كتب حسن عصفور/ اثارت تصريحات رئيس حركة “حماس” ومجلسها التنفيذي في قطاع غزة اسماعيل هنية، والتي جاءت تنفيذا لـ”المفاجأة” التي وعد بها أهل فلسطين، موجة من ردات فعل، تنحو باعتبارها خطوة هامة عملية للبدء بانهاء الانقسام الكارثي، ردة فعل حذرة من بعض فتح ومشوبة بالتفاؤل من بعضها الآخر، لكنها لم تجد لها صدى سياسي، حتى تاريخه، من القوى الفلسطينية، وقبلها لم يكن هناك أي ردة فعل أو موقف من قبل الرئاسة الفلسطينية، بل ان الرئاسة لم تنشر خبر اتصال اسماعيل هنية بالرئيس محمود عباس ليطلعه على “قراراته الهامة” وتجاهلته، رمبا جاء ذلك التجاهل رد علي قيام هنية بالاعلان عن القرارات في وسائل الاعلام ثم الاتصال بالرئيس لاخباره وهو ما قد تفسره دوائر الرئيس بانه كموقف غير ديبلوماسي او لا سياسي .. حيث كان من المفترض أخلاقيا، وضمن سلوك المصالحة أن يتم اتصال هنية بالرئيس عباس ويطلعه على القرارات قبل ان ينشرها اعلاميا..
ردة الفعل عمليا على الخطوة الحمساوية لا تزال محدودة، بل وربما مصابة بحذر بات جزءا من الحياة السياسية للشعب الفلسطيني، خاصة وأن “الشكوك والريبة” كانت سيدة الموقف نحو اي خطوة يمكن الاعلان عنها بعد أن فشلت كل الاتفاقات والعهود الخاصة، بل والقسم أمام الكعبة في منح مصداقية وجدية تلك الاطراف فيما تعلن أو تتفق، لذا ليس مفاجئا أن تكون ردة الفعل على اعلان هنية بهذه البرودة، وللحق فإنها لا تستحق أكثر من ذلك، بل تحتاج عمليا الى تدقيق شديد في طريقة التفكير التي لا تزال تحكم ذهنية خاطف قطاع غزة بقوة الأمن وليس بقوة الشعب..
ومن يدقق في بعض ما أعلنه اسماعيل هنية سيجد أنه تحدث بلغة “الاستقواء” وليس بلغة المتصالح، واستمر في ممارسة بعضا من لعبة “التضليل” وهو يعلن عما يعتقد أنها خطوات تساهم في تسريع المصالحة الوطنية، فهنية ومن خلال اعلانه الخاص اصر على أن يؤكد للقاصي والداني انه يمنح “عفوا خاصا” لمن سمح لهم بالعودة، وتصرف باعتبار قطاع غزة باق له ولسيطرته، ولم يتوقف أمام قيمة المراجعة التي تؤدي لقطع الطريق على اسباب من غادر مرغما على المغادرة..
كما ان هنية ارتكب حماقة سياسية تكشف أن الذهنية الحاكمة له ولحركته لا تزال ذهنية ملتبسة غير واضحة وعير محددة فيما تقول أو تفعل، فالسيد اسماعيل هنية تحدث عن السماح لاعضاء المجلس التشريعي من ابناء قطاع غزة بزيارة اسرهم وأهلهم، ولم يدرك هنية أن هذا الموقف بذاته يكشف “عورة الاعلان التصالحي” جملة وتفصيلا، تصرف وكأن نواب المجلس التشريعي “مبعدين” تطوع “الحاكم بأمره” ليمنحهم “إذنا خاصا ملكيا أو رئاسيا أو أميريا أو مشيخيا” – لا يهم – لزيارة الأهل والأسرة والعشيرة لبضع ساعات أو ايام، ثم عليهم المغادرة بأدب واحترام ومن يخالف سيحضر له قوة تصحبه الى حيث يجب المغادرة..وهو ذات التفكير الاسرائيلي قبل قيام السلطة الوطنية عندما كانت تسمح للبعض بزيارة الأهل بتصريح محدد الزمن، ومن يخالف يعرف أهلنا في “بقايا الوطن” المصير المرتقب..
المسألة هنا ليس ان نرحب في قرارات قد تحمل شيئا ولكنها في الواقع كشفت أشياء أخطر لا تزال ساكنة في عقل وذهنية “أهل حماس” وحكامها، بأنهم يتصرفون كمن يملك الحق والصواب، يعفو بطريقته ويغضب بطريقته، متجاهلا بحديثه عن زيارة النواب أنه الغى فعليا حقهم المشروع في العودة لديارهم التي هجروا منها تحت قوة الارهاب، وان الخطوة الأولى هو انهاء تلك القوة القهرية التي أدت لخروجهم أو تركهم بلدهم ودارهم للذهاب والاقامة في شمال “بقايا الوطن”..التعبيرمن هنية ليس خطا لغويا يمكن العفو عنه أو تجاهله، بل هو “خطيئة سياسية” تسكن داخل حجرة التفكير بأن قطاع غزة ملك خاص لحماس تتصرف به كيفا شاءت..
