بقلم: حسن عصفور
الأزمة التي تعيشها إسرائيل حول \”فساد\” رئيس الوزراء اولمرت، وانعكاسها العام على التحالف الحاكم، هي المسألة الأبرز في الأحداث السياسية ليس لأنها تتعرض لرئيس وزراء ما زال في الحكم يتم التحقيق معه كأي مواطن متهم بتلقي الرشاوى وتبييض الأموال، وهو ما لسنا معتادين عليه في بلادنا العربية، ليعود المتهم من التحقيق ويواصل مهامه السياسية وكأن لا شيء على الإطلاق يهددها.
طبعا المتابع لتلك الأزمة يلاحظ ان اولمرت يتصرف وكأنه في وضع لا يمسه شيء على الإطلاق، بل فتح مجموعة ملفات ذات بعد استراتيجي مرة واحدة يتفاوض حولها، كل بأسلوب وشكل وهدف يختلف عن الآخر، بل ويتصرف به من موقع صاحب الكلمة الأعلى ويحاول ان يحقق من المكاسب التي تمنحه قدرا مميزا في التاريخ السياسي الإسرائيلي، رغم فضائحه الشخصية التي قد تنهي مستقبله ليس في رئاسة الوزراء فحسب بل وفي حزب كاديما أيضا.
ولكن ما هي الدوافع التي تقف خلف مجمل الملفات التي فتحها اولمرت وهو يعيش لحظة سياسية حرجة جدا، ويتعرض لضغط كبير من داخل حزبه وتحالفه الحكومي من اجل انهاء رئاسته الوزارية والحزبية.
لا شك ان الكثير يعتقد ان سلوك اولمرت في فتح الملفات تلك ليس سوى مناورة سياسية لكسب الوقت وتحسين صورته، أو محاولة للضغط على خصومه السياسيين وإظهار نفسه كقائد مميز وصلب وقادر على مواجهة أصعب وأحرج الظروف، رغم ان الرأي العام الداخلي يرى غير ذلك ويطالبه بالاستقالة فورا.
ان لجوء يهود اولمرت إلى تلك السبيل لا يمكن اعتباره مناورة و\”مضيعة\” وقت كما يعتقد البعض، خاصة إذا ما ذهبنا إلى ما هو ابعد من تبسيط المسائل وفق مفاهيم تريح الفرد ولكنها لا تقدم موقفا.
نعم، الأزمة في داخل إسرائيل مركبة ومعقدة وما يجري داخل التحالف الحاكم وحزب كاديما قضايا مهمة، وربما تذهب بإسرائيل إلى الانتخابات مبكرا وهي المسألة التي باتت اقرب ما يكون حتى لو تمكن \”كاديما\” من تغيير اولمرت، فانه تغيير آني وصولا إلى الانتخابات في ظروف أفضل.
لو ذهبنا إلى المسار السوري ــ الإسرائيلي لوجدنا ان الأمور بكل جوانبها ستشكل خدمة سياسية إستراتيجية لإسرائيل، إذا ما أدت عملية التفاوض للوصول إلى حل سياسي متوافق بين الدولتين ويرسم أبعادا إستراتيجية جديدة يراها الكثير من قادة ونخب إسرائيل الحدث الأبرز الذي سيعطي لإسرائيل مميزات إستراتيجية في المنطقة، وبالتالي فان اولمرت وبعيدا عن أزمته، سيواصل المضي في انجاز هذه \”الصفقة التاريخية\” التي لن تشكل اي تنازل جدي من إسرائيل سوى \”التنازلات اللفظية\” المعتادة، في حين سيكون نتيجته ربحا لا حدود له لاسرائيل.
هذا المسار واستمراره والوصول به إلى نهاية مثمرة، يتفق عليه التحالف الحاكم سواء بأولمرت أو من دونه وتقف المؤسسة الامنية بكاملها خلف هذا الخيار السياسي، ما يؤكد ان لاسرائيل مصلحة إستراتيجية به، ولذا فان التحالف الحاكم يرى في هذا خيارا سيلعب دورا مهما وقد يكون مؤثرا جدا في العملية الانتخابية القادمة، فنجاح المسار السوري سيشكل مكسبا مهما لحزبي العمل وكاديما ضد الليكود وتحالفه، ما يفرض بالضرورة توفير الظروف التي تساهم في انجاز \”الصفقة السورية\” خاصة وان الطرفين موضوعيا، توصلا إلى تحديد \”اتفاقية إطار\” حول القضايا الجوهرية التي تمس الانسحاب، القضايا الأمنية، التطبيع وقضية المياه وفقا لمصادر الطرفين، لذلك \”أزمة اولمرت\” سيكون لها تأثير ايجابي لتسريع التفاوض وانجاز الصفقة في هذا المسار.
في المقابل، فان المسائل تأخذ منحنى معاكسا تماما على المسار الفلسطيني، حيث اولمرت \”والحلف الحاكم يشعر بأن التقدم في التفاوض مع الطرف الفلسطيني سيكون إضعافا لمكانته داخل الرأي العام، خاصة مع تناول قضايا القدس واللاجئين، ما سيفرض عليه الاختباء بعيدا عن إحراز تقدم جاد لانجاز الصفقة مع الفلسطيني، بل ان سلوكه العام السياسي والميداني يشهد تصعيدا واضحا، وتحديدا النشاط الاستيطاني في القدس وعسكريا وامنيا داخل الضفة وحول القطاع، وهو ما يفسر أيضا الإبطاء بل والتراجع عن إتمام صفقة حماس، للتهدئة الجزئية مترافقا مع حملة سياسية ــ إعلامية لتوجيه ضربة عسكرية ضد القطاع وحماس، في حين يقدم \”لحزب الله\” هدايا خاصة في لحظة حرجة للحزب بعد أزمة بيروت العسكرية.
سلوك إسرائيلي تساهلي ــ مندفع نحو انجاز مع سورية وحزب الله، وتشدد وتصعيد عدواني في المسار التفاوضي والتهدئة، ومن هنا علينا قراءة \”أزمة اولمرت\” واستخدامها السياسي، وما هي حسابات \”الخدمة\” الإستراتيجية المنتظرة لإسرائيل ثمنا لما تسير به تفاوضيا وسلوكيا ومن هو صاحبها وعليه دفع الثمن!.
3 حزيران 2008