كتب حسن عصفور/ منذ اعلان “المبادرة الروسية” الخاصة بالسلاح الكيماوي السوري، والعالم تقريبا في غالبيته الساحقة، رسميا وشعبيا يتعامل معها باعتبارها “ورقة الانقاذ” لأطراف المعركة الحربية التي أراد الرئيس الأميركي اشعالها، في محاولة لاعادة عجلة التاريخ قليلا الى الوراء للحفاظ على “الهيمنة الأميركية على مقدرات الأمة، وانجاح ما يمكن إنجاحه من المشروع الاستعماري التقسيمي” وكبح جماح روسيا العائدة بقوة رهيبة الى التحكم في مفاتيح الكفة الدولية، بعد أن اصابها عطب طويل، ظن الكثيرون أنه “بات مزمنا ولا خلاص منه”..
تفاعل ايجابي يحدث في كل مكان، رغم اللغة الغربية التي تعمل على انقاذ ماء الوجه المسكوب على “اسفلت المبادرة” لغة لم تعد تشكل قيمة يمكن لأي سياسي أن يعتبرها خطرا أو أنها أقوال بقصد الأفعال، تصريحات الدول الاستعمارية الغربية ما بعد “المبادرة” تماثل تصريحات الفصائل الفلسطينية عندما تتحدث عن “فتح ابواب جهنم على الكيان الاحتلالي كلما قام بتهويد أو استيطان”، ولكن الكيان يمضي بفعله والفصائل تمضي بكلامها اللغوي، لكن الحقيقة السياسية الراسخة أن بوتين تمكن بحنكة ودهاء غير متوقع أن يكسر شوكة “خطر الحرب” ويمكن الجزم بأنها لم تعد قائمة، ما لم تغامر حكومة أردوغان بعمل عسكري بذريعة وهمية تجبر الناتو على أن يقف الى جوارها، لعبة قذرة لتخريب الجهد الروسي، وأجهزة المخابرات تمتلك كثيرا من هذه اللاعيب والأفعال القذرة السوداء، خاصة بتعاون جهاز الموساد الاسرائيلي مع المخابرات التركية..احتمالية ضعيفة ولكن يمكنها أن تحدث، فحقد أردوغان يفوق كل خيال..
وبعد أن أصبحت الحركة الدولية تمضي خطوات سريعة نحو “حل سياسي” للأزمة السورية”، وانكشف مدى استهتار أمريكا بالدول العربية الحليفة لها في الاستعداد للحرب العسكرية مالا وعتادا وغطاءا سياسيا، أصبح لزاما على تلك الدول العربية أن تدرك جيدا أن لا قيمة لها من الناحية الاستراتيجية في السياسة الأميركية، والتي أكدت، كما هو معلوم، بأنها تتعامل مع الدول العربية السائرة في ركابها بشكل عشوائي، عليها ان تقف وتعيد التفكير عميقا في تلك العلاقة الكاذبة الخادعة..فأمريكا لا يوجد لها في المنطقة سوى ” دولة الكيان كحليف استراتيجي لا يمكنها أن تطعنه الا في حال تهديده لمصالحها القومية تحت متغيرات كونية”، فيما تأتي الدولة التركية بعدها بدرجات بعيدة وقد تبدأ تضعف كثيرا بعد ان سقط أردوغان من خلال اسقاط الحكم الاخواني في مصر والبقية تأتي، اي فشل أحد اركان الدور الأردوغاني في تمرير المشروع الأميركي من خلال تيار “الاسلام السياسي الاخواني والقاعدة”..
