كتب حسن عصفور/ ربما تكون الصدفة وحدها، أو لا تكون هي ما جمع التزامن بين اصدار تقارير سويسرية وروسية عن سبب اغتيال “اب الوطنية الفلسطينية المعاصرة” الزعيم الخالد ياسر عرفات وذكرى الاستشهاد في يوم 11 نوفمبر عام 2004، تقارير لا تشكل اي قيمة سياسية أو معنوية مضافة للشعب الفلسطيني، الذي عرف ومنذ ما قبل تنفيذ الاغتيال أن زعيمه يعيش زمن خاص في انتظار “لحظة الاستشهاد”، ذلك الخيار الذي لم يحاول ابو عمار أن يقف في طريقه، تقارير اضاءت بشكل مباشر أن موت الزعيم لم يكن موتا طبيعيا..
ما صدر من معاهد فحص بعض متبقيات الزعيم اشعل الساحة الفلسطينية جدلا ونقاشا، فاللجنة الرسمية اشارت أن دولة الكيان الاحتلالي هي وحدها القادرة على تنفيذ ذلك الاغتيال بالوسيلة السمية، فيما بعض من اللجنة تحدث بتحفظ أكثر بالاشارة أن التقارير تزيد من فرضية “الاغتيال السمي”، وبالطبع فدولة الاحتلال التي تفاخر يوما أوري دان أحد اقرب الصحافيين الى شارون عبر كتاب منشور بأنهم من قاموا بـ”تصفية عرفات”، اخذت تدرك خطورة ذلك “التبجح” بالاعتراف والى أين يمكنها أن تصل لو استمر بعض اعلامها بالتبجح، ولذا سارعت وبطريقة ساذجة بعد نفي مسؤوليتها، لاتهام زوجة الزعيم ابو عمار بأنها من يقف خلف موته مسموما، ولا نظن أن خريج أحد مدارس “المهابيل” يمكنه أن يقف أمام ما تقوله بعض دوائر سلطات الكيان، لكنها تكشف بجلاء مدى الارتباك والريبة التي اصابت قادة اسرائيل بعد فتح ملف اغتيال الزعيم..
طبعا لم تخل مناسبة نشر التقارير من “مناكفات بين حماس وفتح”، خاصة بعد أن سارعت حركة “حماس” لركوب موجة البحث عن حقيقة اغتيال ابو عمار، وهي الحركة التي تمنع عبر ست سنوات احياء ذكرى اغتياله في قطاع غزة، بل أن حملات الاعتقال والاستعراضات الأمنية تتضاعف اضاعفا لكل من يعتقد أنه يشكل امكانية لأن يضع شمعة لذكرى رحيل الزعيم، ولن ينسى الشعب الفلسطيني حجم الاهانة التاريخية التي وجهتها حماس وكتائبها المسلحة، التي تستعرض في القطاع ماذا فعلت بصور الزعيم عند “احتلالها” مقر الرئاسة في غزة والمعروفة بالمنتدى، ومنذ يوينو 2007 ينتظر الشعب اعتذارا علنيا عن تلك الاساءة التاريخية ومحاسبة من اقترف تلك الجريمة النكراء، ولكن لا حياء عند من تنادي الاعتذار.. ومع ذلك تحاول ركوب موجوة استغلال الاغتيال لغاية في نفس مشعل ورفاقه والدوحة وقناتها..
