كتب حسن عصفور/ لا نظن أن هناك من لا يزال مراهنا بوجود “قوة خفية عسكرية” يمكنها تحقيق رغبات بعض من اعتقدوا أن “سحق النظام السوري وبشار الأسد” قاب قوسين أو أدنى، ولا يمكن لعاقل بعد الصفقة الروسية الأميركية من لا زال حالما بأن تبدأ القوات الأميركية بتدمير سوريا بمن فيها حكما وشعبا ومؤسسات، فقط لارضاء بعض الأصوات التي ظنت – وظنها كان اثم خالص – أن الحلم بات قريبا..
انتهت الأوهام جميعها بتحقيق “هزيمة النظام السوري عسكريا وسريعا”، بل أن ملامح المشهد العام الاقليمي والدولي والميداني، تشير أن مكانة النظام باتت افضل مما كانت عليه منذ عامين، وتلك مفارقة قد لا يدركها من كان “حالما” بالجبروت الأميركي، او الوهم التركي القطري، ولأن كل المؤشرات السياسية تقول أن “مؤتمر جنيف2 ” بات هو الحل السياسي المناسب للمسألة السورية، اصبح لزاما بل وضروريا من بعض الدول العربية التي بدأت بالتقارب السياسي فيما يمكن تسمية محور “التمرد الرسمي العربي” على الهيمنة الأميركية في عقد لقاء قمة لبحث تطورات الأزمة السورية، ووضع تصور عربي للحل السياسي في المرحلة المقبلة، قمة تجمع بالأساس مصر والعربية السعودية ودولة الامارات والاردن والكويت، وربما يكون حضور الجزائر مهما، مع نبيل العربي والأخضر الابراهيمي، لقاء يبتعد كليا عن التعامل بالرؤية “الثأرية – الانتقامية” من النظام السوري ورئيسه الأسد، لتصفية حسابات مرحلة ماضية أو لعلاقة مع ايران وحزب الله، ببعد طائفي..
“القمة المطلوبة” ضرورة لتأخذ بعين الاعتبار أن “اسقاط الرئيس السوري” لم تعد أولوية للولايات المتحدة، وبالتالي لن تكون نقطة مفصلية في “مؤتمر جنيف 2″، فأمريكا لم تعد قوة حاسمة في الملف السوري، خاصة بعد أن لعب النظام بذكاء، افتقده لزمن، بورقة السلاح الكيماوي، ما أجبر وزير خارجية أمريكا والامم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية – الفائزة بنوبل للسلام دون أن يكون لها أي إنجاز يذكر قبل سوريا- الاشادة بتعاون سوريا في تنفيذ القرار..الثناء هنا ليس مسألة فنية كما يمكن أن يترجمها بعض كتبة واعلام “راغبي الحرب فورا”، بل هو رسالة سياسية تعلن تغييرا جوهريا في مواقف أطراف الثناء الخاص.. مضيفا لها ما أعلنه مصدر أمريكي بأن بقاء الأسد أو رحيله ليس من شأن أمريكا..
لا يمكن اسقاط هذه العناصر لدى قراءة المشهد المقبل، ولذا لم يعد ممكنا أن تجلس الدول العربية المؤثرة بانتظار أن تذهب الى جنيف لتصبح مهمتها الانصياع لما سيتم اقراره في “صفقة روسية – امريكية” يتم التمحور مجددا حولها ما بين قابل لها او رافض او منطو في زاوية الحشر، وكي لا يكون الحضور العربي بأي صفة أو مسمى شاهد زور أو كذكر النحل، الاستخدام لمرة واحدة، بات من المفروض أن تلتقي تلك الاطراف صاحبة المصلحة المشتركة في رسم ملامح مستقبل عربي ليس هو ما كان عليه في الماضي، مستقبل يؤكد “استقلالية سياسية” تصون “الكرامة الوطنية” وبما لا يمس “السيادة الوطنية” تلك المقومات التي ستكون مرتكزات للمستقبل الرسمي السياسي لمن يريد الا يدفع ثمنا مضاعفا للهبوط الأميركي..
