كتب حسن عصفور/ بلا شك، سيكون يوم 7 أكتوبر 2023 مفصلا خاصا في مسار الصراع العام، وخاصة في المشهد الفلسطيني – الإسرائيلي، بعيدا عن الجانب “الملحمي” لغالبية شعبية، عما حدث ما قبل انتقال المعركة الى بعد إبادي تدميري لم يكن له حضورا منذ النكبة الكبرى، لتصبح حرب دولة الكيان نكبة أكبر مما سبق.
لا زال مبكرا الذهاب الى “الاستنتاجات التقييمية”، رغم بعض ملامحها التي بدأت تتضح خلال مسار الحرب، وتطوراتها التي لم تستقم لبعض الحسابات الذاتية فلسطينيا، وخاصة ما لم يكن “فزعة حربية” انتظروها ضمن ما كان مطروحا كلاميا بقوة، بدت وكأن “ساعة القيامة” السياسية دقت أبواب المنطقة لتعيد رسم خرائطها وفقا لرغبات متعددة، فجاءت الساعة وتبين أنها معطلة لحسابات “المتاجرة السياسية”، نحوتحقيق مكاسب ذاتية للبعض ممن كانوا قوة دفع لـ “عملية التوريط” الكبرى في أكتوبر.
ومع بروز تطورات بدأت تتضح نسبيا حول وضع قواعد لما بات مسمى بـ “اليوم التالي” للحرب على قطاع غزة، جوهرها الرئيسي قطع الطريق على “فائدة سياسية جذرية” للشعب الفلسطيني نحو تحقيق هدف الاستقلالية الوطنية، التي مثلتها كيانيا السلطة الفلسطينية منذ حجر الأساس مايو 1994، واستخدام العملية الملحمية يوم 7 أكتوبر 2023، وجانبها المتمرد كعقاب تاريخي وليس فتحا تاريخيا لحل صراع تاريخي.
ملامح “اليوم التالي” للحرب على قطاع غزة، يمكن قراءة بعضها من خلال مسمى مفاوضات “الهدنة الإنسانية”، بعدما انتقل من اتصالات هاتفية و”لقاءات ثنائية” بين جهاز مخابرات دولة العدو “الموساد” ودولة قطر بالدوحة بصفتها “حاضنة قيادة حماس” إقامة ومضافا، الى شكل جديد من “التفاوض الثلاثي” بمشاركة رئيس وزراء قطر محمد عبد الرحمن آل ثاني مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز ومدير جهاز مخابرات دولة الكيان “الموساد” ديفيد برنياع في عواصم أوروبية، لبحث ما أصبح دارجا بشكل ملفت بمسمى “الهدن الإنسانية” لواحدة من أكثر حروب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في العصر الحديث.
مضمون “المفاوضات الثلاثية” يحاول حصر مسار الحرب التدميرية العام، الى زمن هدوء من أجل إطلاق سراح إسرائيليين وأمريكان لدى فصائل فلسطينية في قطاع غزة، وبالأساس حركة حماس، كمؤشر للقيام بعملية تضليل وتطويق لما كان يجب أن يكون، وتلك أول مسألة يجب أن تدق جرس الإنذار للفصائل الفلسطينية، باعتبار ان المسار الحربي لا يجب وضعه في سياق “تبادل رهائن مع تبادل أسرى”، أي كانت قيمة العملية معنويا، وأهميتها إنسانيا خاصة لمن ينتظر حريته من معتقلات دولة العدو.
واستباقا لما يمكن أن يكون، وقبل الذهاب لفرض وقائع يصعب تصويبها، أي قبول فلسطيني فصائلي بمسار تفاوضي ثلاثي لفرض “هدن مؤقتة” مقابل معادلة “رهائن – أسرى” سيكون خطيئة سياسية كبرى، بل وتعزيز للرواية الاحتلالية بأن ما فعلوه كان رد فعل على فعل سبق، وتلك مسألة جوهرية في رسم ملامح اليوم التالي، وإهمالها مقدمة لوضع قواعد يصعب لاحقا تعديل مسارها، خاصة وأن إطالة أمد الحرب التدميرية، في ظل ظروف غير متوازنة أبدا، وحسابات لم تستقم وفق حسابات ما قبل الحدث.
