كتب حسن عصفور/ بلا أدنى شك ان التعامل مع الاخبار ومصدرها في عالم اليوم اصبحت مشكلة بقدر ما هي ميزة أيضا، الأخبار تفرض ذاتها أحيانا دون تدقيق في مسرح “الخبر العاجل”، او “السبق الاعلامي”، ولا توجد وسيلة اعلامية لا تقع في فخ الاغراء هذا مهما حاولت ان تكون “موضوعية”، والبعض يحاول بعد النشر أن يتصل لتحقيق شكلا من اشكال “المهنية” أو “التوازن” بعد ان يكون الخبر الأساسي هو صاحب السيادة الاعلامية، فيما النفي أو التوضيح يصبح لاحقا، وربما لا يتم التعامل معه باعتباره هو الأصل..
ولكن الكارثة السياسية لا تقف عند كيفية التعامل مع نشر بعض الأخبار، بل ما يكون بعد النشر وما يتم البناء على تلك الأخبار والتي لا تكون صحيحة أو قد لا تكون دقيقة، من مواقف وبيانات وكأن الخبر حقيقة لا راد لها، وكي لا نعيش في عمومية الكلام، نقف أمام أمثلة لذلك التعميم من خلال كيفية تعامل الاعلام الفلسطيني بكل أطيافه وأشكاله، رسميا أو خاصا او فصائلي، مقروء أو مسموع، مع الاخبار التي تبثها وسائل اعلام دولة الكيان الاحتلالي، فليس تضخيما القول أن هناك وسائل اعلام عربية وفلسطينية تتعامل مع ما تنشره تلك الوسائل وكأنه “الحقيقة المطلقة”، لا تكتفي بنشره بل تقوم بعد النشر بالتعامل معه دون أن “ريبة أو شك” في مصدره..
والتعامل مع ما تنشره وسائل الاعلام الاسرائيلية عربيا وفلسطينيا، يضع القارئ أمام حالة من الدهشة الغريبة، عندما تستخدم تلك الأخبار والتقارير، بل البعض يستند الى مقالات لكتاب من اسرائيل – يهود – لتصبح مصدر للتحليل والتقييم، وتصل المصيبة الى مداها عندما تقوم وسيلة اعلام اسرائيلية، مهما كان حجمها وأثرها، بنشر خبر ما عن شخص أو فصيل في الساحة الفلسطينية أو العربية، لتجد كل من لا يتفق مع من تم الاشارة اليه في ذاك الخبر او التقرير تحت سلاح ناري..نقدا وتشكيكا واتهاما، وسرعان ما تصدر بيانات تستخدم تلك الأخبار في مواجهة “الخصم – المنافس”، دون أي أن ترمش لهم جفون ..
وفي الآونة الأخيرة، اتسعت حملة نشر الأخبار المثيرة في الاعلام الاسرائيلي، لتصبح تلك الأخبار مادة سياسية وخبرية في الاعلام العربي والفلسطيني، ومثالا تنشر وسائل الاعلام الاسرائيلية بين حين وآخر، تقارير تنسب الى الرئيس عباس ووفده التفاوضي كلاما يصل الى أنه سيعترف بـ”يهودية دولة اسرائيل” وتنازله عن حق العودة، وقبوله بدولة في بعض الضفة، ويتجاهل قطاع غزة، وبين حين وآخر تنشر ما تسميه قضايا فساد متهم بها أنجاله، وأخبار عدة وعديدة، وهي تقارير تأتي في “زمن سياسي” خاص، فيما تقوم ذات الوسائل بنشر تقارير عن حركة حماس وموقفها من التهدئة والمقاومة وقمع المقاومة والأنفاق وأنظمة الصواريخ وطبيعة السلاح، الى أن وصلت أخيرا لنشر رسالة نسبتها الى اسماعيل هنية المسؤول الأول لحماس في غزة، موجهة الى نتنياهو، واختارت شخصين سبق لهما التواصل سويا، هما غارشين باسكين باحث اسرائيلي، يعمل في مجال المنظمات غير الحكومية، والقيادي الحمساوي غازي حمد..