أما الخطيئة الثانية التي حملها الاعلان الحمساوي، هو الحديث عن أنه سيفرج عن بعض المعتقلين لاسباب تتعلق بـ”الأمن السياسي والأمن الوطني”، فهنية لم يرى في معتقلي حركة “فتح” معتقلين سياسيين بل متهمين مهددين لـ”الأمن الوطني”، وهنا لا نعرف ما هو تعريف السيد هنية لمفهوم “الامن الوطني”، وهل هو ذات التعريف المعلوم لأهل البلاد بأنها الاعمال والافعال التي تمس المصلحة الوطنية العليا، والتعامل مع أعداء الوطن والقضية، وهل هناك أمن وطني خاص لقطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس يختلف عن الأمن الوطني الفلسطيني العام مثلا، فلو كان من يراد اطلاق سراحهم مرتبطين بالعدو وعاملين ضد الأمن الوطني يكون اطلاق سراحهم “جريمة وطنية” يجب محاكمة هنية عليها.. ولكن المأساة – المصيبة أن هنية وحماسه وقوات امنه يعتبر كل من يعارض خطفها لغزة وانقلابها الأسود، بل ومن يخالفها الرؤية أحيانا خطر على “الأمن الوطني”، الذي لا تملك تعريفا واضحا محددا له، فهو متحرك حسب المصلحة الخاصة بالتنظيم..
والخطيئة الثالثة في الخطوة الحمساوية هو اعلانها خطوات متناثرة لا صلها لها بالخطوة الرئيسية الأهم، التي هي ضرورة اليوم وقد لا تصبح غدا، اعلان انهاء كل مظاهر الانقلاب الحقيقية، خاصة المناصب والمسميات وأن يطلب تسمية وفد رسمي من الفصائل الوطنية لتسليمة “وثيقة التنازل وانهاء خطف غزة”، لتبدا بعدها رحلة عودة القطاع الى حضن الشرعية الوطنية، وتبدأ حركة الفعل السياسي من أجل التمهيد لتعزيز دور الشرعية قبل أن يقوم الرئيس عباس بالذهاب الى مقره الرئاسي – المنتدى – على شاطئ بحر غزة، ليبدأ مشوار تشكيل حكومة “الانقاذ الوطني” وليس “حكومة توافق وطني”، واعادة هيبة السلطة الشرعية بأجهزتها كافة، السياسية والأمنية، وقبلها ان تعلن حماس وضع حد فاصل بين قوات القسام العسكرية وقوات الأمن الداخلي التي يجب أن تعلنها قوة تحت أمر الرئيس وشرعيته، وتفتح الطريق لعودة قوى الأمن الفلسطينية للعمل..
والخطيئة الرابعة، والتي قد تكون الأولى في سياق الضرورة السياسية الراهنة، عدم اعلان حماس موقفا صريحا من الثورة المصرية اذا ما ارادت أن تكون جزءا من “الشرعية الفلسطينية”، حيث لا يمكنها القول أن مصر راعية للمصالحة وهي لا تعترف اصلا بالشرعية المصرية لا اعلاميا ولا سياسيا، بل هي لا تزال جزءا من جماعة باتت حركة ارهابية في القانون المصري، والطلاق الشرعي عن الجماعة الاخوانية سيكون “شرط الضرورة” لاي مصالحة برعاية مصرية، بل وقد يكون شرطا مصريا للتعامل مع اي حكومة يمكن أن تكون حماس جزءا منها..
تلك بعض من “خطايا” في خطوة هنية غير المستقيمة، ومن اجل صدقية النوايا وجديتها لا بد من اعادة النظر في منطق التفكير الحمساوي برمته نحو التعامل مع القضية الوطنية في سياق رؤية خارج “الصندوق الاخواني”، وغير ذلك تصبح كل الخطوات القصيرة والمتعرجة لا قيمة لها، بل سيقال أنها خطوات هروبية من أزمة طاحنة تنتظر مستقبل حركة حماس الإخوانية..
مطلوب ثورة تفكير نحو الالتصاق بالمشهد الوطني في سياق فلسطيني نقي وخالص، وأن حماس مع الجميع لأجل فلسطين، وليس “الجماعة فوق الجميع”!
ملاحظة: لأول مرة لم يصدر لا نفيا ولا تكذيبا ولا موقفا من كلمنجية حماس على الفيديو المنسوب لشاب قالت الداخلية المصرية انه عنصر حمساوي شارك في العمل الارهابي في المنصورة..هل يصبح هذا الفيديو دليلا ضاغطا على حماس!
تنويه خاص: موقف ايران الأخير من مصر وما يحدث بها يثير السخرية عندما تتحدث حكومة طهران عن الحريات والقمع..اعتقدنا أن ايران تبحث مصالحة مع العرب ولا تكتفي بمصالحة مع الغرب!