كتب حسن عصفور/ عادت دولة الاحتلال، إعلاما ومؤسسة أمنية وحكومية، بوضع اسم صالح العاروري في صدر المشهد الإخباري في الفترة الأخيرة، بطريقة مثيرة، بعد مسألة “صواريخ لبنان”، التي عملت بكل سبلها اعتباره المسؤول المباشر عنها، فيما بذات التوازي برأت ساحة “حزب الله” منها، وكأن الأمر جاء لكسر معادلة “الحزب مع الكيان” منذ عام 2006.
مبدئيا صالح العاروري ليس شخصا مختفيا، ولا هاربا، وهو يتحدث إعلاميا بشكل يومي تقريبا، ويعلن مواقفه ويدعو لعمليات في الضفة والقدس (بعيدا عن القدرة على التنفيذ من عدمه)، وليس حديثا لا ما يدعو له ولا ما يعمل له، وسبق أن طلبت منه تركيا مغادرة أراضيها، بناء على طلب من أمن دولة الاحتلال، كما تم تحديد كثيرا من حركته الإعلامية في قطر.
لكن المفاجأة، ليست في نشاط العاروري ولا دوره في حركة حماس، كنائب رئيس لها، فهو لم يقم بجديد مؤثر يمكن الإشارة اليه كتطور نوعي في العمل، لا في الضفة ولا قطاع غزة، ولكن في توقيت الحملة الإسرائيلية الواسعة، والممنهجة ضده، بطريقة تثير كل أبواب الريبة أن الأمر ليس مرتبطا بحدث ما، بل بعملية تتجاوز كثيرا المعلن من الحملة “العامة” في الإعلام العبري.
السؤال الذي يجب أن يكون نقاشا، ليس ان تغتال دولة الكيان هذا أو ذاك، فتلك سمة من سماتها كدولة جريمة حرب، وتقوم به يوميا ضد الفلسطيني، خاصة في الضفة والقدس، ولكن لماذا تختار قيادة التحالف الفاشي راهنا، العاروري هدفا مباشرا لحملتها الترويجية..؟!
بالتأكيد، كل عملية اغتيال حساسة جدا، ولشخصية مركزية من قبل دولة الجريمة والإرهاب، تكون ضمن “حسابات خاصة”، بعضها أمني وكثيرها سياسي، خاصة وهي تعلم يقينا أن “الاغتيال” بذاته ليس حلا لمشكلتها الأمنية مع شعب يقاوم بدون ألقاب، فغالبية الشهداء والجرحى والأسرى خارج المنظومة الفصائلية الحزبية، وكل ما أقدمت على اغتيالهم من قادة لم تصب الفلسطيني في مقتل، سوى الخالد ياسر عرفات، الذي كان الاغتيال بداية مسار كسر ظهر المشروع الوطني بانقسامية ذاهبة لبعد انفصالي خاص.
لذا، الحديث عن اغتيال العاروري، خاصة وأنه الأقل شبهة في الحفاظ على استمرار “المشروع الانقسامي التهويدي”، يأتي في سياق حساب سياسي لمرحلة سياسية تتجاوز حماس، لتدخل في ترتيبات مرحلة فلسطينية لما يعرف إعلاميا بـ “مرحلة ما بعد محمود عباس”، في ظل ضعف المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وانقسام شطري بقايا الوطن، والتي يفترض انها “الجدار الواقي” لحماية الشرعية الوطنية.
وجاء رد فعل البعض الحزبوي على الحملة الخاصة حول العاروري، صبيانيا بالمعنى المباشر، خاصة بالحديث عن انها لن تكسر مسيرة “المقاومة”، ولن تنال من عزيمة الشعب، ولغة انشائية ليست جديدة ابدا، وكأنها لغة تشجيع على الاغتيال وليس تصديا له، متجاهلة بشكل مريب جوهر البعد السياسي لمآل جريمة الحرب “المعلقة”، لفتح باب ترتيبات خاصة في الضفة الغربية، بما يخدم جوهر مشروعها القادم في “التقاسم الوظيفي” مع أطراف تستكمل جوهر العملية الانقسامية، بـ “ثوب مقاوم” على الطريقة الغزية راهنا.
مواجهة “ترتيبات الاغتيال” ليس عبر بيانات مضحكة وساذجة، بل الذهاب مباشرة لإبطال مفعول بعده السياسي، والبحث عن سبل كسر المشروع الانقسامي الذي زرعته دولة الاحتلال، جرثومة سرطانية بأسماء مستعارة في جسد المشروع الوطني الفلسطيني، والسعي لمحاصرة أدواته في الضفة والقدس، ليكون الفعل وليس رد الفعل هو الرد المباشر، وتلك تتطلب انطلاقة جريئة، من حركة فتح قبل بعض حماس، الذي لم يذهب ليكون شريكا في المشروع المنتظر.
هل نشهد “حركية فلسطينية نوعية” لحصار “مؤامرة الاغتيال” قبل حدوثها، وإبطال مفعولها فيما لو تمكنت منها…تلك هي المسألة لا أكثر!
ملاحظة: كم كان محزنا وطنيا، ان تمر فرصة العيد دون أن يترك بصمة وحدوية واحدة…لا فعلا ولا اتصالا…يبدو أن “كراهية الآخر” باتت أكثر مما نراها!
تنويه خاص: رئيس دولة الكيان الاحتلالي لم يستخدم اللغة الإنشائية في وصف ما يدور من صراع بين مكونات الكيان..اختصرها بعبارة “الأزمة الأخطر” على وجودهم…باختصار كل الحروب والمعارك ما فعلت ما فعله “تحالف الفاشية المستحدث”..وما رميت إذ رميت!