كتب حسن عصفور/ على غير المتوقع مع منطق الفعل المطلوب لتطوير الموقف الرسمي للقيادة الفلسطينية بالبدء في التحرك نحو الأمم المتحدة، عادت “لعبة الاستغماية التفاوضية” لتكون حاضرة على حساب التحرك الدولي، حيث التقى وفد فتح منذ “حفلة التوقيعات العلنية” أكثر من لقاء مع وفد دولة الكيان في القدس الغربية، والنتيجة وفقا لمصادر عبرية وعربية لا تساوي ثمن البنزين واستهلاك السيارات التي يستخدمها الوفد الفتحاوي للوصول الى مقر الاجتماع برعاية “اليهودي – الصهيوني مارتن أنديك”، ونعتذر مسبقا لمركزية حركة فتح عن هذا الوصف..
وبعيدا عما تحاول بعض أطراف الوفد ترويجه في وسائل اعلام ذات صلة خاصة بالوفد الفتحاوي عن “معارك واشتباكات”، فالواقع أن لعبة اللقاءات تلك بعد القرار الرسمي بالعودة لانطلاقة “الهجوم السياسي” تشكل عقبة حقيقة لاستثمار افتضاح حقيقة الموقف الاسرائيلي أمام العالم أجمع، ولعلها المرة الأولى ومنذ زمن لا تضع أمريكا اللوم على الطرف الفلسطيني فيما حدث، فمرة ساوت بين الطرفين، وهذه لعبة ليست جديدة، لكنها في مرة أخرى انحازت لبعض الحقيقة باعتبار الموقف الاسرائيلي كان معرقلا للتفاوض..
ولكن بدل أن تستفيد القيادة الفلسطينية من ذلك الموقف، عادت الى “الهواية السياسية” في استمرار اللقاءات تحت شعار “الفرصة الأخيرة” و”الأمل الأخير”، ولكن المأساة ما يراه البعض الفتحاوي في أن تلك “اللقاءات تأتي لقطع الطريق على لوم الطرف الفلسطيني وتحميله مسؤولية فشل المفاوضات”..اي ساذج يمكنه أن يقتنع بذلك الهذيان بعد أن انكشف كل شيء من استخفاف اسرائيلي بل واهانة سياسية علنية لأمريكا وللرئيس محمود عباس، برفضها اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى، وهي صفقة مدفوعة الثمن مسبقا، فأي عالم يمكنه بعد ذلك تحميل من دفع ثمنا مسبقا ولم يحصل مقابله مسؤولية الفشل، الا إن كان تعبير العالم عند تلك الفئة يقصد به بعض امريكا، وخاصة يهودها ومنهم الرباي الفكري مارتن أنديك..
استمرار تلك “اللقاءات” ليس سوى تآكل فعلي لقوة الموقف الفلسطيني الذي كان عليه أن يسير في اتجاه غير اتجاه القدس الغربية، فالأصل أن ينطلق الى المحطة الأساسية في نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة، وتتقدم فلسطين الدولة الى 15 منمظة دولية، لتصبح عضوا كاملا في تلك المنظمات، ولتصع حقيقة سياسية جديدة بتكريس الهوية الوطنية الفلسطينية، بالتوازي مع ما سبق الحديث عنه من خطوات يتم اتخاذها في “الداخل الوطني” من اعلان دولة فلسطين وانهاء مظهر السلطة بكل ما لها، والاعلان الرسمي أن “المرحلة الانتقالية” انتهت” وأن “التنسيق الأمني” الذي لا زال ساريا دون تأثر بالأزمة السياسية، وكأن حساباته غير التي يعرفها أهل فلسطين، ستتوقف ولن تكون ضمن ما كان سابقا..
كل لقاء مع دولة الكيان يشكل ضربة سياسية للموقف الفلسطيني، والمفارقة الكبرى أن تقوم دولة الكيان الاحتلالي العنصري، بحرب كلامية وحملة منسقة بين وزرائها ضد الموقف الفلسطيني وايضا تقوم بتهديد غبي للرئيس عباس، حتى أن بعضهم وصل بوقاحته أن يهدد عباس بحماس، وهي اللعبة التي تلجأ لها دولة الكيان بين حين وآخر، لفرض الابتزاز السياسي، فيما تصمت قيادة حماس على ذلك الاستخدام وكأنها تطرب له، لكن ما يجب على الرئيس عباس وقيادة فتح هو وضع حد لتلك “الاستغماية السياسية” المعروفة باسم لقاءات عريقات ليفني انديك..فكل لقاء يساوي خسارة من رصيد شعب فلسطين، وربحا لأعدائه وخصومه أيضا، المنتظرين “ساعة الصفر” لكشف حقيقتهم السياسية..
لا نعتقد أن أي فلسطيني كان سياسي أم لاعب نرد ينتظر نتيجة ترجى من تلك المفاوضات، بل أن كل فلسطيني بات على يقين مطلق أن الاستمرارية فيها هو خطر على القضية الوطنية، وأنها ليست سوى مناورة لكي تمنح دولة الكيان مزيدا من الوقت لمنح وقائع التهويد والاستيطان فرصا مضافة، والحد من قوة رد الفعل الوطني والشعبي الفلسطيني..
ما ينتظره الشعب والعالم بعد اعلان فشل اللقاء المقدسي الأخير، هو قيام الرئيس محمود عباس اليوم باصدار بيان سياسي يعلن فيه بشكل قاطع وقف كل الاتصالات السياسية – الأمنية مع دولة الكيان حتى تعود لرشدها، بيان يستبق الذهاب الى القاهرة ولقاء وزراء خارجية العرب، والقيادة المصرية – السيسي لم يعد وزيرا ولذا لا يوجد حرج شخصي منه بعد أزمة الكلام الرديء لأحد قيادات فتح ضده، موقف يؤسس لما سيكون لاحقا، ويحدد رؤية عربية تنطلق من موقف فلسطيني راسخ نحو اعادة روح “الهجوم السياسي الشامل”، دون ارتعاش لتهديدات دولة الكيان، ومن يملك سلاح التهديد الحقيقي هو الرئيس عباس الذي يمكنه أن يحاصر دولة “الارهاب المنظم” كما لم تحاصر يوما منذ قيامها فوق بعض أرض فلسطين التاريخية..
اسلحة الرئيس عباس تفوق بقدرتها كل ما لدى الطغمة الفاشية الحاكمة في تل أبيب..وليته يعود لفتح باب الخروقات القانونية لذلك الكيان من التأسيس حتى تاريخه، مع أرشفة دقيقة لكل جرائم الحرب المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني..القوة مع الحق..والحق هنا فلسطيني خالص..لكنه ينتظر من يستخدمه بديلا لقتله بلقاءات فاشلة بامتياز!
ملاحظة: لا يوجد سذاجة أكثر من تهديدات الموسادية ليفني من أنها ستطلب وقف دعم العرب لعباس..العجيب انها قالت ما قالت قبل ان يحمل عريقات “ذاكرته التفاوضية” ويلتقيها في القدس الغربية!
تنويه خاص: من ظرف المشهد الفلسطيني أن كل عضو بالوفد المنتظر الذهابأن يذهب الى غزة يتحدث عن مواعيد وأجندة دون تسنيق مع غيره..كل يقول ما يحب قوله..هل يمكن انتظار نتائج جدية بعد تلك الأقوال الطفولية!