كتب حسن عصفور/ قبل عدة سنوات، وبالتحديد في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أطلقت دوائر التأثير في واشنطن تعبير “الشرق الأوسط الجديد”، وعملت دوائر الحكم وأجهزة الولايات المتحدة بكل ما تمتلك قوة وتأثيرا ليصبح “واقعا” عاموده الفقري جماعة الإخوان ومتفرعاتهم المختلفة.
ونجحوا بإحداث حركة ارباك شاملة في المنطقة العربية غير الخليجية، دفعت المنطقة ثمنها سياسة ومالا وتخريبا ودمارا، الى أن تم اغلاق غير نهائي بعد لتلك الصفحة السوداء بعودة سوريا الى مكانها الطبيعي في الجامعة العربية مايو 2023.
في الفترة الأخيرة، وبعد تثبيت التطورات في المشهد العام رفضا للمؤامرة الإسلاموية، واندحارها الى غير رجعة، بدأت ملامح تكوين سياسي نحو “شرق أوسط جديد” حقا، متعاكس موضوعيا مع المشروع الأمريكي العام، بل ومتصادم في بعض مظاهره، انطلاقة بدأتها مصر في ثورة 30 يونيو 2013، بالإطاحة الكلية بـ “خيار الحكم الأمريكي” وأداته التنفيذية الجماعة الإخوانية، وحصار المؤامرة على سوريا، قادت الى وضع قواعد عمل تؤسس لمرحلة جديدة.
وجاء التغيير السياسي في العربية السعودية واستلام محمد بن سلمان دفة القيادة العملية، والانفتاح الجذري حول تطورات داخلية (اجتماعية – اقتصادية) وكسر ظهر حركة التخلف التي سادت، ووضع قواعد لعلاقات سياسية دولية تستند الى مبدأ “المصالح المتبادلة”، بديلا عن “التبعية السائدة، بالتوازي مع دور إماراتي كسر جدار التوتر مع إيران مبكرا، وانفتاح سريع مع سوريا، كمؤشر على ما يجب أن يكون.
المشهد الإقليمي العام، ربما الأول منذ بداية القرن الماضي، وتحرر البلدان العربية من المستعمر التقليدي، تبزر حركة لا تكون متسقة بمجراها العام مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، بل بدأت تفترق في محاور أساسية عنها، وخاصة في العلاقات الدولية، التي تتشكل وفق “قطبية جديدة” مع بروز مميز للصين وروسيا، وخلق أسس علاقات مع إيران، بعدما أدركت انها لا تستطيع البقاء في علاقات إشكالية مع جيرانها العرب.
جوهر التطورات الإقليمية المتحركة تمثل خطرا جوهريا على إسرائيل ومشروعها الخاص، وتحديدا مع تقييد التوتر الأبرز في المنطقة، بين دول خليجية وإيران، بما سيترك أثره على مجمل المشهد الإقليمي، والذهاب لعلاقات غير صراعية، كانت نافذة تحاول حكومات تل أبيب المتلاحقة استغلالها لترسيخ وجودها وتأثيرها في منطقة الخليج، رغم أنها نجحت نسبيا عبر اتفاقات التطبيع، لكن اتفاق بكين وما تلاه لاحقا، أربك كثيرا مخططها الخاص.
سرعة التغييرات التي تحدث في المنطقة والخليج، والتي لا تتوافق مع جوهر السياسية الاستعمارية الأمريكية والمصالح الإسرائيلية، لا يمكن الاعتقاد بأن كلاهما سيقبل التعامل معها باعتبارها “حق سيادي” للدول المعنية، بل يرونها تهديدا استراتيجيا وتاريخيا على المصالح الكبرى، ومؤشر على بداية تغييرات جوهرية تنال من أساس قواعد العمل التي سادت.
التغييرات الجوهرية التي تتشكل نحو “شرق أوسط جديد” غير أمريكي الولاء، سيقابل باستراتيجية معاكسة، للعمل بكل الوسائل الممكنة عل كسر تلك الانطلاقة، ومنع وصولها الى نهايتها السياسية التي تؤدي موضوعيا الى تعزيز “القطبية الجديدة”، وفي حال انتصارها سيبدأ نهاية لعصر أمريكي طال زمنه.
