كتب حسن عصفور/ عادت الحرب الكلامية المترافقة مع كميات من الصواريخ والقذائف بين دولة الكيان وحركة حماس للظهور في دورة جديدة، ومن يستمع الى تصريحات قادة الاحتلال العسكريين والسياسيين يعتقد أن عدوانا اسرائيليا على قطاع غزة بات وشيكا، حتى وصلت صحف عبرية الى اعتباره قد “دخل حيز التنفيذ” فعلا، فيما اطلق بعض من جنرالات دولة الكيان تصريحات ذات مغزى وهدف، بالحديث عن أن حركة “حماس” تفعل الممكن لمنع أي “عمل عدائي” ينطلق من قطاع غزة ضد اسرائيل، لكنه تلك “العبارة ترافقت مع تهديد مبطن، بأن حسن فعل “حماس” لا يكفي بل عليها أن تتحمل مسؤولية نتائج اطلاق الصواريخ ايضا..
الحرب الكلامية بعدوان اسرائيلي جديد، رغم كل ما يمكن قراءته ومتابعته وتصعيد قد يصل الى درجة التصديق، لا يوجد له أفق عملي في التوقيت الراهن، فلكل عدوان احتلالي هدف سياسي بدأت مع عدوان أواخر 2008 عندما أوعزت أمريكا لوزير حرب دولة الكيان براك بتوريطها في عدوان ضد قطاع غزة من اجل وقف المفاوضات السورية – الاسرائيلية برعاية تركية، خاصة وأن المفاوضات كانت على وشك أن تصل الى نهايتها، فيما مسار التفاوض مع الطرف الفلسطيني يسير سيرا ايجابيا، بين عباس وأولمرت، وكلا المسارين لم تكن واشنطن راضية كل الرضا عنهما، بل أنها فعليا كانت رافضة للمسار السوري، وهو ما كان سببا رئيسيا للحرب على قطاع غزة، وانتهت الحرب ومعها انتهت المفاوضات على المسارين، بعد ان فتح القضاء الاسرائيلي ملفات فساد أولمرت خرج منها “بريئا” بعد أن تم اسقاطه وتهيئة المسرح لقدوم نتنياهو..
وجاءت حرب أواخر 2012 المفاجئة ضمن لعبة واشنطن لاختبار قدرة الجماعة الاخوانية في مصر بعد فوز مرشحها بالرئاسة، ومدى التزامها بالعلاقة مع اسرائيل امنيا وسياسيا، واثرها على فرعها في القطاع “حماس”، فاغتالت تل أبيب القيادي العسكري احمد الجعبري وهي تفاوضه “سياسيا”، دون أن يكون هناك لا سبب ولا ذريعة للاغتيال، عدا بعض تحليلات وتقارير اعتبرته خدمة اسرائيلية لتيار حمساوي للتخلص من “رجل ايران” القوي، وهو قول لا يوجد له سند سياسي، الا أن الدافع الحقيقي للاغتيال هو جر حماس الى معركة عسكرية لتحقيق هدف سياسي مع حكم مصر الاخواني، وقد كان نجاح تل أبيب – واشنطن أكثر من المتوقع، عندما قادت الرئاسة المصرية اتفاقا لوقف اطلاق النار او للهدنة العسكرية لا يهم التسمية، شكلت نصوصه ، شكلا ومضومنا نصوصا غير قابلة للتصديق حتى تاريخه..
فحماس اجبرت على التوقيع على اتفاق مع دولة الاحتلال لأول مرة، وهو ما لم يكن سابقا، فكل الاتفاقات كانت شافهية وبضمان جهاز المخابرات المصرية، وحملت لغة الاتفاق عبارات وكلمات شكلت “عارا سياسيا” على حركة “حماس”، خاصة عندما وافقت لارضاء الجماعة الاخوانية لترضي بدورها أمريكا واسرائيل على وصف اعمال المقاومة بـ”الأعمال العدائية”، ودون العودة لنصوص ذلك “الاتفاق العار” فأمريكا حققت الهدف السياسي بحرب اسرائيل على غزة، ومنحتها الجماعة الاخوانية ما لم يكن لها يوما لا فلسطينيا ولا مصريا، ولا زال قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين يذكرون في كل مناسبة “فضائل ذلك الاتفاق بين مشعل ونتنياهو ومرسي”، فيما لم نسمع أحدهم يتحدث عن اتفاقات منظمة التحرير بمثل ما تحدثوا عنه بذلك الاتفاق، ومعهم كل الحق بالتفاخر بما حققوا مع الجماعة وفرعها الاخواني في فلسطين..
