كتب حسن عصفور/ مجددا أظهرت حركة “حماس” قدرتها الخاصة على ادخال حركة “فتح” في دوامة سياسية، تبدو وكأنها تحسن تحريك خيوطها وفقا لحسابات في انتظار ما قد تعتقد أنه سيكون عاملا مؤثرا لها كي تفرض رؤيتها على المشهد الفلسطيني، فبعد أن ناورت الحركة خلال حكم الإخوان الساقط بقرار الشعب المصري، وتحدثت كثيرا دون أن تقوم بخطوة عملية واحدة نحو تحريك ملف يمكن أن يساهم في كسر الجمود والتعطيل، ها هي تكثر مما تسميه بخطوات “حسن النوايا” المقدمة لحركة فتح – تماثلا من خطوات حسن النوايا الاسرائيلية المقدمة للرئيس عباس، خطوات تبدو ايجابية وتظهرها كشكل من “التنازلات” من أجل عيون المصالحة، وهي كلها “حقوق” مصادرتها أو منعها يستحق العقاب أصلا وليس “ثوابا” على فعلها لاحقا..
ولأن حركة فتح تعيش مأزق مفاوضات لا تجد قبولا ولا رضى شعبي أو وطني، فهي بدورها أيضا تحاول المناورة بذات الورقة التصالحة، وهي علي يقين تام أنها لن تستطيع أن تتقدم خطوة جوهرية واحدة يمكنها من كسر “عقبات المصالحة”، والتي زادت صعوبة وتعقيدا بعد سقوط حكم المرشد في مصر، واعتبار الجماعة الإخوانية حركة ارهابية، وحماس موضوعيا جزء من التنظيم الاخواني، وفقا لميثاقها وقسمها العام قبل سنوات وبعد خطفها قطاع غزة..
قيادة فتح تعلم يقينا أن ما يحدث ليس سوى “مناورات متبادلة” كل يريد منها غايته الخاصة التنظيمية والسياسية، فحماس تبحث عن كسر الطوق السياسي الدولي والاقليمي، خاصة الطوق المصري بكل مظاهره، بسبب موقفها من ثورة يونيو وارادة الشعب المصري، ويمارس اعلامها مشاركة فعالة لخدمة الجماعة الاخوانية مخططا وممارسات، ولا يمكن فصل دورها الاعلامي عن موقفها الإخواني مهما حاولت بعض قيادتها قول كلاما بلا ملامح واضحة، أبرزها لا نتدخل في الشأن المصري، وهي مقولة بلهاء لا يقبلها ساذج، فعدم رؤية التغيير الثوري وتجاهل الواقع المصري الجديد وعدم التعاطي الرسمي السياسي والاعلامي مع نظام ثورة يونيو هو جوهر التدخل في الشأن المصري، لأنه يعكس موضوعيا موقفا رافضا أو في الحد الأدنى متجاهلا للتغيير والثورة المصرية ومؤسساتها الجديدة، وهو بذاته موقف الجماعة الارهابية وتحالفها المعادي لمصر، فلا حياد في الموقف من الثورة المصرية، من ليس معها هو ضدها بشكل أو بآخر..
هذا الموقف يؤدي عمليا، الى أن مصر لن تقبل بأن ترعى مصالحة تكون حماس طرفا بها قبل أن تعيد تصويب موقفها جذريا من مصر حكما ومؤسسات واعتراف صريح بثورتها، ودون ذلك لن يقبل منها، وعليه لا مكان لها في مصر أرضا وموقفا، ولتبقى أسيرة حضورها القطري التركي، موقف تدركه جيدا قيادة فتح والرئيس عباس، لكنه لا يستطيع التجاوب العلني معه ليضيف شرطا سيبدو وكأنه “شرط خارجي”، رغم أنه في الحقيقة بات “شرطا وطنيا فلسطينيا” كون مصر هي بالأصل جزء من المنظومة العامة لتعزيز القدرة الكفاحية الفلسطينية، ودونها لا مكان لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال الوطني..
لكن حركة فتح الغارقة في مهزلة التفاوض يجبرها الانخراط في “لعبة حماس”، ولعل “زيارة وفدها” الى قطاع غزة، رغم التصريحات الخادعة التي صدرت عن رئيس وفدها التي تبشر بصلح ومصالحة، منحت مزيدا من التدقيق فيما تريد حماس، من اقتسام للسلطة وليس شراكة بها، أي أنها تريد من فتح استمرار عملية “التقاسم الجغرافي الوظيفي” بين جناحي “بقايا الوطن” باتفاق وليس باختلاف، وما يتيح لها كسر الطوق المفروض عليها، لكن فتح تبحث استمرار لعبة “الاستغماية السياسية” بالهاء الشعب عن مواجهة المفاوضات الكارثية التي ألحقت ضررا جوهريا بالقضية الوطنية ومشروع فلسطين الكفاحي، باستخدام قضية تجد هوى كبير عند الشعب الفلسطيني وهي انهاء الانقسام، وتتزايد مهزلة الاستخدام المعيب للقضايا الجوهرية في مناورات صغيرة، عندما تسمع أن زيارة مسؤول ملف المصالحة في فتح تحتاج اسابيع كي يتم ترتيبها، وكأن ذهابه الى غزة يحتاج “عملية خاصة جدا”، بدلا أن تكون الطريق سالكة وآمنة ويومية، يأخذنا الحديث الى اتصالات فاتفاقات فتأجيلات، ملهاة لا سابق لها ليغطي كل من طرفي الأزمة الوطنية على “عوراته السياسية”..
لا مصالحة في ظل مفاوضات يرفضها الشعب الفلسطيني، ولا مصالحة في ظل بقاء “حماس” بجلبابها الإخواني..وهذا تحدي سياسي علني دون أي خداع أو أوهام..والأيام قادمة لتكشف كل “العورات”!
ملاحظة: سنرى من هو الأصدق، تصريحات بني اسرائيل وجماعتها في أمريكا حول زمن التفاوض وجوهر الاتفاق، ام تصريحات وفد “بني التفاوض” في فلسطين!
تنويه خاص: بالأمس الغى رئيس حكومة “بقايا الوطن” زيارته للخان الأحمر بالقدس المحتلة، بسبب محاولة اسرائيلية للتدخل في ترتيباتها، خاصة وأنه مرافق لضيف دنماركي كبير.. ماذا سيكون رد فعل “القيادة الرشيدة” على تلك الخطوة غير الالغاء!