ولذا، من بين أكثر الخيارات الممكنة لمواجهة تلك التطورات السريعة، وجرأة الصدام الصريح مع المصالح الأمريكية وخاصة الاقتصادية – الأمنية، الذهاب لشن حرب إقليمية طرفها المركزي إسرائيل، يكون عنوانها إيران ومشروعها النووي ودورها الأمني في المنطقة، مع ذرائع أخرى تكون غطاء تبريريا لتلك الحرب الموسعة.
موضوعيا، كل عناصر الحرب العدوانية الإقليمية جاهزة، تنتظر وضع اللمسات النهائية مع الولايات المتحدة، فبدونها وموافقتها ومشاركتها لا يمكن لإسرائيل القيام بحرب شاملة، وستكتفي بـ “ضربات مكانية محددة”، لكنها لن تصل الى التأثير الكبير على المشهد السياسي المتحرك.
الحرب الإقليمية عنوانها إيران، وهدفها الحقيقي المسار العربي الخليجي، وتحديدا الانطلاقة السعودية السائرة بقوة وسرعة وثبات، اعتقادا أن نتائج الحرب المبكرة، وقبل هزيمة محور الغرب وأمريكا في أوكرانيا، التي وصلت الى حد الانهاك، وبدأت دول غربية البحث عن مؤتمر سلام خاص، بمشاركة الصين والسعودية، ستخلق وقائع جديدة تعرقل قاطرة التغيير السياسي الجديد.
في إسرائيل، بدأ النقاش علانية والاستعداد واضحا، والنقاش الأمني مع أمريكا عبر عدة قنوات، وفد وزاري “أمني” في واشنطن، وزير الجيش الإسرائيلي غالانت يلتقي بقائد المنطقة المركزية الأمريكية قبل لقاء وزير الدفاع اوستن.
وبعد تقرير الطاقة النووية الدولية، والحديث عن تجاوز إيران النسبة المسموح بها لتخصيب اليورانيوم بـ “23” مرة، على طريق صناعة “القنبلة النووية” وتسارع برنامجها النووي، سيكون قوة دفع نحو الذهاب لـ “حرب إقليمية” ضدها، مع حسابات مختلفة لمفهوم “الربح والخسارة” التقليدية، كونها تتعلق بمصير مشروع كامل.
إسرائيل تعتقد أن الحرب الإقليمية هي الخيار الأول، ” باعتباره “خيارة الضرورة التاريخية”، لإرباك المشهد الإقليمي، لذا بدأت حركة مناورات عسكرية هي الأولى منذ حرب 1973، تنتظر لحظة الاتفاق الكامل مع أمريكا، من أجل التنفيذ.
وتمهيدا، ربما تقدم إسرائيل “إغراءات سياسية” لأطراف عربية لما بعد الحرب، وخاصة ملف القضية الفلسطينية والدور الإقليمي العام.
هل بالإمكان عرقلة “خيارة الضرورة الإسرائيلية”، بالتأكيد، لو تحركت دول عربية وكذا إيران وتركيا، بوضع رؤية سياسية شاملة للمرحلة القادمة، بالتعاون مع الصين وروسيا، ومعها تصور لحل القضية المركزية فلسطين…مشروع تكاملي وليس جزئي لهذا الطرف أو ذاك.
دون “بديل رادع” وحقيقي سيبقى خيار الحرب الإقليمية هو الأول لإسرائيل لكسر المتحرك نحو “شرق أوسط جديد” بملامح غير أمريكية.
ملاحظة: تصريحات وزير القضاء في حكومة “تحالف نتنياهو الفاشي” حول أن اليهود يهربون من المدن المشتركة عندما يأت عربي ليسن فيها…عنصرية كاملة الأركان..لا تراها أمريكا ولا أوروبا…ولن تراها ما دامت ضامنة انه الغضب الفلسطيني لن يكون!
تنويه خاص: محاول حركة حماس وحكومتها في “النتوء الانفصالي” تشويه قيمة زيارة د.اشتية الى الشقيقة مصر تكشف أن “الفار لعب بعبها”..ويا فيران زيدي زيدي!