كتب حسن عصفور/ منذ سنوات وبالتحديد مع قدوم نتنياهو وحكومته العنصرية أدرك ‘أهل فلسطين’ قيادة و’حكومات’ وشعبا أن لا مكان لأي فرصة يمكن أن تؤدي إلى ‘حل سياسي’، وأن القادم ليس سوى مواجهات وصدامات لا تنتهي، ولذا بدأ الخطاب الفلسطيني يتجه منحى آخر، يحاول إعادة ‘الروح’ لمضمونه بعد أن تسللت له حالة ‘هزال’ أثر الانقسام الفلسطيني ثم لقاء أنابوليس الذي كان نقطة لا تستوي والحالة الكفاحية الفلسطينية، ثم انتهاء ‘عرض أولمرت’ الذي اعتبرته بعض الأوساط القيادية الفلسطينية ‘فرصة قريبة للحل النهائي’، رغم عيوبه التاريخية، بل إن الضباب والسواد السياسي توسع بقدوم باراك أوباما رئيسا لأمريكا بكل ما يملك من موقف حميم جدا للدولة الاحتلالية.. صور سياسية واضحة أشد الوضوح بأن ‘العملية السياسية’ توقفت..
ولم تغب هذه الحالة عن دخول متحدثين فلسطينيين في ‘سبق الوصف’ للمفاوضات التي تريدها أمريكا ولجنتها ‘الرباعية’ التي تطرح بيانا ثم تقوم بتعديله ببيان آخر، فسبق الكلام الفلسطيني أوصل الجميع إلى الوصف الدقيق لما آلت إليه ‘المفاوضات’ بأنها أصبحت ‘ مفاوضات عبثية’ لا جدوى منها ولا فائدة ترجى لاستمرارها، ولن يكون لها مصداقية دون الالتزام بوقف شامل للاستيطان والالتزام بمرجعيتها المقرة وأحيانا يتذكر بعضهم بالتذكير بما سبق الاتفاق عليه.. وقد خلقت تلك التصريحات ”حالة تفاؤلية’ في الوسط الفلسطيني بأن البعض أدرك العبر وأن هناك نهجا جديدا في التعاطي مع الكيان الإسرائيلي، وبدأت بالحديث عن ‘الخيارات والبدائل’ السبعة كبديل لعبثية التفاوض بعد فشل مسيرة الـ18 عاما وفقا لمسؤول مفاوض كبير، ( رغم أنها ليست أقوالا دقيقة تماما ) لكن الفشل العام أدى للبحث عن ‘البدائل السبعة’ لتنتهي في نهاية المطاف إلى خيار ‘الأمم المتحدة ومجلس الأمن’..قبل الحديث عن ”إلى أين المصير”..
المفارقة الكبرى أن الكلام عن ‘العبثية التفاوضية’، لم يصل إلى القطيعة الحقيقة معها، بل إنها كانت تتم بأشكال أخرى، منها ‘مباشرة’ مع الإسرائيليين ولكنها ليست معلنة، وقد اعترف الرئيس عباس بحدوث أربعة لقاءات مع رئيس الكيان الإسرائيلي شمعون بيريز، وكذا لقاءات ‘غير مباشرة’ متعددة الأنماط عبر واشنطن والرباعية.. ولا تزال حتى اللحظة فهناك شكل منها يدور في مسرح العملية التفاوضية من خلال ‘الرباعية’ ولعل الرئيس عباس منحه وصفا جديدا باعتبارها ‘جسا تفاوضيا’ وليس ‘عملية تفاوضية’، أي أن هناك حالة من حالات التعاطي معها، ما يؤكد أن كل الكلام عن ‘العبثية’ وغير المجدية، والفشل الكبير للمفاوضات لم يصل إلى الخلاصة القاطعة المحددة : لا للمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة لا تستند إلى الأسس التي يريدها العالم قبل الشعب الفلسطيني، حتى بعض بيانات الرباعية و’أفكار أوباوما’ التي أعلنها بداية قبل أشهر..
المراوحة قائمة.. وهي فعل لن يصل لإقناع العالم بضرورة البحث عن شكل جديد، كون الأمل يراودهم من خلال بعض الاتصالات والترتيبات بأن لا ضرورة لجديد كامل، بل البحث عن ‘صيغ’ وشكل تحسيني أو ما يمكن القول بأنه محاولة ‘إنقاذ ماء الوجه’ .. سلوك لا يستقيم مع روح الموقف الذي جسده خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة، ولا مع ‘روح النصر اليونسيكوي’ الذي أدخل فلسطين موقعا انتظرها 63 عاما..
ولأن المشهد مصاب بحالة من التخبط الغريب، فهناك من لا يكف عن وصف السلطة الوطنية بأنها ليست سوى ‘سلطة وهمية’ لا قيمة لها في ظل سيطرة الاحتلال على حركتها، كلام يتكرر في كل مناسبة لا يوجد لأزمتها جواب.. فبدلا من البحث عن كيفية مواجهة أزمات السلطة يتم الهروب لوصف الحالة، كما وصف المفاوضات بالعبثية، يتم وصف السلطة بالوهمية، ومع هذا تمتلك هذا ‘الوهمية’ عدد من الأجهزة الأمنية قد يفوق دولا أغنى وأكبر من السلطة الوطنية، ترهق موازنة السلطة بمئات ملايين الدولارات.. وهي السلطة التي تتحرك باسمها القيادة الفلسطينية نحو العالم لانتقالها إلى مصاف الدول، بل إن الرئيس عباس قبل أيام فقط افتخر بلا حدود بما للسلطة من حالة مؤسساتية تفوق ما لدول قائمة من سنين، وهو ما أكدته مؤسسات دولية أخرى..
الحديث عن ‘عبثية المفاوضات’ و’السلطة الوهمية’ إما أن يتوقف نهائيا لأنه لا يؤشر على الاحترام للفعل الفلسطيني، بل يؤدي بالآخرين إلى الاستخفاف بكل ما تقوم به السلطة رئيسا و’حكومات’ ومؤسسات .. لو أن الصدق هو فيصل تلك الأوصاف يجب أن يكون السلوك مختلفا كل الاختلاف عما يحدث.. وكفى هراء..
ملاحظة: لقاء الرئيس عباس بالغنوشي في تونس حمل كلاما ‘غنوشيا مهما’ عن مكانة الرئيس.. هل تصل كلماته إلى بعض ‘قيادات حماس.. ياريت ..
تنويه خاص: يبدو أن ليبيا ‘الجديدة’ ستكون بوابة لمظهر ‘خريفي’ في الحراك العربي.. ليته يتوقف عند حدودها..
تاريخ :12/11/2011م