كتب حسن عصفور/ تختزن “الذاكرة الوطنية”، ان جماعة الإخوان في فلسطين ما بعد انطلاقة الثورة يناير 1965 ولاحقا تطورها السريع بعد الحرب العدوانية يونيو 1967، انحازوا لرفض المشاركة بأي مظهر ضد المحتلين الغزاة، دون الإشارة لمواقف معادية للثورة، ولجأوا للعمل “الاجتماعي” بموافقة رسمية من سلطات الاحتلال.
وفي نهاية 1987، ومع انطلاقة الانتفاضة الوطنية الكبرى بقيادة فصائل العمل الوطني، وبالتوازي مع تقديم المشروع الأمريكي وبعض العربي بخلق “بديل مواز” لمنظمة التحرير الفلسطينية، قررت الجماعة الإخوانية في الأردن وفلسطين تشكيل حركة حماس ذراعا عسكريا لها، رفضت أن تكون ضمن “القيادة الوطنية الموحدة” للانتفاضة، ولجأت للعمل الانفرادي المتوازي في كل سلوكها، ما ألقى بظلاله سريعا على الهدف الأساس من الإعلان المفاجئ.
الإشارة الى تلك المرحلة راهنا، ارتباطا بما يتم “صناعته” في المطبخ السياسي – الأمني لحكومة التحالف الفاشي بقيادة الثلاثي نتنياهو – سموتريتش وبن غفير، للتسريع في مشروع التهويد والضم، المستند لبناء ما يسمونه “مملكة يهودا والسامرة” الحديثة، بما يشمل بناء “الهيكل الثالث” في القدس على حساب المسجد الأقصى وساحة البراق، وبدأت خطوات تلك “الرؤية” تشق طريقها في مسارين بالضفة مع قرارات استيطانية هي الأوسع منذ عام 1972، وقرار مكمل لها، حول المنطقة “ج” لمنع أي وجود فلسطيني جديد بها، سلمت قيادتها الى وزير المال والجيش “ب” الإرهابي المستوطن سموتريتش.
الحديث عن ضم الضفة الغربية مع بقاء “نتوءات فلسطينية”، لم يعد شعارا يتحدث به قادة مستوطنين، بل أصبح جزء من الاستراتيجية الرسمية لحكومة التحالف الفاشي في دولة الكيان، وبدأت طريقة التفكير في آليات التنفيذ ومظهرها العام، والكشف عن جوانبها المتعددة، خلافا لما كان في عهد حكومات سابقة، تتحدث عن عمليات “تهويد” وتدعم الاستيطان ضمن حسابات خاصة، وبما لا يفتح باب حرب سياسية دولية ضدها، وهو ما لم يعد له قيمة أو حضورا في رؤية حكومة الفاشيين والمستوطنين.
الرؤية التهويدية لحكومة الثلاثي عمودها الفقري الضفة والقدس، ولذا تتعامل مع الوجود الرسمي الفلسطيني (السلطة)، بأنه كيان زائد يجب إعادة تكوينه ليصبح متناسقا مع المخطط القادم، ما يعرف بـ “التقاسم الوظيفي”، الذي أعلنته حكومة نتنياهو ضمن شروطها لتحويل الأموال المحتجزة للحكومة الفلسطينية، بأن تتخلى عن “طموحاتها السياسية” في الأمم المتحدة وخاصة ما يتعلق بدولة فلسطين، ووقف أي حراك في محكمة العدل والجنائية الدولية، وأن حدودها الخاصة ما تقرره دولة الكيان، دون الأغوار وغالبية منطقة “ج” ومناطق ما يسمى “يهودا والسامرة”، غير ذلك لا ضرورة لها، والبحث عن خيار جديد.
مقابل ذلك، دولة الكيان ومنذ يونيو 2007، وهي تعمل بكل السبل لتعزيز حكومة حماس لتصبح “حكما ذاتيا انفصاليا”، انطلاقا من أن وجود حركة “طائفية إسلاموية حاكمة” يمثل خدمة استراتيجية لمواقفها بترويج المخاطر الدائمة، وتستخدم شعارات “الإزالة” الذي تمكنت منظمة التحرير وفصائل الثورة من حصاره وفضحه تماما، بأن العكس ما يحدث، فكانت شعارات حماس وملحقاتها قوة دعم مضافة.
