كتب حسن عصفور/ في يونيو 2002، أعلن بوش الابن مشروعه الخاص لتصفية الزعيم المؤسس الخالد ياسر عرفات، تحت نقاب ما عرف طوال 21 عاما، باسم “حل الدولتين”، ليصبح التعبير الأكثر تداولا في عالم السياسة المرتبطة بالصراع الفلسطيني (بعدما تطبع العربي) الإسرائيلي، ولا يخلو تصريح أو بيان من تلك العبارة السامة، والخادعة جدا، بعدما طمست حقيقة “دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل”.
تعبير “حل الدولتين” الأميركي، ورغم كل ما اختزنه تضليلا سياسيا كان هدفه الحقيقي إنهاء مرحلة الثورة بقيادة ياسر عرفات، والذهاب لمرحلة تاريخية جديدة مختلطة بين حكم برئاسة محمود عباس وحكومة برئاسة حركة حماس، ليكون “الساتر” لتمرير الهدف الحقيقي للولايات المتحدة، بعدم الذهاب لحل يؤدي الى إقامة دولة فلسطينية، كما كان يفترض، وخاصة بعدما أقرت الأمم المتحدة قرارا بذلك رقم 19/67 لعام 2012، والذي جمده الرئيس عباس استجابة للطلب الأمريكي.
وأخيرا، وبعد مرور 21 عاما، وضع جو بايدن نهاية ذلك الشعار الخادع، وأعلن في تصريحات صحفية يوم 15 أكتوبر 2023، أن الحديث عن “حل الدولتين” لم يعد قائما، مشيرا الى ما سيكون بعد الحرب العدوانية التي تقوم بها دولة الكيان ضد قطاع غزة، وترمي لصياغة سياسية جديدة تتفق ونتائج تلك الحرب، ولذا جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي مقدمة، ربما يراها البعض مبكرة، وهي غير ذلك.
تصريحات بايدن، تضع الإطار السياسي الجديد لنتائج الحرب القائمة، والتي تنهي كليا هدف وجود دولة فلسطينية ذات سيادة، أو تقريبا ذات سيادة، ويفتح الباب لكل “الحلول الممكنة” دون ذلك، تقوم جوهريا على مبدأ “وصاية سياسية معاصرة” على التكوين الفلسطيني المفترض أن يكون، بما يمنع أي بعد استقلالي في جوانب تتعلق “بالأمن الخارجي والحدود والفضاء”، وتحديد طابعها تسليحا وقدرة أمنية، بما يتوافق مع نهاية المشهد الحربي الراهن.
تصريحات جو بايدن، والتي ربما يعتبرها البعض مفاجئة أو متسرعة، لكنها في الحقيقة رسالة قاطعة، نحو الهدف السياسي المراد أمريكيا قبل أن يكون إسرائيليا، وخاصة مع الحديث عن عقد قمة دولية إقليمية لبحث الصراع، وفتح باب المفاوضات نحو ما يقال “أمن واستقرار المنطقة وتحقيق السلام فيها”.
واستدراكا، يجب العودة قليلا الى كلمات الوفود العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تجاهل غالبها أي إشارة الى “دولة فلسطينية”، وتغافل الرئيس محمود عباس عن الطلب برفع مكانة دولة فلسطين من عضو مراقب الى كامل العضوية، وخاصة أن غالبية كبيرة كانت تؤيد ذلك، لكنه تراجع بعد مباحثات وفده (كان نجله أحد المشاركين) مع الاشقاء بالعربية السعودية، والتي تبين أن مفاوضات التطبيع بينهم ودولة العدو الفاشي، التي ترعاها أمريكا، لا تشترط قيام دولة فلسطينية، واتجهت لخيارات أخرى، ضمن رؤية خاصة تستند جوهريا على مبدأ “البعد الحياتي الإنساني” ضمن واقع سياسي غير سيادي يميل الى الإلحاقي أو الوصاية المعاصرة.
حديث بايدن الاستباقي لأي تحرك إقليمي لرسم مشهد سياسي جديد، بشطب مبدأ إقامة دولة فلسطينية ذات بعد استقلالي، لا يجب أن يمر مرورا عابرا من الرسمية الفلسطينية، ليس رفضا كلاميا، لو قدر لها الرفض، أو سمح لها بالرفض، بل بالذهاب فورا وردا على ذلك بتنفيذ كل ما تهربت منه طوال السنوات الماضية، والتي أدت لنكبة كبرى تتحمل مسؤوليتها هي وليس غيرها، وكل تأخير هي إشارة انها موافقة على المسار الأمريكي الجديد، بشطب دولة فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة لصالح “كيانية تحت الوصاية والالحاق”.
كل تأخير بعدم إعلان قيام دولة فلسطين تحت الاحتلال، وفقا لقرار 19/67 لعام 2012، وسحب الاعتراف أو تعليقه بدولة الكيان المعادي سيكون موافقة رسمية بالموقف الأمريكي الجديد…ما سيفتح الباب لتنفيذ الجزء الثاني من المخطط الذي تريده واشنطن، تشكيل “بديل سياسي تمثيلي فلسطيني” يتفق مع الهدف السياسي…كنهاية لمرحلة تاريخية للثورة ومنظمة التحرير وبداية لمرحلة تاريخية من أدوات “التقاسم الوظيفي المعاصر”.
التاريخ لن يقف أبدا عن حدود “الرغبات” و”الأمنيات”، بل بالمنتج السياسي الذي سيكون هدفا لمرحلة بدأ رسم ملامحها بغطاء ناري كثيف.
ملاحظة: قيام وكالة الرئيس عباس بشطب كلامه أنه يرفض أفعال حماس، وبأنها لا تمثل الشعب، كشفت أن كلامه مش بس فضيحة لكنه عار سياسي أن يقوله في زمن قيام الفاشية اليهودية بارتكاب جرائم حربها على الهواء…نصيحة وجب “الحجر السياسي” علي محمود..قبل ما يصير كل شي غير محمود لآل فلسطين يا فلسطينية.
تنويه خاص: تصريحات بعض قادة حماس كأنها زعلانة من حدث 7 أكتوبر 2023..معقول القصة صارت عسكر وساسة..طيب المهم بلاش تقولوا “يسقط فعل العسكر”..مش ناقصيكم” وسط الحرب التدميرية.