كتب حسن عصفور/ منذ أن قام تلفزيون فلسطين الرسمي باذاعة “فيلم التوقيع” على الانضمام لمجموعة معاهدات واتفاقيات، أهمها اتفاقيات جنيف الأربع، كان الاعتقاد أن مرحلة جدية قد حلت على المشهد السياسي الفلسطيني، وأن “روحا كفاحية” ستحل محل تلك “الروح الباهتة – المعتمة” التي أدخلها الوفد الفتحاوي المفاوض، ولذا كان الترحاب عاليا بخطوة التوقيع، غفر البعض كثيرا من خطايا تأخير ذلك القرار، على قاعدة أن تأت متأخرا خير من أن لا تأت أبدا..
ولكن، ما حدث لم يكن له صلة بالمتوقع الكفاحي، وما أن ادت رسالة التوقيع “هدفها الاعلامي” حتى عادت “ريما لعادتها القديمة” وأحلت التفاوض الذي لم يعد بالامكان تبريره كما جرت العادة، واكتشف “اهل فلسطين التاريخية” أن المفاوضات بذاتها هدفا وضرورة لفريق مصاب بهلع داخلي كبير من “غضب الأسياد” – دستور يا سيادنا-، فرغم اهانة حكومة الكيان العنصري – الاحتلالي للوفد الفتحاوي وقيادته السياسية، برفض الافراج عن الدفعة الرابعة مدفوعة الثمن، بل والاعلان عن خطوات “عقابية” ضد السلطة، الا أن فريق العشق التفاوضي، عاد الى مساره ومسلكه المفضل باللقاء مع وفد نتنياهو وبرعاية “اليهودي – الصهيوني” مارتن أنديك، الذي سبق للخالد ابو عمار وصفه أنه احد رابيات واشنطن للتآمر على منظمة التحرير، ولأن الضلال بات جزءا من سلوك اولئك المفاوضين، فهم يتحدثون بأنه لا فائدة من استمرار التفاوض، لنجدهم في اليوم التالي يسلكون ذات الطريق الى حيث “اللقاء الموعود” ويخروجون ليكرروا ذات الكلام المخيب والمعيب..
يحاول البعض أن يجد “تبريرا” لتلك الحالة الغريبة من “الانكسار السياسي” أمام الرغبة الأميركية لمواصلة اهانة الشعب الفلسطيني عبر سلوك ضار ومخجل ولا فائدة منه أبدا، بل ولا أمل أيضا، اذا ما استخدمنا لغة المفاوضين ذاتهم، ولكن الحقيقة أن القيادة الرسمية التي تتحكم باسم الشرعية في المشهد الفلسطيني، تعمل جاهدة أن لا تصطدم بالموقف الأميركي، بذرائع يتم اختلاقها، في حين أنها تحاول السيطرة على “الغضب الشعبي – الرسمي” الفلسطيني بالحديث بين حين وآخر عن الاستعداد لبحث “البدائل والخطط” لانهاء تلك الرحلة التفاوضية، وبدأت تتحدث عن عقد مجلس مركزي فلسطيني لمواجهة التحديات المقبلة..
ولن نقف الآن أمام “الدوافع الحقيقية” لانعقاد المجلس المركزي وعلاقته بواقع “الشرعية المتآكلة” بكل اركانها الرئاسية والبرلمانية، وما يمكن أن يكون استخداما لغايات خاصة تفوق حقيقة الاستخدام الوطني العام، وتلك حكاية نتركها لقادم الأيام، لكن من يريد أن يستعد لمواجهة التحديات كان عليه أن يكون وفيا لقرار “القيادة الفلسطينية في اجتماعات مفتوحة”، وهو ما يعني استمرار جلسات العمل بلا انقطاع، حتى لو سافر الرئيس محمود عباس لخارج الوطن وقتيا، كان عليه تشكيل “خلية عمل مصغرة”، كما كان يفعل الخالد ياسر عرفات في ظل أي أزمة وطنية، تكون كخلية نحل لوضع كل الاحتمالات الممكنة، والرد اليومي على خطوات دولة الكيان باجراءات فاعلة، وليس بكلام مضر للأذن الشعبية الفلسطينية..
كان لتلك الخلية التي لم تحضر بعد، أن ترد على كل خطوة اسرائيلية بخطوات فلسطينية، وأن يشعر الانسان الفلسطيني، أن قيادته لن تسمح لدولة الكيان الاحتلالي باستمرارها في المساس بروحه الكفاحية وكرامته الوطنية، وبدلا من الاستجداء التفاوضي تكون الخطوات العملية المحددة، ولكن بدلا من الالتزام باللقاء المستمر للقيادة والاستعداد لاجتماع المجلس المركزي “التاريخي”، اختارت استمرار التفاوضلاارضاءا أمريكا على خيار ارضاء شعبها..حتى خطوتها بتشكيل “وفد خماسي” للذهاب الى قطاع غزة، لا زال تائها، وبدلا من الذهاب الفوري اختار طريق انتظار “تصريح الدخول الى قطاع غزة من قيادة حماس، وكأنه يريد توجيه رسالة للرئيس الأميركي أن ما يريده من تكريس فصل الضفة عن القطاع أصبح سياسية رسمية، أي جدية يمكن أن تكون والفلسطيني ينتظر اذنا للذهاب الى غزة..كان عليهم لو حقا أن الغاية بحثا عن مصلحة وطنية أن يذهبوا وفورا، ومن هناك يطلبون لقاءا مع قيادة حماس، وإن رفضت يعلنون ذلك، ويلتقون بكل مكونات قطاع غزة، بما فيها حركة الجهاد الاسلامي، ألا أن صاحب تشكيل الوفد لا يبحث فعلا سياسيا، بقدر ما يبحث عن “ذريعة لتحميل حماس مسؤولية التعطيل”، وكأنهم حقا جادون في انهاء المصالحة وازالة حواجز الانقسام، وهم حتى تاريخه لم يجرؤا على رفض تصريح الرئيس الأميركي بخصوص فصل الضفة عن القطاع..
الارتباك والتضليل هما المظهر السائد في السلوك السياسي للقيادة الفلسطينية الرسمية، لأنها لا تزال تراهن على أن واشنطن في نهاية الأمر ستحقق لها رغبتها في ابقاء الخيار التفاوضي حاضرا، بدلا من الخيار الصدامي، بما يجلبه من متاعب وصعوبات لم يستعدوا لها..
المدهش حقا أن هناك عشرات من الخيارات التي بين يدي القيادة التي تتطابق والرغبة الشعبية الفلسطينية، وقد لا تحتاج لأي جديد يمكنه أن يضاف، فقط عليها أن تقرر اي مسار تريد، الـ “حلال سياسي” المستند الى روح المقاومة الشعبية والحق الذي أكده قرار الأمم المتحدة لفلسطين الدولة، أم البقاء في الـ”حرام سياسي” المرتهن لخيار تفاوض يخدم المشروع الاحتلالي!
ملاحظة: رحل رون بونداك احد الشخصيات الاسرائيلية التي كانت مؤمنة بحق شعب فلسطين في دولة وطنية..كان ضمن فريق اوسلو التفاوضي..لم يذهب للتطرف الكافر بالسلام في كيان بات التطرف والارهاب سمته الأبرز..
تنويه خاص: هل حقا لا تزال الحكومة الفلسطينية وأجهزتها تريد لغاز غزة أن يرى النور..يا ليت تكشفوا لشعب فلسطين ماذا فعلتم من أجل ذلك!