بقلم : حسن عصفور
هناك نمط تفكير سياسي سائد في العالم العربي وان كان أكثر تركيزا في منطقة الصراع المباشر مع إسرائيل أكثر من غيرها من المناطق الأخرى، يحاول أن يستند إلى مسألة لا تتكرر في مواقع أخرى كثيرا، حيث يمتلك تعريفا خاصا \”للنصر\” و \”الهزيمة\”، \”المكسب\” و\”الخسارة\” ولا يمكن إدراك أين، حقا، ألحقنا بعدونا ضربات موجعة أو أن الضربات كانت مؤذية ولكنها لا تكون مؤثرة على المسار السياسي الآني أو الاستراتيجي.
وضع المعادلة البسيطة لحسابات النتائج ومردودها وليس فقط مفهوم الربح والخسارة كما يمكن أن يكون، وإنما التأثر والتأثير بالأحداث وأثرها اللاحق على حالة الصدام القائم، ومن هو الأكثر استفادة مما يدور حولنا، خاصة وان هناك عملية تضليل سياسي وفكري تقوم بها اتجاهات سياسية محددة لتكريس تدمير وضرب سياسي ضد الوضع القائم لحسابات تتجاوز ما تطرحه أو تعلنه هذه الفصائل، والتشابك بين التقاء المصالح بين أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وقوى ظلامية جاهلية الممارسة المحلية منها أو الإقليمية، في كثير من المحطات لم يعد مجرد مصادفة كما تحاول بعض \”الأطراف\” القول، لا يمكن لعاقل أن يجد تلاقي الأهداف والممارسات ضد قضية أو قضايا لسنوات طويلة ثم يمكن الحديث عنها وكأنها مصادفة لا أكثر، أين هي تلك المصادفة التي تستمر سنوات وسنوات، وعندما تحقق بعض أهدافها أيضا يقولون عنها مصادفة ثانية، لماذا الصدف السياسية الحاصلة الآن في بلادنا لا تأتي إلا إذا كانت لها أبعاد تدميرية أو تستهدف حالات كيانية، كانت يوما عنوانا من عناوين المشروع الاميركي ــ الإسرائيلي لتقسيم المنطقة العربية إلى \”دويلات\” وكيانات \”عمادها الأساسي\” \”الطائفية\” أو \”الدينية\” وفقا لحالات الوضع الراهن.
وما نعيشه اليوم في الوضع الراهن فلسطينيا وعربيا، في بعض من مناطقه هو نموذج سياسي على تضخيم \”الأوهام\” السياسية إلى درجة التعامل معها وكأنها انتصارات \”في حين الأزمات\” التي تضرب بعمق وقوة يحاولون إبرازها وكأنها أوهام، وهذه المعادلة ليست خداعا لصاحبها، بل هي محاولة تضليل من نوع \”فريد\” بعضها \”تخدير\” سياسي وآخر \”تحريف\” سياسي لحال المواجهة والأزمة السياسية الطاحنة.
إن مجموعة الأزمات المتلاحقة والتي أخذت في التزايد، على ضوء سلوك قوى طائفية أو أخرى منتمية \”للإسلام السياسي\” إنما تمثل عجلة الدفع للسيطرة الأميركية الإسرائيلية على الحال العربي الراهن، بل وتتشابك المصالح لنجد وحدة \”تحديد المهام بأدوات مختلفة\”.
ولعل النماذج الأبرز في هذه المسألة البالغة التعقيد، ما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين وبعض الخليج العربي من سلوك محدد، إلى جانب حرب خفية على الدولة الإقليمية الأهم في المنطقة وهي مصر العربية .
