كتب حسن عصفور/ تنشغل الساحة اللبنانية بمشهدين سيطرا على مجمل الأحداث، أولهما من يكون رئيس لبنان المقبل، والخوف من حالة \”شغور المنصب\”، إن لم تحدث \”معجزة سياسية\” يخترعها الثنائي الأدهى بري – جنبلاط في الساعات الأخيرة، وحتما لن يكون سمير جعجع حاضرا في تلك المعجزة، مهما حاول تحالف الحريري تبيض صفحته الاجرامية، خاصة وأن اسمه ارتبط بشكل مباشر وعضوي بمجزرة صبرا وشاتيلا، تلك المجزرة التي لن يذهب دماء من سقط بها هدرا، مهما تقاعست القيادة الفلسطينية الرسمية في متابعة ملف \”جرائم الحرب\” التي قامت بها دولة الكيان العنصري من خلال الانضمام لمعاهدة روما، كي يصبح حقا لفلسطين الدولة ملاحقة دولة الجريمة المنظمة اسرائيل..
فيما القضية الأخرى، والتي تحتل مساحة واسعة جدا من الجدل السياسي – الاعلامي، هي الزيارة المقررة للبطريرك الماروني بشارة الراعي الى فلسطين، مرافقا لبابا الفاتيكان فرنسيس، زيارة تنتظرها \”فلسطين التاريخية\” لتعيد الاعتبار للمكانة التي يجب ان تكون للبلاد المقدسة، خاصة مدن الناصرة والقدس المحتلة وبيت لحم الحزينة بحصار احتلالي حقود، وزيارة الراعي أخذت مسلكا في النقاش اعاد ملف طبيعة الزيارات الى فلسطين، وصلتها بـ\”التطبيع\”، ويبدو أن غالبية القوى في لبنان غير مرحبة بتلك الزيارة، بل أن قيادات مارونية اعلنت ايضا رفضا لها..
طبعا يتضح ان القيادة الفلسطينية، منشغلة تماما عن تناول تلك الزيارة، ولم نسمع موقفا مساندا أو راغبا بتلك الزيارة، خلافا لما كان عليه الحال عند تناول زيارة القدس من قبل رجال دين مسلمين، وتصدر الرئيس عباس ووزير أوقافه الهباش المشهد للدفاع عن زيارة القدس، ضد فتوى القرضاوي التي \”حرمت الزيارة\”، وكأن الموقف الرسمي الفلسطيني يقتصر على جانب دون آخر، رغم انه لا يمكن بالقطع وصف الموقف الرسمي ببعد طائفي، فهو والحق يقال بعيد عن تلك النظرة، بل أن الرئيس عباس يعلن \”علمانيته\” في العلاقة بين الدولة والدين، لكن غياب الحضور الرسمي الفلسطيني عن نقاش تلك المسألة غير مبرر، فكان يجب الحديث بوضوح كي لا يزداد المشهد ارتباكا والاعن موقف يمنح الراعي اللبناني ما يعزز موقفه القادم لفلسطين بعيدا عن تلك \”الأحجية التطبيعية\”..
كان بالامكان اعادة التأكيد على الموقف المعلن من زيارة القدس، بان زيارة البطريرك الراعي الى فلسطين، ضمن وفد بابا الفاتيكان، تشكل سندا لتعزيز الترابط الانساني والديني بين فلسطين التاريخية، بمكانتها المقدسة، والعالم، وربما يستفاد من تلك الزيارة لتقزيم فكرة الصهيونية عن \”يهودية اسرائيل\”، خاصة وأن حضور رأس الكنيسة الكاثوليكية العالمية الى فلسطين يمنحها ضوءا اعلاميا خاصا، يستوجب تحضيرا مميزا يعطي لفلسطين مكانتها التي تستحق كدولة وشعب يعتز بما له من مقدسات..
زيارة البابا ومعه وفد يضم العربي اللبناني بشارة الراعي، يجب أن يصبح سلاحا بيد القيادة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والحصار، وبامكانها أن تجعل من تلك الزيارة أفضل ترويج عملي لكشف حقيقة وواقع المشروع الاحتلالي الاستيطاني وجدار الفصل العنصري الذي يحيط بالقدس وبيت لحم، ضرورة الاستفادة القصوى من الحشد الاعلامي لزيارة تاريخية روحية لفلسطين، بعيدا عن روح المظاهر الاحتفالية فحسب، والاكتفاء بالجانب البروتوكولي والتصوير المشترك، فتلك مسائل لا تقدم للقضية الوطنية مزيدا من الحضور..
غياب المساهمة السياسية في نقاش زيارة الراعي لفلسطين، وبالتالي عدم التحضير السياسي الضروري والمختلف عن اي زيارة اخرى، يكشف أن العشوائية تجد مكانها أقوى بكثير مما يجب أن يكون..زيارة البابا ومعه الراعي اللبناني سلاح يستحق أن تبذل القيادة الفلسطينية كل جهد ممكن من أجله، وأن يمنحه الرئيس محمود عباس الوقت الضروري لأن تصبح الزيارة مناسبة لفضح المحتل مشروعا وأدوات، وأن لا تنحصر على حدود خاصة في سياق بيت لحم ومدخل كنيسة المهد..
ليته يسارع بتشكيل \”لجنة سياسية\” لاختطاف كل ما يجب اختطافه لخدمة فلسطين الدولة والشعب والقضية من خلال زيارة تاريخية لرأس الكنيسة الكاثوليكية لفلسطين، ولا نريد تعكير مزاج أحد باعادة التذكير بما كان خلال زيارة البابا لفلسطين عام 2000 في \”زمن ياسر عرفات\”، وكيف تحولت فلسطين قبلة سياسية – اعلامية للعالم اجمع..
الزيارة \”فرصة سياسية\” هامة جدا، وقد تكون تاريخية ببعد توقيتها لأن تعيد القيادة الفلسطينية للعالم تقديم فلسطين القضية تقديما سياسيا بلمسة روحية، فهل يكون للفرصة مكانا أم أن تترك المسألة وفقا لمقولة \”سيري فعين الله ترعاك\”!
ملاحظة: \”اسرار\” شمعون بيريز بتوصله لاتفاق مع الرئيس عباس في مفاوضات سرية يستحق أن يكشف الرئيس عباس ايضا ذلك الاتفاق، خاصة بعد ان افشله نتنياهو..
تنويه خاص: وجود نائب وزير خارجية روسيا في الدوحة خلال زيارة الرئيس عباس لها، هل جاء مصادفة أم انه دور روسي قادم في ملف فلسطين، خاصة وانه التقى مشعل ايضا!