وقبلها بايام نشرت صحف اسرائيلية، خبر عن ارسال نتنياهو موفده الخاص المحامي اسحق مولخو الى دبي للقاء النائب والقيادي الفتحاوي محمد دحلان، في اطار البحث عن بديل لعباس..اخبار في فترة زمنية قصيرة..الكارثة لم تكن في نشر تلك الخبار فحسب، بل في كيفية التعامل معها من الأطراف المختلفة..فحماس ومعارضي عباس سارعوا في تصديق الرواية الاسرائيلية، حتى بعد ان يتم نفيها بشكل مرتبك، لكنهم يتجاهلون النفي – التوضيح ويتعاملون مع الخبر الاسرائيلي، فتصدر البيانات المنددة والمهددة..فيما تقوم حركة فتح وأنصار عباس واعلامه بالتعامل مع أي خبر ضد حماس ودحلان في الاعلام الاسرائيلي بكونه حقيقة مطلقة..تصدر بيانات تتهم ثم يفتح الاعلام الرسمي والحزبي لشن حروبا وهمية على اطراف تلك الأخبار..ولعل مسألة خبر لقاء دحلان ورسالة هنية لا تزال هي الأحدث، ففتح سارعت باعتبار خبر لقاء دحلان مع مولخو، رغم النفي وتبيان أنها “كذبة لا غير، “مؤامرة” لن تسمح بها.. بل أنها فتحت تلفزيون فلسطين لأحدهم ليبني “نظرية مؤامرة كاملة الأركان”، وكيف أنه وحركته و”الشعب” سيتصدى لها ويفشلها..
فيما سارعت فتح باعتبار خبر رسالة هنية الى نتنياهو “حقيقة سياسية” فأصدرت بيانات تستند في مواجهتها لحماس الى تلك الرسالة، رغم نفي حماس لها، وتبدأ رحلة الهجوم التي لا تتوقف حتى لو تبين أنها اخبار كاذبة..ولكن الرغبة الدفينة في “العداء المخزون” هي التي تسيطر على كيفية التعامل مع تلك الأخبار..وتكتمل المهزلة عندما يقوم كل طرف باتهام الآخر أنه يستند الى الاعلام الصهيوني المعادي..ويتجاهل أنه هو من استخدم ذات الوسيلة للنيل من خصم أو منافس..
مهزلة مستمرة منذ زمن بعيد، وكلما نشر خبر يلحق ضرر بطرف يؤكد أنه “خبر صهيوني” يراد به النيل ممن ينشر له أو عليه.. وما أن ينشر خبر جديد ضد غيره، حتى لو جاء بعد دقائق تعود “ريما لعادتها القديمة”..ليصبح الخبر الاسرائيلي هو “سيد الموقف”..
ولا تقتصر الفضيحة عند حدود ذلك، بل نجد من يستخدم تلك الأخبار لاحقا في “تقييم” او “تحليل” يريد خدمة موقفه..وللدلالة فقط يمكن قراءة مقالات أو تقارير الجماعة الاخوانية، وأن كثيروهم يستند الى الأخبار والتقارير والمقالات الاسرائيلية، وينشر لك الساعة والتاريخ والوسيلة لتبدو وكأنها “أم الحقيقة”..
هل من الممكن أن يتعلم احد..لا أظن فداء الكراهية والحقد لا دواء له..المهم أن يلحق تشويها بآخر، وليكن ما يكون..الم يقل أجدادنا أن “الحقد أعمى”!
ملاحظة: يبدو أن لعبة الترويج لقبول الفكرة الصهيونية بـ”يهودية اسرائيل” بدأت..مسؤول اعلامي وقيادي فتحاوي استبق الجميع لترويج الفكرة..صمت قيادة حركة فتح يعني قبول..الخبر منشور في وسائل الاعلام فلسطينية فقط!
تنويه خاص: هل تتعلم قيادة حماس من خبر رسالة هنية وتترك لعبة استخدام الخبر الاسرائيلي ضد منافسيها..أن تنشره ممكن ..أن تستخدمه لتدقق أولا..فمن حفر لاخيه حفرة وقع بها يا جماعة!