ولأن حركة فتح، لا تزال مرتبكة في كيفية التعاطي مع ملف الاغتيال، بل لم تعلن حتى تاريخه ما هي فاعلة بنتائج التقارير وكيف لها أن تستفيد منها لرد الاعتبار، تذهب بالرد على مناكفة موقف حماس بموقف مناكف، ولأن مسألة اغتيال الزعيم الخالد تبتعد عن مسرح المناكفة الفتحاوية الحمساوية كثيرا، وأن الشعب الفلسطيني لا يعير اهتماما لتلك المناكفات بين فصيلي “المصيبة الوطنية” لتكريس الانقسام ومنح الحركة الصهينونية بذلك “عصرا ذهبيا” لتمرير مشروع تصفية القضية الوطنية، فالمطلوب اليوم هو أن يعقد الرئيس محمود عباس اجتماعا طارئا للقيادة الفلسطينية، التي تضم اللجنة التنفيذية من أجل وضع خطة عملية لتقديم كل المستندات ودراستها بشكل جاد وعملي، بعيدا عن الضوضاء الاعلامية أو المنكافات السياسية..
الخطوة العملية التي يجب أن يقدم عليها ابومازن كجزء من حركة الوفاء للزعيم التاريخي، أن يعلن وفورا أن ملف الجريمة سيتم احالته بالكامل الى محكمة الجنايات الدولية، باعتبار اغتيال مؤسس الثورة الفلسطينية المعاصرة وقائد كفاحها التاريخي وأول رئيس لدولة فلسطين في التاريخ القديم والحديث جريمة حرب كاملة الاركان، وأن القيادة الفلسطينية ستوقع على معاهدة روما كي يتاح لها عضوية المحكمة الدولية، ويمكنه أن يحافظ على موقفه “الاخلاقي” للادارة الأميركية بعدم الذهاب الى المؤسسات الدولية مقابل اطلاق سراح اسرى خلال المفاوضات، والاستثناء هنا انه لا يريد أن يقدم شكوى مباشرة ضد اسرائيل ونشاطها الاستيطاني وجرائم حربها ضد الشعب الفلسطيني، فتلك “قرارات مؤجلة” الى حين أن “قطف ثمار المفاوضات”..لكن رفع تقارير اغتيال الزعيم ابو عمار الى المحكمة الدولية خارج اطار ذلك “الاتفاق الأخلاقي”، ويستطيع أن يبتعد عن اتهام اسرائيل وحكومتها – الشريك الرسمي للفريق الفتحاوي المفاوض – عن ارتكاب الاغتيال مباشرة ويكتفي برفع التقارير المتوفرة والمطالبة بتشكيل “لجنة دولية مختصة” لمعرفة من قام بالاغتيال..
تلك “الهدية الأهم” التي تنتظرها “روح الزعيم” من رفيق دربه وخليفته في رئاسة فلسطين محمود عباس في ذكرى الاغتيال – الاستشهاد، وبالطبع هي ذات الهدية التي ينتظرها الشعب الفلسطيني بكامله فوق أرض فلسطين التاريخية وفي كل أرجاء المعمورة، ومعهم كل ما يؤمن بحق شعب فلسطين في الحرية والاستقلال الوطني..
البداية العملية لرد الاعتبار للقضية والشعب على اغتيال الزعيم التاريخي والرئيس الأول لفلسطين تبدأ من هذا القرار بالاعلان الرسمي ان القيادة والرئيس محمود عباس قرروا تقديم الملف بكامله الى “المحكمة الجنائية الدولية”..من هنا يكون الفعل وليس الكلام عن الفعل لو أريد حقا معرفة من قام باغتيال الزعيم ومحاسبته!
ملاحظة: وكالة حمساوية تقول ان سهى عرفات اتصلت بائب رئيس حماس اسماعيل هنية لتشكره على موقفه من ملف اغتيال الزعيم..سهى لم تعلن الخبر، رغم حضورها الدائم هذه الايام اعلاميا..ليتها تطلب اعتذارا لروح الزعيم مما فعلوا به قبل الشكر!
تنويه خاص: 11 نوفمبر ذكرى استشهاد ابو عمار، سيكون يوما كئيبا في قطاع غزة..سيمر بلا اضاءة شموع أمام منزل الزعيم لأن أمن حماس يعتقد أن الشموع قد تحمل “روح التمرد” فتشتعل غضبا ونارا” على حكمها الجائر!