كتب حسن عصفور/ لا نظن أن هناك وطنيا فلسطينيا لم يعد ير حقيقة “المؤامرة السياسية” الدائرة منذ فترة زمنية، ووصلت الى لحظة الخطر للبدء بتنفيذها، “مؤامرة” كان يشار لها بالسابق دون أن تقف القيادة الفلسطينية وقوى العمل الوطني كافة للتصدي لها بما تستحق، بل أن أطرافا فاعلة وقوى ذات ثقل، شاركت بشكل أو بآخر في الوصول الى ما وصلت اليه “المؤامرة” من مراحل متقدمة، ليعلن عنها أخيرا الرئيس الأميركي باراك أوباما، “مؤامرة الفصل والتقاسم الجغرافي الوظيفي” لحل القضية الفلسطينية..
بدأت دولة الكيان الاحتلالي في رسم أول معلم من معالم دولة “جدار الفصل العنصري” في أرض الضفة الغربية، متزامنا مع عرضته أمريكا فيما يعرف بـ”خريطة الطريق” التي تم تقديمها باسم “الرباعية الدولية” عام 2002، ونصت فيما نصت على امكانية التوصل الى “دولة مؤقتة”، دون أن تبدو وكأنها ممرا اجباريا كي لا يتم رفضها فورا، ووضعتها كخيار احتمالي، وها هي المسالة تدخل في سياق الاعلان عنها كخيار لحل شبه إجباري، ويلغي أي امكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة موحدة بين الضفة والقطاع، تلغي عمليا ما نص عليه أتفاق أوسلو، الذي يرفضه البعض دون وعي كامل، على أن “الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة سياسية – جغرافية واحدة”..
“مؤامرة أوباما” الجديدة باعلان مشهد كياني فلسطيني داخل الضفة الغربية، تحت الوصاية الاسرائيلية هو الموقف التنفيذي لخطة “التقاسم الجغرافي الوظيفي”، التي بدأت بمشروع تقدم به شمعون بيريز للرئيس الشهيد ياسر عرفات عام 1994، مشروع يتجه لأن يصبح قطاع غزة “دولة مستقلة” فيما يتم “تقاسم وظيفي” في الضفة الغربية بين 3 أطراف، في حينه كانت منظمة التحرير واسرائيل والأردن، واستبدلت الأردن بأمريكا في المشروع الجديد، وتطورت من “تقاسم جغرافي” الى “تقاسم جغرافي وظيفي” في الضفة والعمل على رمي قطاع غزة بحضن مصر، تلك المؤامرة أصحبت كاملة الأركان، محددة الملامح والمعالم..
المفارقة الكبرى التي تستخدمها قوى “المؤامرة الجديدة” لتمرير مشروعها هو وجود الانقسام الفلسطيني، فمنذ زمن اطراف وقوى اسرائيلية، تتحدث دوما عند كل محطة لتمرير مخطط احتلالي، بان الرئيس محمود عباس لا يمثل قطاع غزة، فيما ساهمت أطرافا فلسطينية بوعي أو بجهل، كجزء من التآمر أم دون ادراك، باضعاف الوحدة السياسية مع قطاع غزة، عبر اشكال متعددة، بعضها سياسي من خلال تشجيع البعد الانقسامي والتصريحات المتوالية لاجراء انتخابات في الضفة دون قطاع غزة، الى أن وصلت الى الفضيحة الكبرى، “فضيحة حكومة الحمدالله”، باحالة موظفي قطاع غزة الى التقاعد، ما اعتبر فصلا سياسيا ووظيفيا عن الضفة، وجاء القرار عشية كشف “مؤامرة أوباما”..
