كتب حسن عصفور/ يقود الرئيس محمود عباس شخصيا محاولة “اختراق” المجتمع الاسرائيلي، من خلال لقاءات مع مجموعات وشرائح مختلفة، وفي الجوهر تلك محاولات هامة ومهمة لو كانت في سياق “رؤية شاملة وواضحة” ومتفق عليها في اطار استراتيجية وطنية تحدد ما لها وما عليها، وأن لا تكون عبارة عن محاولات فردية أو انتقائية أو مؤقتة. فاختراق المجتمع الاسرائيلي لا يتوقف فقط على لقاء هنا أو جلسة هناك، لكنها عملية غاية في التعقيد، لم تبذل القيادة الفلسطينية ما تستحقه من عمل ورؤية، رغم محاولات سابقة اكتفت ببعض مظاهر من جوانبها استغلتها دولة الكيان ومؤسساته بشكل أفضل كثيرا من الطرف الفلسطيني..
وللرئيس محمود عباس شخصيا، تجارب سابقة في محاولة الاختراق، بعضها اصاب قبل القدوم الى الوطن، وبعضها خاب بعد القدوم الى الوطن، لكنها مسألة تستحق النقاش الوطني بعيدا عن عقلية رفض أي خطوة تأتي ممن تختلف معه، وأن لا يكون الموقف من الخطوات قائما على اسباب شخصية او خاصة، او رد فعل نرجسي، فهي مسألة تستحق الدراسة العميقة ومن كل جوانبها في أطار منظمة التحرير كجزء من استراتيجية وطنية عامة، وليس خطوات انتقائية أو فصائلية، كي لا تصبح “سلاحا مضادا” بدل أن يكون “سلاحا فاعلا”..
الخطوات “العباسية” حتى تاريخه جاءت في سياق انتقائي وخاص، فتحت ردات فعل رافضة أو متشككة حولها، ليس تلك المشكلة راهنا، ولكن في مضمون ما يعرض في تلك اللقاءات وآخرها لقاء الرئيس عباس مع مجموعة من الطلبة الاسرائيليين، لا نعرف هل جميعهم من يهود اسرائيل أم بهم طلبة عرب فلسطينيين – ممن احتموا بالوطن على الهجرة -، وما نقل عن الرئيس عباس من أقوال نشرت وكالة “وفا” التابعة للرئاسة ما اسمته نصا كاملا، ونشرت وسائل اعلام اسرائيلية أقوال نسبتها للرئيس، ولكن هناك أهم القضايا التي نقلت بصوت الرئيس هو حديثه عن حل قضية اللاجئين، وقضية القدس، وفي كلتا المسألتين حاول أن يبدو في غاية “المرونة السياسية” وبات قريبا من حافة “الهاوية السياسية”، عند تناوله تلك المسألتين الأكثر حساسية في ملف المفاوضات لكلا الطرفين، فالرئيس عباس أعلن أنه لا يوجد هناك نية لـ”اغراق اسرائيل باللاجئين” وأن اي حل لهم سيكون متفقا عليه، مستندا الى مبادرة السلام العربية،..وهو ما يستدل أيضا من مسألة القدس، والتي لا يرى الرئيس عباس انها ستقسم مرة أخرى، وستكون عاصمة مفتوحة للطرفين..
قد يبدو الكلام منطقيا ومرنا لاحراج الطرف الآخر أمام العالم في ظل التشدد المعلن لتحالف حكومة نتنياهو، وهي “عقلانية” يحب الرئيس أن يتسم بها عالميا، ولكن المشكلة التي تصاحب تلك “العقلانية” هو “تجزئة” القضايا قيد البحث، ولا تضعها في “رزمة واحدة” كـصيغة تبادلية”، فمثلا حل قضية اللاجئين وفقا لمبادرة السلام العربية، جاء في سياق حل شامل وليس انتقائي لهذا البند أو ذاك، وهي رزمة أما أن تقبل أو ترفض، ولا يجوز التعامل معها وفقا لمبدا “انتقائي”، وهو ما ينطبق تماما على القدس التي لا يجب بحث مستقبلها دون تحديد مصيرها الحقيقي في اطار حل سياسي كامل..
الحديث الانتقائي للداخل اليهودي الاسرائيلي، لا يمكنه أن يخدم قضية فلسطين ما لم يعلموا جيدا الثمن المطلوب منهم “تبادليا”، وهي القضية الجوهرية التي يجب أن تقود الرؤية الفلسطينية للحديث مع “الداخل الاسرائيلي”، ويجب التعامل مع مضمون الاتفاقات الموقع عليها بشكل يمثل رسالة، وأن تكون المكاشفة الواضحة هي سيد الكلام، وليس حديث “الألغاز” عند مخاطبتهم، وتعرية موقف الحكومات الاسرائيلية التي أفشلت الاتفاقات الموقعة، خاصة نتنياهو الذي افتخر بأنه قام بتدمير اتفاق أوسلو، ووزرائه من المستوطنين الذين يعادون كل فرصة ممكنة للسلام العادل..
وعند الحديث عن عدم اغراق اسرائيل باللاجئين، لماذا لم يتم التوقف مطولا أمام إغراق الضفة والقدس بالمستوطنين والمستوطنات، وهل هناك اشكالية في تعرية مخاطر هذا المشروع للحديث عنه أمام طلبة وشباب اسرائيلي، وهم الذين قد يرونه وفقا للاعلام اللاسرائيلي “عمل مشروع” بل “وحق الهي”..لماذا يتم ابراز الجانب “الحمامي” فيما يبحثون عنه، ونخفي الجانب “الصقوري” فيما يجب أن يسمعوه..ولم يكن ضارا أن يتم الاشارة الى أن سياسة حكومة دولة الاحتلال تقودهم الى فرض مقاطعة قد تصل الى حدود “العزلة الدولية” تماثل ما كان لجنوب افريقيا العنصرية..
لا قيمة لأي خطاب مرسل باتجاه واحد، بل والمفارقة انهم قد لا يصدقوا قائله، عندما يرون أقوالا غير التي يسمعون تقال في مناسبات أخرى..وحدة الموقف ووحدة النص ووضوجه ومباشرته وشموليته وترسيخ مفهوم “النص التبادلي” هي الطريق الأقرب للتأثير..وغيرها ليس سوى تكريس مفهوم الشخصية الضعيفة المرتبكة..وتفقد اللقاءات قيمتها المطلوبة!
ملاحظة: مركزية فتح يبدو أنها “شطبت” احد أعضاء “وفدها السداسي” الى غزة لما تسرب على لسانه من اقوال تهدد علاقتها بمصر الشقيقة..سنرى لاحقا!
تنويه خاص: تصريح القيادي الحمساوي البردويل بمساواة التعامل بين عباس ودحلان رسالة من “طراز خاص”!