعد هناك أملا بأن تتجه القيادة الرسمية الى خيار في المرحلة الراهنة غير طريق استمرار المفاوضات، رغم أنها بلا جدوى، ولا فائدة، ومضرة وكارثية وكل الأوصاف التي يقولها “الطاقم المفاوض”، وكل أنصار وقيادات ومتحدثي حركة فتح، حتى الرئيس محمود عباس لا يترك مكانا اعلاميا ليشكو مر الشكوى من تلك المصيبة التي حلت به وعليه، بل أنه لا يكل ولا يمل من الشكوى لطوب الأرض مما ينتظر، حتى أنه طالب صحفيي مصر مراقبة “صراخهم” بعد قليل..
كل تلك الشكاوي والصراخ تأتي من الجهة الغارقة بالمفاوضات حتى أخمس قدميها، فما بالنا بمن هم أصلا ضد تلك المصيبة التي حلت بفلسطين، وتساعد يوميا في تقليص قوة الفعل الوطني لصالح زيادة فعل المشروع التهويدي – الاستيطاني، مع كل ما يمكن للقيادة الفلسطينية القيام به، لو أنها أرادت، من حصار لدولة الكيان حصار مذلا، ولكن ليس كل ما يطلبه أهل فلسطين يجد له صدى عند من يمسك “مقاليد التحكم” بالقرار الوطني، فهم لهم مسارهم وشعب فلسطين ينتظر مسارا غير مسارهم، وكان لقاء الرئيس عباس يوم أمس وما تم نشره في صحف عبرية، منسوبا له، يؤشر أن التفاوض ولا غيره هو “البديل القائم”، مضافا له التمسك بالتنسيق الأمني، مهما كانت الظروف، وهو بذلك يؤكد أن الاجراءات الاسرائيلية العقابية لن تجد ردا، ويكذب كل ما حاولت قيادات فتحاوية تمريره سابقا..
الغريب أن وسائل اعلام الرئاسة تجاهلت كليا، ما نسب الى الرئيس من أقوال، ومنها أيضا، ان الرئيس أدان مقتل مسؤول وحدة التجسس في الشرطة الاسرائيلية، إدانة تجنبت وسائل الاعلام الرسمية الفلسطينية أن تعيد نشرها، خجلا وكسوفا سياسيا، وكأن ما ينشر في الاعلام العبري لن يجد طريقه للقراءة او المعرفة، ما يؤكد أن الاستهتار والاستخفاف بالفلسطيني هو “سيد الموقف الرسمي”..
ووسط ذلك المشهد السياسي العجيب، الذي يقترب من “مشهد سريالي”، تتسرب أقوال وأحاديث عن أن الاجتماع القادم للمجلس المركزي الفلسطيني، يوم 26 ابريل الحالي، سيكون محطة “تاريخية” لبحث فيما يبحث، مسألة “تجديد الشرعيات الفلسطينية”، وهو مصطلح يقفز الى الواجهة تحت ستار أن “هناك مؤامرة على الشرعية والقيادة”، وحتى تاريخه لم تتكرم تلك الجهات بتحديد من هي تلك الأطراف “المتآمرة على القيادة”، وهل يمكن اعتبار خطاب محمود عباس الفضيحة في مجلس فتح الأخير، مرجعية لتلك “المؤامرة”، ولعل حملة المباخر للترويج لتلك المقولة يقفون اليوم أمام خلف فكرة “تجديد الشرعيات”..
وبداية ما هي الشرعيات التي يمكن التجديد لها، فهل هي رئاسة السلطة الوطنية، ومجلسها التشريعي، باعتبار أن المجلس المركزي هو صاحب “الولاية القانونية” على السلطة الوطنية، ام تجديد شرعية “مؤسسات المنظمة ذاتها” رئيسا ولجنة تنفيذية، وهل يمكن اعتبار ذلك الغاء كليا لمبدأ الانتخابات العامة التي كانت على الأبواب مستغلين رفض حركة حماس الموافقة على جزء منها دون أن تكون شاملة لك أجزاء الانتخابات..وطبعا ستكون زيارة “الوفد الشقيق” الى قطاع غزة منتصف الاسبوع المقبل وقبل ساعات من انعقاد المجلس المركزي الذريعة التي ستغطي لعبة التجديد تلك..