الرؤية العربية يجب أن يكون اساسها “بناء نظام سوري ديمقراطي” بعيدا عن وضع شروط تبدو وكأنها شخصية، فالنظام الديمقراطي هو بذاته الهدف المركزي للشعب السوري، وبالتأكيد اي نظام بهذه الأسس الكفيلة ببناء دولة بلا استبداد أو طائفية لن تسمح لأفراد أن يستمروا كما لو أن ما حدث كان “مزحة سياسية”، ولذا يجب ان تكف الدول العربية المؤثرة عن البقاء تدور في فلك دائرة “مصير الأسد بدلا من مصير سوريا” فالجوهري لبداية الحراك كان اسقاط الاستبداد الأمني وبناء سوريا ديمقراطية، وهي المسألة المركزية التي يمكنا أن تكون قوة التغيير، والبقاء في ذات الدائرة إما اسقاط الأسد او لا حراك، يعني أنها ستكون خارج المعادلة الدولية في الحل المقبل، وبعيدا عن الأوهام فلا فرنسا ولا تركيا يمكنها أن تكسر قوة الدفع بحل السياسي، أما الرهان على المعارضة المسلحة أو السياسية لاسقاط النظام فقد اثبتت الأحداث بأن ذلك بات شكلا من اشكال اعادة انتاج “المنقرضات الطبيعية”..
الوقت يمر سريعا والمؤتمر يقترب، والمسرح بدأ بالتحضير في جنيف، وروسيا وأمريكا بدأتا العمل لترتيب الأوراق كل فيما يرى أنه سيدعم موقفه الخاص..حتى ايران باتت تضع شروطا لمشاركتها التي باتت مطلبا امريكيا قبل أن يكون روسيا أو سوريا لحسابات مستقبلية تسير باسرع من قدرة تفكير البعض العربي..الغائب الوحيد عن المشهد هوالطرف العربي المؤثر، الذي لا تزال بعض أطرافه تعيش في “عقدة الثأر والانتقام”، موقف غير سياسي ولو استمرت بذلك ستدفع ثمنا مضاعفا لحماقة سياسية لا اساس لها من الفعل الايجابي.. الرؤية العربية الخاصة لسوريا بلا استبداد وديمقراطية هي الجوهري الذي يجب أن يكون اساس تصور عربي للحل السياسي..
المبادرة الفعالة لا تنتظر..فالمشهد أسرع حراكا من “التفكير النمطي” السائد عند بعض اصحاب القرار الرسمي عربيا.. وعليهم أن يتذكروا أن “الحل على الطريقة اليمنية” لم ينتج حلا ولا نظاما..فاليمن لا تزال تعيش مرحلة قد تصل بها الى الانقسام.. تجربة يجب الاستفادة منها جيدا عند رسم ملامح “رؤية الحل العربي” للمسألة السورية..خاصة اذا ما تم الاستفادة من زخم الثورة المصرية وما خلقته من “محور عربي مختلف” ومطلوب شعبيا، ولعل القيادة السعودية تحديدا وقبل غيرها أن تدرس مدى الشعبية التي نالتها بتمردها على الموقف الأميركي لدعم مصر الثورة..وقد تحصد أضعافها لو تصرفت بذات الحكمة والقوة في الملف السوري.. التاريخ الجديد يبدأ عربيا لو تبلورت رؤية لحل لبناء سوريا الجديدة!
وليت من يصل الى دمشق قبل الذهاب الى جنيف ..وقد تكون دولة الامرات الأكثر تأهيلا للعب دور خاص ومميز في كسر حلقة الانغلاق السائدة منذ زمن..
وحسنا فعلا الرئيس محمود عباس بارساله مندوبا للرئيس الأسد حتى لو كان “الغلاف” حماية المخميات ..لكنه كسر حظرا لم يكن له ضرورة!
ملاحظة: تحية خاصة لحركة “الجهاد الاسلامي” في ذكراها.. تحية للمؤسسين وشهيدها الرمز الشقاقي.. تحية لقيادتها التي احسنت فعلا كفاحيا بثوب فلسطيني.. رسمت معادلة وطنية خاصة..طوبى لكل من استشهد تحت رايتها من اجل وطن لا زال ينتظر الحلم!
تنويه خاص: ستبكي السماء الانسانية فقدان الصوت الذي قد لا يتكرر..وديع الصافي كم من اسمك بك ..ستبقى خالدا بصوتك وفنك..سلاما أيها الفنان – الانسان!