كتب حسن عصفور/ بعد يوم وأكثر على صدور تقرير في صحيفة إسرائيلية نقلا عن مسؤول فلسطيني تتحدث عن خطة للحل التدريجي للسلطة الوطنية الفلسطينية، خرجت تصريحات تنفي مثل هذه الخطة، وذهبت ‘تصريحات النفي’ لاعتبار ذلك حربا نفسية تقوم بها إسرائيل ضد الموقف الفلسطيني، ورغم الاعتراف بأن الطغمة الفاشية الحاكمة في تل أبيب، وقبلها كل حكومات دولة الاحتلال لا تتوقف عن حرب ضد السلطة وفلسطين، فإن الصدق أيضا مراجعة سلسلة التصريحات الفلسطينية في الآونة الأخيرة وكيف أنها تفتح الباب واسعا لنشر مثل التصريحات الإحباطية بل وتعمل على تغليفها بغلاف متشدد، ليس آخرها بأن السلطة الوطنية القائمة ليست سلطة فعلية بل هي سلطة وهمية لا تملك مقدارا لتسيير شيء جدي..
تصريحات كهذه هي التي تشكل خطرا على السلطة ذاتها، وتشيع حالة من الاستخفاف بها، بل وتعزز موقف الوضع القائم في قطاع غزة سياسيا بقيادة حركة حماس، ولذا لا بد قبل الهروب نحو الاختباء خلف حرب إسرائيل النفسية، أن يتم دراسة ‘الخطاب’ السياسي اليومي الفلسطيني وخاصة تلك التصريحات التي تطلق دون تفكير عميق بما يمكن أن تتركه من آثار ضارة، بغض النظر عن نوايا مطلقيها، فالحرب السياسية مع المحتل لا تحتاج لنوايا حسنة بل لأفعال حسنة يمكنها أن تنقل الإرباك إلى داخل مجتمعه وليس العكس.. لذا فالتصدي للحرب النفسية الإسرائيلية لن يكون ببيانات اتهامية فحسب، بل لوضع حد لحالة الفوضى الكلامية – السياسية السائدة اليوم كما الأمس في السلطة الوطنية وقياداتها، وتحديدا في الضفة الغربية، فهي المصدر الأساسي المغذي لحرب إسرائيل النفسية..
ولا يقتصر الإرباك السياسي على التصريحات المتسرعة والمرتجلة فحسب، بل ما يصاحبها أيضا بين حين وآخر للحديث عن البحث في ‘خيارات’ فلسطينية دون تحديد واضح ما الذي يمكن تحديده أصلا، والمشكلة أن الحديث عن الخيارات الأخيرة ينطلق من ‘ساحة الإحباط’ الذي أصاب القيادة الفلسطينية في ضوء الحرب الأمريكية العلنية على خيار الذهاب إلى الأمم المتحدة، ما أوصلها للإعلان بأن المطلوب بحث مصير السلطة وإلى أين الذهاب لاحقا، كلام يشير إلى حالة الدخول في مرحلة ضبابية، رغم أن الوجه الآخر يشير إلى تعزيز القدرة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، بل إن الأجهزة الأمنية تستورد مواد ومعدات وأسلحة لمواجهة المظاهرات بعشرات ملايين الدولارات رغم الأزمة المالية التي يشكو منها الجميع، ما يطرح سؤالا أوليا عن أي مصير يمكن الحديث عنه، وأي الخيارات التي يمكن بحثها..
المسألة لا تحتاج إلى حل سحري لتبدأ مرحلة مواجهة الإحباط أو البحث في المصير المنتظر، لو أن المسألة جادة كما يتم تصديرها إعلاميا، ونقطة الاختبار تكمن في الانتهاء من إزالة عقبة تشكيل حكومة المصالحة الوطنية، وهذا أقل تكلفة من أي أثمان أخرى، فما الذي يضير أن يتم تشكيل حكومة تنفيذية بلا أمن ولا سياسية راهنا، أي عقدة تكمن في اختيار اسم لتنفيذ ما يتفق عليه، وليس مطلوبا قائدا سياسيا لقيادتها، موظف كبير بدرجة رئيس وزراء تنفيذي لا أكثر ولا أقل، فيما يتم تشكيل اللجان السياسية والأمنية بعد هذه الخطوة، للبحث في ‘الخيارات’ التي جعلوا منها ‘طلسما ولغزا’، الخيارات لن تكون إلا بالتحديد النهائي لسباق التعطيل المتبادل بين طرفي الأزمة لتنفيذ اتفاق المصالحة، ولقاء الرئيس عباس والسيد خالد مشعل فرصة شبه أخيرة لوضع ذلك موضع التنفيذ، خاصة أن الرئيس عباس أعلن أنه سيبحث ومشعل ما هو أكثر من المصالحة، المستقبل الفلسطيني، لكن بوابة كل ما هو مستقبلي لن يكون له قيمة بحثية دون البدء بالتنفيذ لاتفاق المصالحة، والبداية من تقديم فتح مرشح جديد لرئاسة الحكومة التنفيذية للسلطة ”الوهمية” وفقا لوصف أحد قيادات فتح لها..
لا نحتاج لدوامة جديدة من البحث عن ‘خيارات’، فالمسألة واضحة جدا، لو كان الكلام جادا وحقيقيا لبحث المصير.. من المصالحة إلى المواجهة الشعبية تكون الخيارات.. لكن الجدية والصدق تسبق كل ذلك، إن كان هناك حرص حقيقي على ‘المصير الوطني’..
ملاحظة: أحسنت حركة ‘الجهاد الإسلامي’ صنعا بالرد المحسوب على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وتحسن الفصائل أكثر لو أدركت متى تهدأ أيضا..
تنويه خاص: من سيحاسب مرتكبي جرائم الحرب ضد أنصار المعدوم معمر القذافي.. الجرائم باتت معلومة للمحكمة الجنائية ومفتشها أوكامبو.. هل ستصدر مذكرات ملاحقة لهم .. أم مذكرات تقدير ومباركة مؤقتا..
تاريخ : 30/10/2011م