كتب حسن عصفور / لا يزال الرئيس محمود عباس وفريقه المفاوض “الفتحاوي” يصرعلى اعتبار المفاوضات الخيار الوحيد الذي يملكه، ولا يرغب في رؤية أي خيار بديل أو يبحث عنه، فيما تقوم بعض الأوساط المحيطة بالمقاطعة – مقر الرئيس – على وصف المفاوضات الجارية وكأنها الخيار الاستراتيجي الذي سيردع حكومة نتنياهو ردعا يفوق كل ما سبق من فعل ومواجهة، بينما آخرون يقولون أنه لا يوجد هناك خيارات غير هذه المسيرة التفاوضية، او بالأدق الجلسات الحكواتية التي تسير وفقا لمنطق ورغبة الطرف الاسرائيلي لا سواه..
وزير خارجية دولة فلسطين رياض المالكي، وهو شخصية مقربة جدا من الرئيس، يقول أن الطرف الفلسطيني سيتقدم بشكاوي خاصة بالتفاوض الى وزير خارجية أمريكا جون كيري خلال لقاء روما الاسبوع المقبل، وبعض التسريبات تشير أن الشكاوي الفلسطينية تبدأ برفض الفود الاسرائيلي حضور “الممثل الأميركي” جلسات عريقات ليفني، وأن الموضوع الذي لا يفارق النقاش هو الملف الأمني ولا تود تل أبيب الاقلاع عن هذه النقطة، باعتبارها “مفتاح” البحث للقضايا الأخرى، خاصة الحدود، ولذا بدا الطرف الففلسطيني المفاوض يشعر بحالة ريب وململة وضيق سياسي، وهو ما أدى بالرئيس محمود عباس لأن يعترف لقيادة فتح الموسعة – المجلس الثوري -، بانه لم يحدث شيء يمكن أن يقال أنه تقدم في الجلسات التفاوضية التي تتواصل بلا انقطاع، ويبدو انها ستبقى مهما حدث..
الاعتراف بالفشل والخيبة من تلك المفاوضات واستمرار حكومة نتنياهو بتنفيذ مشروعها الاستيطاني والتهويدي الى جانب تدمير البيوت الفلسطينية – هذه النقطة استفزت عريقات كونها بيوت في منطقة الأغوار فوصف اسرائيل بأنها غير مهتمة بالسلام ولكنه ذهب في اليوم التالي الى حيث الوفد الاسرائيلي- وقتل لا يتوقف الى جانب حركة اعتقالات مستمرة، مع حصار وتطويق لمدن الضفة وقطاع غزة، ومخطط لم يعد سرا ضد المسجد الأقصى، كل ذلك لم ينتج كرد فعل من الفريق المفاوض سوى الاستعداد لتقديم الشكوى للراعي الأميركي.. ومن المفارقات المؤشرة الى حجم الاستهتار الاسرائيلي بـ”شريكه” الفلسطيني أن وفد دولة الاحتلال يرفض حضور ممثل الحامي الأكبر لها اليهودي الصهيوني جدا مارتن انديك الجلسات التفاوضية.. هذه وحدها كافية لأن يحمل عريقات وزميله حقائبهم ويرحلوا الى غير رجعة..فهي الاهانة التي تقول لهم لن تفحلوا بالحصول على اي شيء..
وصدق نائب وزير الحرب الاسرائيلي دانون بقوله أن نتنياهو لن يجرؤ على التوصل لـ”اتفاق مرحلي مؤقت” يعيد بعضا من أراض الضفة – يسمونها يهودا والسامره- ولو فعل سيطرد شر طردة من الليكود..وكل ما يفعله الطرف المفاوض من فلسطين هو كتابة “المذكرات” وتسجيل “عدد الخروقات” وكميتها ونوعها، وربما تلوينها أيضا لمزيد من لفت انتباه الطرف الذي يعتبرونه “وسيطا منصفا وعادلا ونزيها”..
