كتب حسن عصفور/ لست معتادا الكتابة في مسألة ناتجة عن مشاركتي بفعالية ما أو مؤتمر أو ما ماثلها من منتديات، ولكن الضرورة تفرض أحيانا ذلك، خاصة لو ارتبطت بقضية الوطن والشعب، فقبل ايام عدة اتيح لي المشاركة في مؤتمر التعاون الكوري العربي العاشر بسيئول، بدعوة من مركز الامارات للدراسات الاستراتيجية، وحمل جدول الاعمال مواضيع عدة، منها قيامي بالحديث عن “السلام من فلسطين”، الى جانب نخبة من اسماء عربية وكورية، وفي الجلسة الافتتاحية حدث ما لم يكن في الحسبان السياسي، عندما تحدث وزير خارجية كوريا الجنوبية مستعرضا قيمة المؤتمر واثره على التعاون المشترك عربيا، وامتد حديثه للشأن العربي، فتكلم عن سوريا معيدا الموقف الغربي من المسألة، ومر على العراق وما يتعرض له، الى الصومال والارهاب الذي يطل منها، وانهى الوزير كلمته بالتمنيات الايجابية لنجاح التعاون المشترك..
والحقيقة أن الصدمة كانت فوق التوقع من هذه الكلمة التي تجاهلت بشكل مثير ومستفز جدا، اي اشارة الى القضية الفلسطينية بأي من مظاهرها، حتى تلك التي تتغزل بها أمريكا وفلكها السياسي، المفاوضات، لم ترد كلمة واحدة خلال الكلمة الرسمية للخارجية الكورية الجنوبية عن فلسطين، وكأنها ليست جزءا من القضايا العربية، تخيلوا أن يتذكر الوزير الكوري قضية الصومال ولا يتذكر فلسطين..هل يمكن لفلسطيني أو لعربي أن يتصور مثل هذا التجاهل المقصود جدا..رغم أن فلسطين والضفة والقطاع كانت ضمن جدول أعمال المؤتمر، وهو العنوان الخاص بي، بل أن صفتي التي كنت ساتحدث بها هي تلك الصفة الرسمية السابقة مقترنة باسم فلسطين، والدعوة مرسلة بعلم من الخارجية الكورية، ولذا لا يمكن اعتبار ما حدث شكلا من اشكال “السهو السياسي”، لكنه وبكل تأكيد “تجاهل سياسي”..
من الطبيعي، لم يكن ممكنا لأي فلسطيني ان يقفز عن تلك “الاهانة السياسية”، ولذا كان من الطبيعي أن تبدأ مداخلتي في المؤتمر بالاستهجان من تجاهل الوزير الكوري للقضية الفلسطينية رغم أنه تذكر الصومال وسوريا، وتحدثت بان من يعتقد أن بالامكان حل اي قضية عربية بشكل كامل دون حل القضية المركزية سيكون واهما، ففلسطين رغم كل شيء يمر ببلادنا، ستبقى القضية العربية المركزية..
كان يمكن عدم التوقف عند هذه “الحادثة”، لولا أن كوريا الجنوبية تمتلك علاقات اقتصادية واسعة جدا مع النظام الرسمي العربي، ما يدفعها بالتفكير الايجابي لو أن الحركة السياسية الفلسطينية وضعت ذلك بعين الاعتبار في نشاطها العربي الرسمي، لأنها لا تملك اي اتصالات شعبية أو حزبية، مع المعرفة المسبقة أن سياسة كوريا الجنوبية في الملف الشرق أوسطي ملتصق جدا بالموقف الأميركي، الا أن المصلحة الاقتصادية لو احسن التعامل معها سيكون لها شأن كبير..
ولكن ذلك لا يمثل بديلا عن الحركة الذاتية للممثل الرسمي الفلسطيني، سواء الرئاسة او الخارجية، بعد أن فقدت منظمة التحرير قدرتها على الفعل الخارجي، فالغياب الرسمي عن التواصل مع بلد بحجم كوريا الجنوبية لا يوجد له اي مبرر، حتى تلك العلاقات التاريخية مع كوريا الشمالية وحساسية المسألة، الا أن لفلسطين اعتراف وتمثيل، وسفارة فلسطين باليابان مسؤولة رسمية عن تمثيل فلسطين بشكل غير مقيم، الا أن السفر الذي لا يبعد ساعة طيران بين طوكيو وسيئول، لا يتم الا صدفة، والسبب غير معروف، ووفقا لما سمعت من طلبة فلسطينيين يدرسون هناك ( عددهم 20 طالبا احدهم موظف بوزارة التخطيط) ان السفير كان يجب ان يحضر قبل شهرين ولكنه لم يأت، بمعنى لا قيمة للتمثيل غير المقيم من الناحية السياسية في الحالة الكورية..
ليس مطلوبا ان يكون لفلسطين سفارة أو مكتب تمثيلي في كل دول العالم، ولكن بالتأكيد يجب أن يكون عمل السفارات وفقا للضرورة السياسية والحاجة أيضا، وإن تعذر فتح مكتب في دولة ما يجب أن يكون التمثيل غير المقيم فاعلا بدرجة يستطيع التعويض قدر المستطاع عن التواجد المباشر، وهنا تبدأ مسؤولية وزارة الخارجية في مراقبة نشطاء سفرائها غير المقيمين بأكثر من المقيمين.. وأن تطلب تقريرا دوريا عن نشاطات وحركة السفير في تلك البلاد، وهو ما يبدو أنه غير موجود، وتجربة كوريا الجنوبية مثال حي وساطع، وفي حال عجر السفير، اي سفير عن القيام بذلك يجب الغاء التكليف والبحث عن سفير آخر، وان لا تكون هناك “حماية خاصة” لاي كان سوى الحماية الوطنية الفاعلة، وهذه ملاحظة يجب أن تكون ضمن آلية المراقبة الذاتية للحركة السياسية لسفراء فلسطين، ولست معنيا الآن في نفاش فعالية الخارجية الفلسطينية..فما يهم شعب فلسطين ان تعي الوزارة بعضا مما يكون قد هرب منها خلال الحالة الرسمية ما بين تعديلات وزارية او نشاطات تفاوضية!
ملاحظة: يبدو ان اعلام اسرائيل يقوم بحملة “ترويج” لحماس بطريقة خاصة..النفق في غزة وكشفه رغم أنه قديم..الحديث عن احباط عملية تصنيع طائرة مفخخة لارسالها الى تل ابيب..وغيرها..هل فعلا هي معلومات استخبارية أم معلومات امنية لهدف في نفس نتنياهو!
تنويه خاص: محضر لقاء كيري مع الوفد العربي بباريس، والذي نشر جزءه الأول في “امد للاعلام” يوم امس يمثل “عارا سياسيا” كامل الاركان..الايام القادمة تستوجب تناوله بتفصيل!