بقلم: حسن عصفور
منذ فترة، وإسرائيل تتحرك باتجاه إيجاد طريقة ما، لبحث العملية السياسية مع سورية، مع كل التصريحات العنترية من رئيس الوزراء أولمرت. ولكن المتابعة السياسية في هذه المسألة، كانت تشير الى أن غالبية مكونات النظام في إسرائيل، تبحث عن شكل ما لإعادة الحركة للمسار الذي توقف، بفعل فاعل، وهو الولايات المتحدة الأميركية، التي وضعت عددا من الأطواق على أرجل وأيادي حكام إسرائيل، إلى أن قررت أخيرا الإدارة الأميركية، أن تعطي الضوء الأخضر لحكومة إسرائيل، بإجراء الاتصال مع سورية بشأن قضية الجولان وبالتالي التسوية السياسية وما لاحقها من \”سلام شامل وانسحاب أقرب للشامل\” من الجولان…
وقد يبدو أن ذلك مفارقة سياسية، في الوقت الراهن، خاصة بعض السياسيين الذين يتصرفون، وفقا لما يريدون هم، وليس انطلاقا من الوقائع ثم الحقائق السياسية… إذ أن المؤشرات الخارجية، تشير الى أن اصطدام النظام السوري مع الولايات المتحدة، في أكثر من بؤرة، قضية علنية، وخاصة في لبنان ومسألة \”المحكمة الدولية\” وما يتبعها.. إلى جانب الوضع في العراق وفلسطين وتحالفات دمشق بينهما، مع علاقة خاصة بإيران، التي تقوم أميركا بالتحضير العلني، لتوجيه ضربة قد تكون مؤلمة لها، وإذا حدثت، ستكون لها آثار استراتيجية على الوضع الإقليمي بكل مركباته السياسية..
ولكن المسألة هنا، لا يجب النظر إليها من زاوية خاصة محدودة، بل يجب مراقبتها في إطار مجموعة من الوقائع السياسية المتحركة، والتي جميعها بالمناسبة، كانت \”مساراً ثنائياً\” بين سورية وإسرائيل، بمشاركة أو بموافقة أميركية… فمنذ الإعلان عن \”وديعة رابين\” الشهيرة، التي تحدثت عن \”سلام شامل مقابل انسحاب شامل\” مع بعض الترتيبات الأمنية الخاصة، والحل في الجولان منجز بنسبة كبيرة جدا، لا يحتاج إلى بذل جهد تفاوضي كبير، بل ربما يكون أقرب كثيرا من حل أي قضية خلافية بين دولتين عربيتين أو طرفين فلسطينيين، إذا ما قررت سورية وإسرائيل بموافقة أميركية ذلك…
ولأن \”اغتيال\” رابين غير الخريطة التفاوضية بالكامل، فتعطلت المسيرة في الجولان.. وكذلك في فلسطين، رغم محاولات نتنياهو الكاذبة في كلا الاتجاهين…
وعند فوز إيهود براك برئاسة الحكومة الإسرائيلية منتصف العام 1999، كانت رؤيته الذهاب إلى المسار السوري، مع تجميد المسار الفلسطيني أو تعطيله، انطلاقا من أن \”الخلاف\” في مسألة الجولان، بات محدودا جدا، وبالتالي يمكن أن يكون الحل مع سورية، أكثر سهولة وبالتالي، تحقيق نجاح داخلي كبير، وانجاز \”اختراق\” في الجسد العربي، يمكن استخدامه في المسألة اللبنانية، واستكمال \”العملية التفاوضية\” مع الجانب الفلسطيني.. ولأن الولايات المتحدة، لم تكن في حينه، راغبة في تحقيق ذلك، فإنها استخدمت \”التشدد السوري\” للضغط على باراك بعدم استكمال المفاوضات، بل دفعته بالقوة، إلى العودة للمسار الفلسطيني.
وقد كشف بعض المفاوضين الإسرائيليين مع الطرف الفلسطيني في مفاوضات الحل النهائي، إلى هذه القضية، بل أن ذلك يفسر سلوك باراك العدائي، في التفاوض مع الزعيم الخالد ياسر عرفات في مفاوضات \”كامب ديفيد\”، في تموز العام 2000… وذهبت المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية في مهب الريح، وفي خضم المواجهة المسلحة التي اندلعت في أيلول من ذات العام… وقبل أشهر وتحديدا قبل حرب إسرائيل على لبنان في تموز 2006 والتي جاءت بلا سبب حقيقي، بل بناء على طلب أميركي لحسابات إقليمية لم تتضح معالمها بعد… قبلها كانت سورية وإسرائيل تتفاوضان على إنجاز \”الطبعة الأخيرة\” من \”وديعة رابين\” مع بعض التعديلات الأمنية لصالح إسرائيل… وكلنا يذكر في تلك الآونة، التصريح الشهير للسيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري، بأن سورية على استعداد للتفاوض مع \”إسرائيل دون شروط مسبقة\” وشكل هذا التصريح تغيرا جوهريا في الموقف السوري تجاه \”وديعة رابين\” ومقدمة للتغيير اللاحق، الذي حدث.
وقد نشرت الصحافة الإسرائيلية، قبل أشهر وجيزة مشروع \”الاتفاق المنجز\” بين الطرفين، برعاية سويسرية، والغريب أن من كشف تلك \”الوثيقة\” هم إعلاميو أميركا في الصحافة الإسرائيلية، ولأن أميركا لم تكن جاهزة بعد للموافقة… ولكن الموافقة جاءت الأسبوع الماضي، مما يتيح لإسرائيل استخدام المسار السوري مجددا، للظهور بأنها تريد السلام عندما يتوفر الشريك، وهذه هي اللعبة الراهنة، التي ستقوم بها الحكومة المأزومة بكل مناحي الأزمة… وسيقع \”البعض\” العربي في هذه المصيدة، خاصة بعد إقرار آلية مبادرة السلام العربية… والأدهى بعد كارثة \”التقاتل\” الفلسطيني… اللعبة الإسرائيلية القادمة واضحة… السيرك فوق الجولان… ولا عزاء للقضية الفلسطينية..
29 أيار 2007