بقلم : حسن عصفور
بعد غيبة عن \”السوق السياسي\” الاسرائيلي في \”العمل في سوق المال\” عاد إيهود براك، مجدداً وتمكن من الفوز برئاسة حزب العمل على حساب عامي أيلون وعمير بيرتس، ونجح في اقتناص فرصة، كانت شبه ميتة، إلا أن ظروف \”حرب لبنان\” والتطورات السياسية في قطاع غزة، ساهمت في تقديم خدمات مجانية لايهود باراك، الذي عانى هزيمة انتخابية مذلة في منافسة \”الليكود\” الشاروني، في ذلك الوقت، وجاءت الهزيمة الانتخابية لحزب العمل، بعد أن حاول ايهود براك، التلاعب بالجميع داخل إسرائيل وخارجها … وقد رافقته صفات أطلقها مجموع الإعلام الإسرائيلي عليه، اعتقد الجميع أنه سيرحل إلى غير رجعة، من شدة الإهانة الموجهة ضد شخصية متغطرسة لا مثيل لها.
بعد ان اعتلى رئاسة حزب العمل في ظل أزمة قيادة، ذلك الحين، خاصة وأن بيبي نتنياهو تمكن من إحكام سيطرته على حكم إسرائيل، استغلها \”العسكري\” الذي لا يملك من الخبرة السياسية، ما يمكنه من قيادة حزب توصل لاتفاق تاريخي مع الخالد ياسر عرفات .. بل المأساة السياسية هو أن باراك، كان من بين صفوف المتطرفين الاسرائيليين الرافضين لاتفاق اوسلو، علما بأنه كان لا يزال في موقعه العسكري (كرئيس أركان للجيش الاسرائيلي) في سابقة تحدٍ من نوع فريد، خاصة ان ذلك التحدي كان ضد إسحاق رابين.
وقبل سبع سنوات تقريباً من الآن، انتهت مفاوضات \”قمة كامب ديفيد\” بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ( برعاية) أميركا وخرج السيد باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينه، مدعوماً من الإدارة الأميركية، ليعلن للعالم، انه تمكن من \”إسقاط\” القناع عن وجه ياسر عرفات، الرافض للسلام، وعليه فإسرائيل لم يعد لديها شريك سياسي .. واخذ يستعد لمرحلة جديدة ونصب \” شركه\” الخاص، عندما سمح لارئيل شارون بالذهاب إلى ساحة المسجد الأقصى ، في 28/9 (أيام وتحل ذكرى سبع سنوات بالتمام والكمال)، لتطلق بعدها موجة عدوانية إسرائيلية، لا مثيل لها ضد الشعب الفلسطيني وسلطته ورئيسه الخالد ياسر عرفات، واستخدمت إسرائيل في ذلك العدوان، كل أشكال السلاح المتاح ( عدا سلاحها النووي) ومن سلاح بري ومدرعات وطائرات الاباتشي إلى طائرات اف 16 وغيرها، وقامت بقصف الغالبية من منشآت ومواقع قوات الأمن الفلسطيني، بمختلف تشكيلاتها إلى جانب ارتكاب عمليات القتل والجريمة المنظمة ضد الشعب الفلسطيني، ما اجبر أهلنا على مواجهة ذلك العدوان الاسرائيلي المدعوم أميركياً، وفتح ايهود باراك، الطريق لإعادة احتلال الاراضي الفلسطينية في عملية عسكرية نادرة، قام بها ارئيل شارون، بعد سقوط باراك التاريخي في الانتخابات، رغم كل محاولات \”تحسين صورته الفاشلة والمغرورة عبر التطرف السياسي والعسكري ضد السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات .. فكان بذلك العدوان والتطرف يعيد الاعتبار لسياسة اليمين المتطرف … وذهب باراك مودعاً السياسة وإسرائيل .
وبلا مقدمات، عاد ثانياً وكما المرة السابقة، جاءت ظروف الارتباك العسكري الاسرائيلي، والأداء الهزيل لعمير بيرتس رئيس حزب العمل في حزبه وفي الحكومة، وعدم التوافق بين عمير بيرتس وعامي أيالون (الذي استوزره باراك أخيراً) سمح لباراك بالتسلل ثانية إلى رئاسة حزب العمل، للفوز ثانية، برئاسة وزراء إسرائيل في الانتخابات القادمة وأيضا في منافسة مع بيبي نتنياهو.
ومن اجل ذلك الهدف فان ايهود باراك ومن موقعه كوزير حرب لإسرائيل، يحاول ان يعيد الاعتبار للمفهوم العدواني الاسرائيلي، ولذا ومنذ استلامه مهامه في وزارة الحرب، فان لغة الوعيد والتهديد، تتواصل وبنسق متصاعد، ولم تعد مقترنة فقط بالمسألة الفلسطينية واللبنانية، بل اخذ في السير باتجاه تأزيم الوضع مع سورية وازداد التوتر، بحيث أخذت تسيطر أجواء الحرب بينهما، على أجواء آخرى تحدث عنها كلا الطرفين.
وبالتوافق مع التصعيد العسكري العدواني لسياسة ايهود باراك في وزارته، فإنه قد كشف القناع عن وجهه الحقيقي، الذي اخفاه كذباً في قمة كامب ديفيد عام 2000، وسقطت كل الادعاءات الفارغة، التي استخدمها ضد الرئيس عرفات ومعه الإدارة الأميركية، وبعيداً عن محاولات، \”الطرف الفلسطيني\” لإيضاح موقفه، فان الكثير تعاملوا مع \”الرواية الإسرائيلية\” و \”الأميركية\”، وكأن الطرف الفلسطيني أضاع فرصة، حتى ان فاروق الشرع نفسه أعلن في تصريح تلفزيوني، تصديقه لتلك الرواية .. ورغم أن \”حبل الكذب قصير\” كما يقول أهلنا \”فان تلك الكذبة، طالت ودفعنا كشعب وقضية ثمناً غالياً لها، ليس أقلها استشهاد رمز شعبنا الابدي ياسر عرفات.
فالسيد باراك شن في الآونة الاخيرة حملة سياسية علنية، ضد اي اتفاق مع الطرف الفلسطيني، وزاد هجومه عدوانية وتطرفاً عندما قام حاييم رامون بنشر رسالة، يتحدث فيها عن رؤيته للحل، والتي لا تستجيب لما هو جوهري عند الشعب الفلسطيني، إلا أن باراك اعتبرها تنازلاً تاريخياً يقدم للسلطة الفلسطينية، وقاد حملة داخل الحكومة بتحالف مع عنوان الارهاب الجديد وزير الحرب السابق شاؤول موفاز وآفي ديختر، لافشال أي امكانية لحل سياسي.
بالمناسبة مضمون رسالة رامون، اقل من حيث الجوهر من تفاهمات طابا 2001، التي تمت في عهد باراك نفسه، والتي على اساسها خاض حربه السياسية والعسكرية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته التاريخية.
جاء الوقت ليسقط القناع عن وجه باراك الحقيقي، وجه الكذب والخداع السياسي.
فهل يعيد \”البعض\” الاعتبار لموقف الزعيم الخالد ياسر عرفات وليدركوا أن باراك لن يكون شريكاً إلا تحت الضغط والضغط فقط !
25 أيلول 2007