ذلك، يتطلب تحديد موقف فصائلي فلسطيني موحد، كي يكون حاضرا بشكل غير مباشر، وأن تتوقف حركة البيانات “القزمة” أو “الانفعالية” والحزبية الخاصة، وتبدأ بصياغة رؤية كاملة لما يجب أن يحكم معادلة وقف الحرب و”رهائن مقابل أسرى”، بعيدا عن تعابير “الكل مقابل الكل”، وألا ينحصر الأمر في ذلك المظهر رغم قيمته، ولكن يجب أن يكون جوهر المسألة التفاوضية مرتبط بالحرب ذاتها.
الأمر هنا، يتصل مباشرة الى ما هو غير معلن من خلال محاولة أمريكا ودولة الكيان، لفرض واقع سياسي يبدو أن البعض العربي الرسمي غير مدرك له أو يتجاوب معه، حول وضع قواعد للمشهد “اليوم التالي” للحرب من خلال مفاوضاتها الجارية، التي تستبعد أي حضور فلسطيني من المشاركة المباشرة، او المشاركة المجاورة، مستبدلة إياها بطرق اتصالية فردية.
الحدث التفاوضي الثلاثي في غياب الفلسطيني، يعيد الأمر للتفكير بأن “الوصاية المستحدثة” بدأت تطل برأسها، تحت ذرائع مختلفة، فالتغييب بذرائع لمن هو صاحب الأمر ليس جانبا ديبلوماسيا، بل جزء جوهري لرؤية أعلنتها أمريكا قبل دولة الكيان، حول مستقبل قطاع غزة السياسي.
“التفاوض الثلاثي” المجزوء يمثل نكسة سياسية وخطر سياسي فيما لو تواصل مضمونا وشكلا، وقبل ان يكون الثمن المدفوع مركبا، بين دمار لسنوات وانتكاسة سياسية لسنوات أكثر تطيح بكل مكاسب وطنية كانت، من الضرورة الوطنية الكبرى، ان تعلن الفصائل الفلسطينية ذات الصلة، موقفا علنيا من المفاوضات وماذا تريد والهدف، والدور، والمشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقطعا لطريق رسم ملامح “الوصاية السياسية المستحدثة”، وبعد تحديد موقف متفق عليه معلن، ليتم تشكيل وفد فلسطيني مشترك يضم ممثلين عن الرسمية الفلسطينية والفصائل ذات الصلة، مع وضع قواعد عمل مشتركة، يمكنه المشاركة بشكل مباشر وفي حال رفض مشاركة الفصائل، يمكنها ان تكون في ذات المكان التفاوضي وتشارك الرسمية الفلسطينية وفق اتفاق محدد.
بالتأكيد، مقترح “الوفد الفلسطيني الموحد” لمفاوضات وقف إطلاق النار، كما يجب أن يكون، يواجه بعض الصعوبات، ولكن مخاطر تجاهله سيكون “أم الصعوبات الوطنية”.
ملاحظة: تصريحات نتنياهو حول افتخاره بتدمير اتفاق أوسلو ومنعه قيام دولة فلسطينية، هدية سياسية نموذجية، مع تصريحات كل قادة دولة العدو، لو صحيت الرسمية الفلسطينية وطاردته بدل مطاردة فصائل غزة الان..اجلوا شوي كلام السذاجة وشوفوا اللي بستحق ..لو مش مرتعشين منه طبعا.
تنويه خاص: أميركا الكبرى حالها حال..كل يوم برأي..مرة بدها تحد من حرب دولة الكيان على غزة باسم المدنيين ومرة أبدا كلها إشاعات فإسرائيل معها كل الحق تبيد شعب ومكان..ورغم هيك بيقلك أمريكا “شريك” مع العرب لوقف العدوان..مع انه الصراحة هي شريك بس في العدوان!
الموقع الشخصي