كتب حسن عصفور/ لعله أفضل ختام لمعركة مخيم جنين، والتي استمرت ما يقارب الـ 48 ساعة، ان تكون بمقتل وإصابة عدد من جنود قوات الفاشية اليهودية، مع خروج أشبه بحالة هروبية، حاول رأس التحالف الحاكم نتنياهو أن يروج قبلها، انها عملية لاجتثاث الوجود الفدائي في المخيم وحوله بمسمى يناسب الهدف (المنزل والبستان)، فكانت الصفعة أن يتم تصفية أحد جنود جيشه وبالصدفة أن يكون مستوطنا، قتلا مزدوج المهام.
المشهد الختامي لمعركة جنين وجه الرسالة الأبلغ لجيش الاحتلال وأدواته الأمنية، ان جنين مخيما ومحافظة عصية، كما فلسطين، على الكسر، أي كانت حالة الواقع السياسي، نظاما وفصائل، فمنظومتها الفدائية تشكلت عبر “معادلة صنع في جنين”، بدأتها منذ أبرز معاركها المعاصرة عام 2002، الى أن وصلت الى معركة يوليو 2023.
ولعل المتابع لبيانات جيش غالانت وهاليفي وجهاز رون بار الأمني، واستخباراتهم كل ما أعلنته إنجازا، بعد تدمير مسجد وعشرات المنازل واستشهاد 12 في جنين وشقيقهم الشهيد في رام الله، الحديث عن مصادرة كميات من القنابل والمتفجرات وورشة بدائية لتطوير أسلحة، وبعض هواتف محمولة..دولة تمتلك أحد أقوى جيوش المنطقة متطور تقنيا، يمارس كل أشكال التباهي الاستعراضي، لخص “نصره” بتلك “المنجزات الحربية”..وتلك بذاتها هي ملمح انهزامي كبير.
ولكن، وبعيدا عن تلك “المنجزات” التي أعلنها جيش الفاشية اليهودية، مع تدمير وتخريب لبنى تحتية وشهداء هم ثمن لا يتوقف في طريق الحرية ومئات الإصابات، فالمعركة سجلت مظهرا أبرز ان “الوحدة الكفاحية” للفدائيين أكثر صلابة مما قدرتها أجهزة أمن دولة العدو، وأن مرونتهم الحركية اكتسبت خبرة كبيرة، أربكت مخطط “الاجتثاث” الذي تحدثت عنه قيادة الكيان السياسية والأمنية، وحدة نواة الفعل بين مقاتلي حركة فتح في كتائب شهداء الأقصى ومقاتلي حركة الجهاد في سرايا القدس، فيما غياب أو مشاركة شبه محدودة للآخرين وبينهم عناصر حماس المسلحة، التي خرجت في فترات سابقة تستعرض وجودها.
درس كفاحي، سيكون قاعدة أو نواة لتطوير آلية المواجهة القادمة، والتي لن تتوقف بخروج قوات العدو من شوارع المخيم، فهي لن تنسى مشهدها الأخير بمقتل أحد عناصرها، تعيد الى الأذهان مشهد عارهم خلال معركة سابقة، يسحبون آلياتهم العسكرية التي فجرها “فدائيو السرايا -الكتائب”، ولعل صياغة الخبر العبري عن الانسحاب بذاته يكشف قيمة الفعل الكفاحي، “انسحاب قوات الجيش وسط معارك شديدة”.
ومن الملامح الهامة التي كرستها ساعات معركة جنين، عودة فتح نسبيا الى الحضور الفاعل علانية، عبر مشاهد متعددة، سواء داخل المعركة وفي قلبها بالشراكة مع سرايا القدس، وقيادتها حراكات شعبية خجولة نسبيا، قياسا بحجم المطلوب، لكنها مقدمة لتنشيط ذاكرة “أم الجماهير” و”غلابه يا فتح”، بما لها وعليها، حضرت بلغة سياسية غابت عن قيادتها زمنا، طالبت عناصرها بالمشاركة من أمن وتنظيم، وكان لقاء القيادة الرسمية، وما أعلنته من قرارات، وكذا فعل الحكومة وتكريس ساعات المعركة لجنين، مؤشرات أن فتح كانت غيرها ما قبل معركة جنين.
وتلك ربما، أحد أبرز ملامح ما بعد معركة جنين، خطاب فتح ولغته السياسية، واعلام السلطة الرسمي الذي كان شريكا فاعلا، محرضا على مواجهة العدو، وتلك مسألة لها قيمة هامة خلال المعارك الوطنية، إعلام يمنح الفدائي طاقة مضاعفة أو إعلام يسحب منه روح التحدي بمظهر استسلامي.