القراءة للحدث الهام بعد المبادرة الروسية أصبح واجبا لقادة الحكم في تلك الدول العربية، أو غالبيتها لأن هناك دولة مرتبطة بأمريكا ارتباطا لا فكاك منه من طرف واحد، بلد لا قيمة لها سوى تلك التبعية العمياء، لذا لا يعتبر الحديث عن المراجعة العربية للعلاقة مع أمريكا يخصها أو ذي شان بها، واعتقاد بعض الأوساط العربية أن “العداء للنظام السوري” بات وكأنه “فرض عين” ليس سوى “خطيئة سياسية” ستلحق الضرر بتلك الأطراف أكثر كثيرا من النظام السوري، فموضوعيا المستقبل لن يكون لبقاء الطبيعة الاستبدادية للنظام السوري، كما كان ما قبل انطلاق الفعل الشعبي من درعا في مارس 2011، لن تعود سوريا لإستبدادها الأمني تحت أي ظرف كان، وجوهر المباردة الروسية لن يقتصر على بعد “السلاح الكيماوي” السوري، بل هي الخطوة الأولى للسيطرة على “سلاح الاستبداد السوري” ايضا، بعد أن يتم تطهير سوريا من المعارضة الارهابية والعميلة بكل أشكالها، وخلق بيئة سياسية لمعارضة ديمقراطية باتت ضرورة لا خيار غيرها لانقاذ مستقبل سوريا، وهو ما يجب أن تدركه تلك الأطراف العربية..
وابقاء “العداء لسوريا” ارتباطا من العداء لايران ومشروعها “الفارسي” فهذا ارتباط تحول الآن الى ماض سياسي، فايران ومعها حزب الله لن تعود الى تلك الفترة الخاصة التي نجحت في تمرير رؤيتها من خلال “محور المقاومة – الممانعة” وتجاهل الجميع خطر “المشروع الفارسي”، والذي لن يكون له حضورا سياسيا في المستقبل العربي، ولن يعود حزب الله تحت أي مظهر سياسي ليكون بوابة للمقاومة، وعله سيكون أكثر الخاسرين من نتائج ما بعد “الحل السياسي” في سوريا..لذا لا يجوز ان تبقى تلك الأطراف العربية رهنا لموقف الربط بين سوريا وايران بطريقة غير صحية، وفقط للتذكير كانت علاقة تلك الأطراف العربية بسوريا وهي على أفضل علاقة بايران، أي ان تلك المسألة لم تكن ذات تأثير في مقياس الربط بينهما..
الفرصة مناسبة جدا لبعض “التمرد” الرسمي العربي على الاهانة الأميركية لهم، “تمرد” لن تستطيع أمريكا أن تقوم بردعه في اللحظة الراهنة، التي تشكل “فرصة تاريخية” لهذه الدول العربية للفكاك من “الهيمنة الأميركية” وعلهم يأخذوا عبرة من موقف بعض أطراف هذا التحالف الذي ايد ثورة مصر بقوة وصراحة وتحد للإدراة الأميركية التي لم تفعل في النهاية شيئا، وانتهت كل المكالمات الهاتفية للرئيس الأميركي مع قادة تلك البلدان بصفر سياسي كبير..
أمريكا لم تعد أمريكا.. وإوباما بات سخرية ومسخرة لشعبه قبل شعوب العالم..الفرصة تاريخية فلتتم لحظة الالتقاط..فعندها سيكون للعرب دولا وشعوب قيمة في تقرير مصير العالم المتغير سريعا..
لاتجعلوا من “الحقد سلاحكم”، فـ”الحقد أعمى” لن يوصل أهله الا الى الهلاك!
ملاحظة: على وزير خارجية فلسطين أن لا يصمت على تصريحات قنصل فلسطين بالاسكندرية ضد حماس بتلك اللغة..الديبلوماسي ممثل لفلسطين وليس لفصيل..عيب جدا ما قاله ولا يجب ان يمر!
تنويه خاص: حرب حماس على “تمردـ غزة” دخلت مواقع التواصل الاجتماعي..تصريحات قادة حماس تستهر جدا بتمرد، لكنها لا تنام قبل أن تتحسس أرضها من كل خطوة لهذه “التمرد”..غريب هذا الخوف!