والآن، هل هناك هدف سياسي محتمل لحرب عسكرية ضد قطاع غزة وبالتالي ضد حماس، المؤشرات العامة للمشهد المحلي والاقليمي لا تؤدي الى ذلك، لكن دولة الكيان تحاول أن تبقي حماس تحت طائلة التهديد المستمر من جهة، ولاجبارها على القيام بما عليها القيام من “التزامات وردت في اتفاق مشعل بيبي – مرسي”، ومن جهة أخرى لقطع الطريق أمام كل حركة شعبية رافضة لاستمرار حماس في خطف قطاع غزة، خاصة وان المزاج الشعبي الفلسطيني والعربي لا يقبل أن يبدو وكأنه في خندق واحد مع دولة الاحتلال في أي فعل، ولذا فكلما قامت اسرائيل بتهديد حماس وتصعيد لغة الحرب ضد القطاع صمتت حركة الغضب الوطني ضدها، وهو ما يضمن اطالة حكمها وسيطرتها ضمن حدود الاتفاق المخزي في نهاية 2012..
اسرائيل قد تلجأ لحرب عدوانية لو اقدمت “حماس” فعليا على التخلي عن حكمها لقطاع غزة، ونفذت ما تردده في الاعلام، عندها ستكون الضربة العدوانية ممكنة لأن الوظيفة الأهم لحركة “حماس” بالنسبة لهم تكون قد سقطت بسقوط ورقة الانقسام، ما سيؤدي لتعزيز الموقف الوطني الفلسطيني والذي سيقود لاعادة شن الهجوم السياسي الفلسطيني ضد دولة الكيان “الشاروني” عالميا..وهي المسألة التي تمثل خطرا كبيرا على دولة الكيان، خاصة مع تصاعد حالة القرف السياسي الدولي من سياستها، ولا يبدو مستغربا ان تراجع “حماس” عن خطوتها الاندفاعية جاءت اثر رسائل وصلتها عبر “صديق عربي او تركي” ينصحها بعدم التسرع في انهاء الانقسام، وتنتظر وقتا ملائما أو أن تبادر هي بعمل كبير يمنحها غطاءا لأي رد فعل اسرائيلي لاحقا..
جكومة نتنياهو لن تكسر البيضة التي تمنحها “ذهبا سياسيا خالصا” بادامة الانقسام، في ظل اتفاق “مشعل – بيبي – مرسي”، فلا يوجد حرب من اجل الحرب هذا الزمان، فلك حرب هدف وهدف الكيان الا تسقط “حماس” عن حكمها وانقسامها، فشرط الحرب لا زال قائما فلماذا تقوم بها!
كلام التصعيد وما يرافقه من ردات فعل محسوبة جدا ومحدودة هي جزء من لعبة ديمومة الحال على ما هو عليه الى حين!
ملاحظة: اصاب الرئيس محمود عباس بوصف سياسية اسرائيل في القدس بأنها “تطهير عرقي”..موقف يفرض على القيادة الفلسطينية قبل غيرها أن تحدد خيارها لوقف ذلك التطهير..بالمناسبةهي المفاوضات غطاء رسمي لتلك السياسة!
تنويه خاص: بعد أن قام اردوغان بـ”تطهير القضاء” وتعيين نائب عام “ملاكي” وطرد الاف من رجل الشرطة، أعلن ان ابنه بريء من تهم الفساد..اي حاكم نرى ونسمع!