وبعد أن باتت كل الملامح التآمرية مكشوفة، وأن الانقسام الوطني كان “قاطرة” تمريرها، أصبح هناك مسؤولية تاريخية خاصة على حركة “حماس” التي تدعي أنها ضد “المؤامرة”، وبأنها ستشكل “جبهة سياسية” لمنعها، وكي لا تبدو مواقف حركة “حماس” كمناورة ومناكفة سياسية ضد حركة فتح والرئيس عباس، ومن أجل حرق “قميص عثمان” الانقسامي الذي تستغله قوى الشر السياسي الأميركية – الاسرائيلية، فهي مطالبة أن تعلن رسميا إنهاء مظاهر الانقسام السياسي – الوطني القائم في قطاع غزة، بكل أشكالها ومكوناتها، وأن لا تختبئ وراء اللحظة الانتظارية لإعلان الرئيس عباس خطواته..
إن أردات حركة “حماس” ان لا تكون جزءا من “المؤامرة”، وبأنها تعمل على اسقاطها، يتوجب عليها أن تقفز أولا من “قاطرة الانقسام” التي تمثل سكة عبور لتنفيذ المؤامرة، ولا نعتقد أن انهاء الانقسام من طرف واحد، هو حركة “حماس” يجب أن ينتظر اعلانا فتحاويا أو عباسيا، بل هو قرار مرتبط بقيادة حماس ورغبتها في الا تكون جزءا تنفيذيا لتلك المؤامرة، وعت ذلك ألم لم تع..فقطاع غزة بحالته الانفصالية – الانعزلية هو بوابة العبور نحو اعادة انتاج مشروع بيريز القديم عبر منتجه الأميركي الجديد، وعند اعلان حماس عن تخليها كليا عن مظاهر الانقسام يمكن بحث سبل مواجهة ما بعده في القطاع سياسيا ووظيفيا..
قد لا تدرك قيادة “حماس” ان اللحظة التاريخية لاسقاط “المؤامرة الجديدة” أصبح مركزها الآن في قطاع غزة، كون قوى الشر السياسي وأطراف تنفيذ المخطط الجديد يراهنون تماما أن حركة حماس لن تدركها، وستبقى مصرة على فعلتها الانقسامية، مع اصدار بيانات تندد بعباس ونهجه، وهو بالضبط ما تريده أطراف المؤامرة..الحفاظ على “خطف غزة” مع استمرار”حرب البيانات والاتهامات”، معادلة مثالية كي يتم خطف الضفة الغربية نحو مؤامرة “التقاسم الجغرافي الوظيفي”، دون ان تصبح غزة ايضا “دولة خاصة”..
تخلي حماس عن “خطف غزة” في اللحظة التاريخية الراهنة سيكون “موقفا تاريخيا” لاسقاط المؤامرة من جهة وعودة حماس لنسيجها الوطني العام بعد غياب طويل من جهة أخرى..هي نقطة الفصل والحسم الأهم من أجل اسقاط “مؤامرة أوباما”، وليت قادة “حماس” يتذكرون أن اسقاط مشروع جونستون لتوطين اللاجئين في سيناء عام 1955 ولد ايضا من القطاع، بوحدة موقف الاخوان المسلمين والشيوعيين وكل الوطنيين..لحظة فارقة تتحملها قيادة حماس ..إما ان تلعب دورا محوريا في إجهاض المؤامرة أو أن تكون “شريكا” بها بحماقة “خطف القطاع”!
ملاحظة: نتمنى من الرئيس محمود عباس أن يعرض الاسباب الست التي قدمها عضو وفده وقيادة فتح، محمد اشتيه كاسباب لاستقالته التفاوضية للنقاش..وبعده يقرر الا تكفي وحدها لايقاف مهزلة التفاوض والعودة الى طريق الصواب السياسي!
تنويه خاص: الاعتصام الجماهيري لموظفي قطاع غزة ضد قرار حكومة الحمدالله اللاوطني يجب أن يصبح معولا لاسقاط مؤامرة فصل الضفة عن قطاع غزة..فرصة لكل قوى الشعب أن تكون جزءا من الاعتصام واسقاط المؤامرة!..