فتح، خلال معركة جنين، كان لها سبق الفعل، وكشفت أنها تستطيع أن تقود الحالة الفلسطينية لردع دولة العدو، وأنها تمتلك من الإمكانيات ما يجعل الآخرين يفكرون كثيرا قبل محاولة الذهاب وهما بأنها “شاخت”، ولعل تصريحات نتنياهو وتسريبات إعلام عبري وإهانته للسلطة بأنه يبحث لها دور “الوكيل” ولا شراكة ولا يحزنون، كان حافزا لأن يتحرك بعض منها حماية لتاريخها أولا، ولمشروعها، الذي هو ذاته المشروع الوطني والكيانية الوطنية.
صحيح، لم تكن قيادة فتح ذاتها بذات قيمة فعل مكونات فتح، وهي أكثر من قدم شهداء خلال المعركة الأخيرة، وما قبلها منذ بداية العام، الا أن الاهانات المتلاحقة من طرف التحالف الفاشي الحاكم للقيادة الرسمية، والاستخفاف غير المعقول، بل والمؤشرات أنها لم تعد قادرة على البقاء، مقارنة باستخدامه حكم حماس في غزة أداة مقارنة بقدرتها على السيطرة الأمنية المطلقة، وهو النموذج الأمني الذي يريد، كان محركا هاما لها.
بالتأكيد، الخاسر السياسي الأبرز فلسطينيا من معركة جنين الأخيرة هي حركة حماس، رغم ضججيها الإعلامي، بل ومحاولة “خطف الفعل” دون ان تكون طرفا به، فلا جريح ولا شهيد ولا يحزنون، وحتى عملية تل أبيب كشفت غيابها بعدما أعلنت اسما غير اسم، فعادت لتعديله، وهي فضيحة خاصة، وسقطت في محاولة توتير الجبهة الداخلية عبر فتح معركة إعلامية ضد السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، رغم ان شهداء تلك الأجهزة أضعافا مما خسرت حماس في سنوات أخيرة، محاولة كسر حماس الوحدة الميدانية بمعارك إعلامية، جلبت رد فعل معاكس، ودون الحديث عن “صمت” جبهة غزة، التي تتأكد يوما بعد آخر، انها “جبهة استخدام خاص” وليست “جبهة مواجهة”.
ملامح أولية لمعركة جنين خلال 48 ساعة، تستوجب العمل على تطوير ما لها وخاصة تعزيز الوحدة الكفاحية الميدانية الى شكل جديد من الفعل، وأن ترتقي ببعض أدواتها، وأن تجد أجهزة الأمن الوطنية الفلسطينية آلية تفاعل مع الأجنحة المسلحة، تطويرا ودعما وتعزيزا.
من المهم أن يتم فتح حوار واسع بين فتح وحركة الجهاد، حوار شمولي بعيدا عن حساسيات ساذجة، خاصة وأن الجهاد لم تكن يوما شريكا في طعن الثورة، ولا لديها مشروع بديل، بل أن حضورها السياسي يحتاج كثيرا للتطوير، ومعهما الجبهة الشعبية، لبناء نواة تعزز تحالف منظمة التحرير القائم.
فتح بعد معركة جنين تتحمل مسؤولية مضاعفة لقطع طريق مؤامرة نتنياهو وأدواته، ولتؤكد مجددا، انها وجدت وفصائل الثورة والمنظمة لتعزيز وجود الكيانية الأولى لدولة فلسطين فوق أرض فلسطين.
معركة جنين، ستكون مقدمة النهاية لتحالف الفاشية اليهودية الحاكم، لو أكملت الرسمية الفلسطينية خطواتها وفعلت حقيقة قراراتها، ولتقف دفاعا عن كرامتها قبل كرامة الشعب والوطن.
ملاحظة: اطلاق كم صاروخ من غزة بعد خروج جيش العدو من مخيم جنين بمشهد هروبي تحت اشتباكات ومقتل ضابط منهم، محاولة سرقة مشهد، بيٌن أن “الزغير بيضله زعير” شو ما كان اسمه..الخطف يبدو عندهم جيني!
تنويه خاص: تصريحات بعض دول الغرب الاستعمارية حول حق دولة الاحتلال بالدفاع عن حالها قمة الانحطاط السياسي والأخلاقي..وحسنا رد رئيس الحكومة الفلسطينية د.اشتية ولكن عليه وحكومته أن يواصلوا فضح المستعمرين مش كلمة ورد غطاها.