فالعراق يمثل نموذج مدرسة \”الأوهام\” السياسية الجديدة والتي يشترك في انجازها \”خصوم\” في الشكل واللغة و\”توحد\” في الأهداف والمصالح، إذ أن \”الطائفية\” التي استخدمت الآلة الأميركية لإسقاط نظام وطني وتفكيكه وإعادة تركيبه بما يسمح بسيطرة طائفية محددة عمقها ليس عربيا مهما حاولوا الخداع، هو النموذج الأبرز للهدف الأميركي ــ الإسرائيلي لإقامة كيانات طائفية للسيطرة على المنطقة العربية ومواجهة المد التحرري الوطني القومي المناهض للمشروع الاميركي العدواني جسده الصمود التاريخي لمصر العربية بقيادة الرئيس عبد الناصر، وحاول الاستعمار في حينه إنشاء \”حلف بغداد\” فسقط بقوة الإيمان التحرري العربي، في حين نجد أن تحالف \”طائفية العراق\” ينتقل إلى لبنان ليمارس دورا مماثلا لما كان، لتكريس الطائفية ولكن بسلاح جديد و المحرك الأساسي لها هو ذات الطرف الاقليمي الذي ساهم في \”إنتاج\” طائفية العراق، وهنا التداخل المخادع حيث تمرر الحالة الطائفية المعاصرة والتي أرادتها أميركا وإسرائيل بوابة \”تمزيق\” للوحدة والتوحد العربي الوطني القومي، حيث تبرز \”الطائفية\” الجديدة بسلاح مواجهة ومقاومة إسرائيل وترسانتها العسكرية الأساسية التي تهدد الحالة الكيانية تظهر كحالة تهديدية للنظام الرسمي اللبناني، وهي التي تعرقل موضوعيا انتخاب رئيس لبناني، تدعي كافة الأطراف الاتفاق عليه ولكنها لن تسمح بانتخابه وتصر على إسقاط \”الحل العربي\” دون خجل لان \”التحالف الإقليمي الطائفي\” لا يريد ذلك وتعتقد ذات الأطراف أن تصدير توسيع نطاق \”الأزمة\” إلى فلسطين وخلق أشكالا من \”التأزيم\” ليس ضد إسرائيل وإنما ضد المحيط العربي بأشكال جديدة حتى وان كان للبعض حساب مغامرة عسكرية محددة تنتج حربا إسرائيلية ضد قطاع غزة تتمنى قوى \”التحالف الاقليمي الطائفي الجديد\” أن تتسع لما هو خارج غزة، وان لم يكن لتخلق على الاقل حالة توتر سياسي داخلي عنوانه \”مواجهة العدوان\” الإسرائيلي ولكن هدفه الأساسي هو إنهاك الدور المصري في مواجهة المخاطر الكبيرة، ولان البعض لا يريد سوى تصدير \”الأزمات\” وهو شعار إيران منذ وصول رجال الدين للحكم في إيران ــ فان السلوك السياسي لممثلي \”التحالف الاقليمى الطائفي الجديد\” في فلسطين خاصة بعد عودة دمشق من مؤتمر آنا بوليس دون أن تحقق ما أرادت تحقيقه تأزيم الحال السياسي في فلسطين وحولها .
وما حدث من سلوك بعد أزمة \”الثغرة\” على الحدود مع مصر ورفض \”حماس\” فك الحصار عن قطاع غزة إلا بشرط الاعتراف \”بدولتها\” الخاصة بديلا للسلطة الشرعية كان وما زال نموذجا لما تريده قوى \”التحالف الجديد\”، ووصل الأمر لمحاولة نقل التوتر للعلاقة مع الأردن سواء بسرقة المعونات الأردنية أو بتهديدها عبر تصريح لأحد قادة \”حماس\”، بزيادة التوتر الداخلي في بعض الأنظمة العربية، وهناك دول في الخليج تعيش جو \”الإرهاب\” الطائفي والسياسي ليشكل حلقة التواصل لما يريده البعض للمنطقة.
وبعد ألا يحتاج ذلك قراءة سياسية بعيدا عن التزمت أو العاطفة ونعيد صياغة هذه الأحداث ونضعها في مكانها، ومن هو المستفيد الأول من سلوك وممارسات \”التحالف الاقليمى الطائفي\” الجديد .. وهل حقا هي \”مكاسب\” كما يروجون أم هي \”أوهام\” يمر من تحتها نجاح أخطر مشروع استعماري سبق اسقاطه عربيا في الخمسينيات ؟.
12 شباط 2008