كتب حسن عصفور/ انها المرة الأكثر “حسما ووضوحا” يقولها الملك الأردني عبدالله الثاني، بأن فكرة “الوطن البديل” اصبحت فكرة للتشويش السياسي وهي “وهم” وأن “الاردن هو الأردن” و”فلسطين هي فلسطين”..كلام قاطع لا يوجد به أي امكانية لالتباس سياسي أو سوء تفسير أو اخراج من السياق..كلام لم يكتف بوصف ذلك الكلام بانه ليس سوى خلق فتنة من اشخاص معلومين سيكشف عنهم لاحقا، كما اعلن الملك ، بل دعا المواطنين الى التصدي لمن يروج تلك “الفتنة”..
كلام الملك عبدالله، جاء في وقته وزمنه السياسي، خاصة وأن اثارة هذه الفكرة – الفتنة تثير “مخاوف غير مشروعة” وتساعد على توتير النسيج الوطني – السياسي والاجتماعي في الأردن وكذا مع شعب فلسطين في الوطن والشتات، بدلا من العمل على تعزيز قوة النسيج الوطني الاردني في مواجهة أخطار مشروع كيري الأميركي على القضية الفلسطينية، والذي بدروه يشكل خطرا بما يحتوي من افكار على “الأمن القومي الأردني”، لذا فاثارة فتنة ” الوطن البديل” في هذه الفترة ليس سوى “خدمة من الباب الخلفي” لذلك المشروع الأخطر على فلسطين والأردن..
كانت فكرة “الوطن البديل” احد افكار التكتل اليميني الارهابي المتطرف في دولة الكيان، بقيادة الليكود، لكن ذات التكتل وهو يتحدث عن “الوطن البديل” كان ايضا يرى في الأردن ضفة له ايضا، أي لكيانهم الخاص، وكان نشيدهم يحوى عبارات “هذه الضفة لنا والاخرى أيضا”، في اشارة الى الاردن، لكن تلك الأساطير الاغتصابية – العدوانية سقطت كليا مع توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل عام 1993..وهي الاتفاقية التي باتت جزءا من الحقائق السياسية في الأمم المتحدة، اتفاقية حددت بوضوح أن الضفة الغربية وقطاع غزة هي أرض فلسطينية، في سابقة تاريخية انهت تلك الاكذوبة في الفكر الصهيوني حول “الوطن البديل”، وهو ما يعني، أيضا، اعترافا اسرائيليا بانهاء الكذبة الأكبر فيما يعرف بشعار “دولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات”..
وللأسف فإن تلك “القيم السياسية” في الاتفاق ذهبت أدراج الرياح، باصرار البعض على رؤية الاتفاق بمنظار سياسي معارض لمنظمة التحرير وزعيمها الراحل الخالد ياسر عرفات..ونتيجة للاتفاق انشئت السلطة الوطنية الفلسطينية، كيانا سياسيا فوق أرض فلسطين هو الأول في تاريخ الشعب الفلسطيني، سلطة وكيان اسقطا كل نظريات “البدائل الصهيونية” ليس فقط فكرة “الوطن البديل”، بل ايضا فكرة “الخيار السياسي البديل” الذي كانت أمريكا وفريقها “اليهودي” يعملان له، واكتملت حركة الانتصار السياسي الكيانية للشعب الفلسطيني عندما قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإعتراف بـ”دولة فلسطين” عضوا مراقبا وباتت الدولة رقم 194 ترفرف رايتها الوطنية – علم فلسطين – أمام مقر الجمعية في نيويورك..
وكان لذلك الانتصار أن يحقق مزيدا من المكاسب التاريخية لتعزيز حضور “دولة فلسطين” في المؤسسات الدولية، لولا ايقاف عجلة الهجوم السياسي بسبب خضوع القيادة الفلسطينية لمطلب أميركا بالكف عن الذهاب الى المؤسسات الدولية مقابل تحرير 104 اسير والعودة للتفاوض المعيب مضمونا وتوقيتا، بل أنه كان بامكان “دولة فلسطين” بقوة القرار التاريخي، أن تلاحق دولة الكيان أمام المحاكم الدولية وتضعها في “دائرة الأسر السياسي” نتيجة لجرائم الحرب التي ارتكبتها خلال عشرات السنين ضد الشعب الفلسطيني، ومواصلة استيطانها للأرض الفلسطينية، وهو ما بات يعتبر “جريمة حرب” وفقا لمؤسسات الأمم المتحدة، وبعض دول الاتحاد الأوروبي..
فلسطين هي فلسطين..والأردن هي الأردن قول فصل لا راد له، ولا بديل عنه..ولذا فكل ما يثار من بعض هنا أو فئة هناك ليس سوى الوجه الآخر لتمرير المشروع الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية، والذي هو الخطر الحقييقي على الأردن كيانا ودولة وأمنا قوميا..فالمعركة التي تستحق المواجهة والانتفاض هو ذاك المشروع الأميركي، وليس اختلاق “أخطار وهمية” لخدمة الخطر الحقيقي وتمريره باسماء مستعارة ومنها فكرة “يهودية دولة اسرائيل”..
الا أن الحديث عن فلسطين هي فلسطين والاردن هي الأردن، لا يلغي أبدا ضرورة البحث الحقيقي في تعزيز درجة “التكامل السياسي الشمولي”، من أجل صيانة فكرة الهوية الوطنية وتعزيز العلاقة لقطع الطريق على اي استغلال قد يكون بابا لمؤامرة تحاك باسماء مستعارة..ولا يجوز السماح لتلك الفئة – الفتنة أن ترهب فكرة التكامل السياسي ضمن حماية المصالح الوطنية لكل من فلسطين والأردن، على طريق تعزيز “الشراكة الحقيقية” لقطع طريق “المغالبة” التي يراد نصبها فخا لكل من فلسطين والأردن، لتنفيذ مشروع كيري الذي يمثل تمريره حصارا سياسيا للأردن قبل فلسطين!
ملاحظة: اقامة “خيمة حماس” لفك الحصار عن غزة أمام معبر رفح، ليس الا تكريس لموقفها المعادي لمصر..لو أريد حقا لها أن تكون غير ذلك لنصبتها أمام حاجز بيت حانون في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي..الأخونة مستمرة يعني الأزمة مع مصر مستمرة!
تنويه خاص: رئيس أركان جيش الاحتلال يتبجح بأن الوضع في الضفة الغربية تحت “السيطرة الكاملة”..لا تغتر كثيرا..فصبر شعب فلسطين ينتهي في “غمضة عين” وأسال من سبقك يا شاطر!