العجز السياسي لا يمكن أن يتم تغطيته بكذبة غياب الخيارات غير التفاوضية، بل لا يمكن اطلاقا استخدام حماس سلوكا وممارسة للبقاء أسرى لخيار وهمي وعبثي ولا نتيجة له باعتراف كل من يشتدق بأهميته، فكل الخيارات المتاحة وطنيا وسياسيا وهي أكثر كثيرا مما تحاول الفئة المصابة بعشق تفاوضي، وقطعا ليس من بينها هذا الخيار المسمى كذبا مفاوضات..وأبسطها وأهمها ايضا ولا يحتاج لعمل عسكري كي لا يعتقد هؤلاء أنه خيار تدميري.. خيار اعادة الاعتبار لقرار الأمم المتحدة الأخير الخاص بالاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا، وكما وصفه الرئيس عباس وبحق، هو قرار تاريخي، فبدلا من تجميد قوة فعل القرار وطنيا ودوليا مقابل لا شيء، يجب الاعلان عن اعادة تفعيل الحركة الفلسطينية للقرار، وقبل الذهاب الى روما لتقديم الملف الملون بالأصفر والأحمر والأخضر للخروقات الاسرائيلية، ولتكن البداية بأن يعيد الرئيس عباس اصدار أوامره للجهاز الحكومي لتنفيذ كل المراسيم التي سبق ان اصدرها وتتعلق بدولة فلسطين، اعادة الاعتبار كي تبدا رحلة احلال الدولة بالسلطة، ويعلن رسميا أنه أوقف تشكيل حكومة جديدة للسلطة وسيعتبر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هي “حكومة مؤقتة” لـ”دولة فلسطين” التي ومنذ اليوم تعلن أنها “دولة تحت الاحتلال”، وستتوقف المفاوضات الجارية حتى يتم اعادة صياغة الرؤيا وفقا لهذه الحقيقة السياسية الجديدة..
والاعلان لن يكلف الرئيس وحركة فتح اي خسائر سياسية، بل على العكس تماما سيجد ربحا وفيرا شعبيا ووطنيا والتفافا عربيا حوله، خاصة وأن الأجواء الشعبية العامة كارهة بل ومعادية لأمريكا، في حين هناك حالة حراك لفك الارتباط بهيمنتها، خيار لا يحتاج سوى لإرادة لا أكثر، كي لا يبقى البعض اسيرا لوهم وخدعة “ما هو البديل لتلك المفاوضات الوهمية”..
لم نذهب لخيارات المواجهة الشعبية أو الانتفاضة الوطنية كي لا يعبترها “القوم التفاوضي” انه “خيار توريطي”، لذا كان الخيار الممكن والمتوفر والمعقول بأقل الخسائر لو إعتبر بعضهم أن به خسائر.. اما الاستمرار في لعبة اللقاءات بين القدس واريحا وتل أبيب، فلن يكون له سوى كوارث لأصحابه قبل أن تصل للشعب الفلسطيني..
افيقوا ولو لمرة واحدة، الشكوى لأميركا أكبر مذلة يمكن أن تصيب شاكيها.. بل وهي أكثر سخرية مما يظنون.. فواشنطن لم تعد تملك من أمرها شيئا ضد حكومة نتنياهو، فأمرها هناك لضرب سوريا وبعدها لا تعرف ما سيكون..فهل يعتقد فريق الشكاوي والأوراق الملونة أن جون كيري سيدرك ما يكتبون..عله يجيبهم بلاش “لعب عيال”..فأمريكا تنتظر مأزقا استراتيجيا لو أنها لم تحقق بعضا مما تريد من ضربة سوريا العسكرية..احفظوا ما تبقى لكم من “كرامة” وكفوا عن مهزلة التفاوض واعيدوا رحلة دولة فلسطين الى حيث يجب أن تكون!
ملاحظة: تحول المفتش أردوغان يوم أمس الى سخرية نشطاء التواصل الاجتماعي بعد أن سقط من فوق حصان عربي.. بدأت السخرية بأن الحصان “تمرد” على محاولة الطيب بـ”أخونته”..اردوغان بات مسخرة بعد ان كان “حلما”!
تنويه خاص: من نوادر الزمن أن يتكلم بان كي مون خلافا للموقف الأميركي..تصريحه بخصوص خطر التصرف ضد سوريا دون قرار، شيء ملفت للإنتباه..بالمناسبة هل تخرج مظاهرات جادة في “بقايا الوطن” ضد الحرب الأميركية!