كتب حسن عصفور/ سريعا تطاير خبر انتهاء مهمة د.ناصر القدوة كنائب للأخضر الابراهيمي في وساطته الدولية بالمسألة السورية، واختلفت “صياغات” الخبر بين استقالة تقدم بها القدوة وبين اعفاء من مهمته، ونظن أن بيان الأمم المتحدة كان واضحا بأن القدوة هو من تقدم بطلب الاعفاء، وترك مستقبل الوظيفة الدولية غامضا، ولكن ما يهمنا مما نشر ليس مستقبل العمل الذي سكون لشخصية فلسطينية احتلت مكانتها السياسية القيادية في اطار السلطة وحركة فتح، وما يرتبط به من صلة قرابة خاصة جدا بالزعيم الخالد، وهو ما جعله “وصيا” على احياء تراث الزعيم الخالد من خلال مؤسسة تحمل اسم الزعيم، لكن ما يهمنا الحدث بترك الوظيفة الراهنة..
الخبر بذاته حمل “خيرا سياسيا” لكل فلسطيني بعد أن شعر أن المهمة التي كلف بها د.ناصر القدوة انتهت فعليا لحظة أن رفضت سوريا استقباله مع الأخضر الابراهيمي بعد التكليف، ووجدت ذريعة ساذجة لذلك الرفض باعتبارها أن القدوة يمثل الجامعة العربية، التي تراها حكومة سوريا منحازة ضدها، في حين تستقبل الابراهيمي كونه ممثلا للأمم المتحدة، وسذاجة الموقف أن الأمم المتحدة أيضا انحازت ضد موقف الحكومة السورية بما يفوق موقف الجامعة العربية، وكل قراراتها خلال الأزمة كانت ضد النظام وسياساته الخاصة، حتى أن الجمعية العامة وخلال النقاشات التي دارت أكثر من مرة شهدت حالة عزلة نادرة لممثل سوريا بشار الجعفري..لكن الاستقواء على رفض القدوة قد يكون لاعتبارات تاريخ أكثر منها حاضر..
لا يهمنا رفضت سوريا استقباله أم لم ترفض، لكن ما يستحق التدقيق هو أن يقبل في حينه د.القدوة الاستمرار بالعمل الوظيفي بعد الموقف السوري، وهو من هو مكانة وقيمة سياسية لفلسطين، وكان الاعتقاد أن يخرج بمؤتمر صحفي ويعلن تخليه عن المهمة الجديدة من أجل عدم تعطيل اي امكانية لحل أو جهد لصالح الشعب السوري، لكن الصدمة الكبرى أنه قرر الاستمرار، وخلال كل مسيرته الوظيفية تلك لم نلمس له دورا فاعلا يمكن أن نعتد به كشعب فلسطيني، بل ربما حدث ما أصاب الكبرياء والكرامة خدشا سياسيا من تلك الوظيفة..
وخلال مؤتمر جنيف 2 مؤخرا اشيع أن الوفد السوري اعترض أيضا على وجود د.ناصر القدوة على الجلوس داخل القاعة التي ضمت كل من هب ودب، من النظام الى المعارضة الى الأمم المتحدة وامريكا وروسيا واوروبا..وطبعا ممثلين لدول عربية ترى بها سوريا انها داعمة لـ”الارهاب”، لكنها لم تجرؤ على معارضة حضورها، فأرادت أن تظهر “قوتها” على الفلسطيني الوحيد، حتى لو كان بصفة اخرى، لكن كل الحاضرين يحملون صفات لا ترى بها حكومة الأسد سوى شر ودعم للإرهاب، والمؤسف أو المخجل أن ينتهي الأمر بتدخل وزير خارجية روسيا ليسمح للقدوة بالدخول الى قاعة “الكلام الفارغ”..
مهانة لا بعدها مهانة كانت تتطلب وفورا ان يعلن القدوة انسحابه من هذه المهزلة، وأنه لا يشرفه أن يكون متواجدا لبحث مسألة عربية بهذه الطريقة المهينة، وأن الموقف الرسمي السوري لا تفسير سياسي له سوى “كراهية خاصة” للشخص أو تاريخ الشخص، كان له بموقف كهذا أن يقلب الطاولة على الجميع وفي المقدمة الوفد الرسمي السوري، خاصة بعد ان سقطت ذريعة النظام بأنه يمثل الجامعة التي شاركت بممثلها العربي وحضور سعود الفيصل السعودي..ولكن “التهذيب السياسي الفائق عن الحد” للدكتور ناصر القدوة منح للمهزلة ان تصل لنهاية مهمته بطريقة لا تليق مع ما يحمل من قيمة فلسطينية ومكانة رمزية..
وأخيرا وصلت المهزلة الى نهايتها، وما كان يجب أن يكون قبل اشهر عدة جاء أخيرا، فانهى القدوة مهمته الباهتة جدا دون أن يحقق اضافة لتاريخه الطويل، بل أكلت جزءا من رصيده السياسي المشرق، وعلها تكون أحد النقاط السوداء في مسيرة كانت صاعدة بقوة لتشريف القضية الوطنية الفلسطينية، وليت د.القدوة لا يكتفي بما صدر من بيان ضبابي عن انتهاء مهتمه، ويعلن في بيان تفصيلي اسباب ذلك ويكشف ما يجب أن يعلنه للشعب الفلسطيني أولا وللعالم ثانيا احتراما لاسمه وتاريخه وقبلهما لرمزيته الوطنية..
ولكن سواء استجاب لكشف الحقيقة أو اكتفى بالصمت الغامض فما حدث خطوة صائبة تأخرت جدا..مبروك انهاء المهزلة يا دكتور ناصر!
ملاحظة: انشغلت واشنطن في ايجاد تبريرات لما قاله كيري عن أثر رفض اسرائيل لمشروعه الكارثي..ليت الفريق المفاوض يعيد قراءة ذلك السلوك عله يدرك كيف تتعامل واشنطن معه ومعهم!
تنويه خاص: اقتراح الرئيس عباس بتمديد فترة الانسحاب التدريجي ليس سوى الوجه الآخر للحل الانتقالي مهما حاول البعض “تبيضه”!