الأسئلة التي تقفز من خلف ستار مقولة “تجديد الشرعيات” أكثر كثيرا مما يتوقع أصحاب تلك الفكرة، فهي بداية تكرس عمليا الواقع القائم للسلطة الوطنية الفلسطينية، بكل مؤسساتها، ما يعني الغاء القيمة السياسية الكبرى لقرار الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين، وسيكون ذلك التمديد تكريسا لإطالة أمد المرحلة الانتقالية بكل ما عليها من شروط والتزامات، وأنه يلغي كليا فكرة اعلان “دولة فلسطين تحت الاحتلال” بديلا للوضع القائم..بما يتطلبه ذلك من تغيير كلي للواقع السياسي – القانوني وقطع كل صلة بمؤسسة الاحتلال، واعادة القضية الفلسطينية برمتها الى الأمم المتحدة، وما يتطلبه ذلك من انشاء مؤسسات غير المؤسسات القائمة، ومنها أن يكون هناك رئيس لدولة فلسطين وبرلمان خاص، وتنتهي كليا تلك الارجوحة القائمة..
أما تجديد الشرعيات ضمن ما هو قائم، فذلك ليس سوى منح الرئيس محمود عباس عمرا سياسيا كرئيس للسلطة الوطنية، رغم أنه تحدث كثيرا عن عدم الاستمرار، لكنه سيجد من يقول له أن لا رئيس الا أنت، ليست تلك المسألة من يكون رئيس السلطة، لكن المصيبة ان يتورط المجلس المركزي في قرار سياسي يصب في خدمة المشروع الأميركي – الاسرائيلي لاطالة أمد عمر السلطة على حساب دولة فلسطين..القضية ليست شكلية اطلاقا، فأصحاب التجديد للشرعيات هم أيضا اصحاب التمديد للمفاوضات، وهو ما يخدم عمليا المشروع التهويدي – الاستيطاني..
من أهم واجبات المجلس المركزي لو أراد أن يحمي الشرعية الوطنية، هو أن يقرر وبلا أي تأخير، اعلان دولة فلسطين بديلا لكل ما هو معروف باسم السلطة الوطنية، والغاء كل ما يتعلق بها ولها، واستبدال مؤسساتها بمؤسسات دولة فلسطين، وأن يعلن عن جلسة خاصة طارئة في زمن لا يتجاوز الاسبوعين لبحث اختيار انتخاب رئيس وتشكيل برلمان مؤقت لدولة فلسطين، وتسمية “حكومة انتقالية مؤقتة”، ووضع استراتيجية سياسية جديدة تأخذ بالاعتبار تلك التطورات، تلك البوابة الحقيية لحماية الشرعية الفلسطينية..وكل تجديد أو تمديد لشرعيات السلطة بكل مسمياتها القائمة سيكون مشاركة فعلية في حصار مشروع فلسطين الاستقلالي، ولن ينفع معها كل الذرائع التي تختبئ خلف “مؤامرة وهمية”!
مسؤولية فصائل منظمة التحرير تاريخية في قطع الطريق على تلك “المؤامرة الجديدة”..فلا شرعية سوى لمؤسسات دولة فلسطين ومنظمة التحرير ودونها ليس سوى شرعيات وهمية وواهمة!
ملاحظة: بدأت حركة الترهيب السياسي لمن يفكر بمعارضة “تمديد الفضيحة – المفاوضات”..الراتب لن يصرف كاملا..رغم ان اعلام دولة الكيان نشر ان أموال الضرائب لم تتوقف بعد!
تنويه خاص: لماذا لم تتوقف القيادة الرسمية الفلسطينية أو مؤسسة عرفات أمام تصريحات المسؤول الاسرائيلي موفاز عن اغتيال الخالد ابو عمار..التصريحات تشكل وثيقة مطاردة لحكومة الاحتلال..طبعا لو اريد محاكمتها على تلك الجريمة!