حرص دولة الكيان على تطوير “الحكم الحمساوي” في قطاع غزة ليس مرتبطا بـ “ديمومة الانقسام” فقط، بل من أجل تكريس الانفصالية من جهة والاستخدام السياسي الفكري للبعد الطائفي في حربها ضد الفلسطيني، “يهود مقابل مسلمين”، ما يسقط البعد الوطني التحرري، وهو منهج اخترعه الاستعمار القديم، طورته الإمبريالية الأمريكية، واستخدمته دولة الكيان ما بعد عدوان 1967 واحتلال باقي فلسطين.
حكومات دولة الكيان السابقة، تعاملت لتعزيز “الحكم الحمساوي” بطرق مختلفة، كانت قطر قناتها المركزية، الى أن تحددت ضمن إطار “المال مقابل الأمن” أو “المال مقابل التهدئة”، أي تصبح أجهزة حماس الأمنية حارسة المنطقة الشرقية لقطاع غزة من رفح الى بيت حانون، وهو ما لم يكن قبل ذلك، حتى في زمن السلطة المفترض أنها موقعة اتفاقات تفرض “التنسيق الأمني”.
وللتذكير، وكي لا تستمر مكذبة طالت، فإن عمليات حماس الرئيسية وكذا الجهاد، حدثت في زمن السلطة الفلسطينية من 1994 – 2004، أي فيما يسمونه “زمن التنسيق الأمني”، لتكشف زيف كل ما حاولت الحركة الحمساوية ترويجه خداعا، كونها الآن هي الحارس الأمين جدا على السياج الفاصل مع دولة الكيان، تستخدم نموذجا في مواجهة السلطة في الضفة، فيما تخلت كليا عن أي عمل حقيقي داخل الكيان، وبعض عملياتها في الضفة لها استخدام متعدد لا يثير أي غضب من حكومة الفاشية ضدها، ما دامت تؤدي وظيفتها لتعزيز “رؤية التهويد والضم وبناء “الهيكل الثالث”.
وكي لا يبقى المشهد الفلسطيني ملتبسا سياسيا، ومتداخل تحت شعارات وهمية وخادعة، يجب وضع رؤية تدرك عناصر المشروع التهويدي العام”، وانطلاقته المركزية يكون بفك كامل للحكم الحمساوي في قطاع غزة، لتكون الرسالة السياسة الأهم، حول رفض الانفصالية والطائفية، قواعد الاستخدام الصهيوني ضد “الفلسطنة الوطنية والفكرية”.
كسر التهويدية يبدأ بكسر عامود الانفصالية في قطاع غزة، ومعها وضع قواعد عمل لتطوير الكيانية الفلسطينية القائمة، من سلطة ملتبسة الى دولة تحت الاحتلال، بكل ما يرتبط بها من عوامل التغيير الثوري الكبير.
الاستمرار في ملهاة حوارات كما حدث أخيرا في “لقاء العلمين”، سيكون خدمة استراتيجية للرؤية الإسرائيلية، وقاطرة اندفاعها، ولا عجب أن تقدم حكومات الكيان تغطية مالية كاملة لمثل تلك المهازل السياسية بكل مسمياتها.
ملاحظة: ما حدث مع أحد رموز الحالة الكفاحية في مدينة جنين، أبو الرعد خازم، والد الشهيدين من قبل عناصر تحمل مسميات فلسطينية، هي أهم خدمة قدمتها تلك الأدوات لجهاز أمن المحتلين..فكفكة وحدة خاصة بين فدائيين قدمتها أدوات منقبة للعدو…أهل جنين طاردوهم بكل مسمياتهم!
تنويه خاص: بشكل متمرد كما عاش طوال حياته، رحل زكريا محمد، الشاعر والكاتب، والغاضب السياسي دوما..تزاملنا في العراق طلبة.. اختلفنا بشكل حاد وكنا أصدقاء بشكل غريب..غادرنا داوود عيد الإنسان.. ويبقى زكريا محمد حاضرا..لك السلام أيها المتمرد الفريد.