بقلم : حسـن عصفور
أخيراً، وبعد أن دفعنا ثمناً غالياً كشعب كاد يصل بنا إلى تهديم قيمنا وتاريخنا النضالي، توصلنا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، على أساس اتفاق مكـة، الذي رسم ملامح طريق الفعل الجديد…
حكومة الوحدة الوطنية، غاب عنها أحد أبرز ممثلي التيار الديمقراطي الفلسطيني (الجبهة الشعبية) لأسباب سياسية، كما أعلن مسؤولوها ذلك، وغياب الجهاد الإسلامي كتيار سياسي إسلامي للرفض المبدئي للمشاركة في السلطة ومنتجاتها التي جاءت استناداً إلى اتفاقية أوسلو، وكل ما تبعها من اتفاقيات انتقالية لاحقة…
ورغم ذلك الغياب، مع أهميته، إلا أن التشكيل قد رسم ملامح الخريطة السياسية في الساحة الفلسطينية، مما يعطي قوة دفع خاصة للتقدم إلى الأمام على طريق تحقيق بعض مما ينتظره المواطن الفلسطيني وكذلك الإنسان العربي…
وتستند الحكومة إلى برنامج سياسي واقعي بدرجة عالية، يشكل اختراقاً في جدار العزل السياسي، الذي فرضته أميركا وإسرائيل، رغم الحملة المبكرة لهما، ضد الحكومة وبرنامجها… وهذه الحرب المعلنة ليس ضد ما ورد في البرنامج، لأن ما ورد يمثل انتصاراً للواقعية السياسية الفلسطينية ولبرنامج منظمة التحرير وإنما لما تريده أميركا وإسرائيل من نصوص سياسية، غيابها لا يشكل عائقاً نحو العودة لعملية السلام، والمسيرة السياسية لو أرادت أميركا وإسرائيل ذلك.. خاصة وأن خطاب الرئيس محمود عباس \”أبو مازن\” في يوم الثقة حدد دون أي التباس، كل ما هو ضروري للعودة إلى مسار العمل التفاوضي، من خلال التزامه الواضح والصريح بكل ما أكده الرئيس الشهيد أبو عمار ومنظمة التحرير من التزامات محددة …وهو الموقف الذي يعتبر ركيزة العمل السياسي الرسمي للشعب الفلسطيني.
إن أميركا وإسرائيل لو أرادتا حقاً عودة الحياة للمسيرة السياسية لوضعتا خطاب الرئيس أبو مازن موضع الاهتمام الحقيقي، واتخذتاه قاعدة للعمل السياسي المشترك لأنه هو من سيدير المفاوضات ويشرف عليها، باعتباره رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، كما جاء بوضوح تام في البرنامج الحكومي، والذي جاء فيه أيضاً إن الحكومة ستساعد الرئيس في أداء مهامه… وهو الاعتراف الأهم بسلطة الرئيس وفقاً للقانون الأساسي والذي حاولت الحكومة السابقة (حكومة حماس) أن تتجاهله، وتعمل وكأن النظام أصبح له رأسان يعملان بتوازٍ وليس بتكامل…
إن مبادرة أبو مازن في خطابه يوم 17 آذار، يوم منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، هو علامة فارقة في المعركة السياسية التي نخوضها ضد إسرائيل وأميركا.. والتي بدأت فعلياً بعد اتفاق مكة، ولكنها ستتصاعد بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية \”الحادية عشرة\” مما يتطلب من المكونات الفلسطينية السياسية ضرورة الإعداد الجاد، مع الإدراك أننا نملك نقاط تميز هامة على الطرف الإسرائيلي، مما يتطلب السير إلى الأمام وتطويرها وصيانة ما يجب صيانته من قوة المواقف التي تجذب العالم، دولاً وشعوباً، للوقوف مجدداً بقوة، تأييداً للموقف العادل لشعبنا في كفاحه ضد الاحتلال والذي يفرض إدراك أن الممارسة الكفاحية ضد الاحتلال الإسرائيلي يجب ألا تخرج عن سياق الكفاح المشروع ولكن أيضاً المقبول دولياً.
وإن كانت المعركة السياسية مع الاحتلال تحتل مركز الثقل للعمل لكسر حاجز العزل السياسي، فذلك لن يستقيم دون إعادة الاعتبار لهيبة النظام السياسي من خلال وضع حد لكل مظاهر تآكله، وبعيداً عن المبررات التي لا معنى لها… فلن نجد من سيحترم قدرتنا السياسية، إذا لم نحترم نحن قبل غيرنا نظامنا السياسي الوطني والذي يجب أن يكون في مركز الصدارة فعلاً وليس قولاً… حتى وإن كان بعض من ثمنه التضحية ببعض امتيازات هذا الفصيل أو ذاك… فبعد تشكيل الحكومة لم يعد يكفي الحديث عن الشراكة لبناء الوطن، بل يجب أن نعمل من أجل بنائه واحترامه وأن يشعر كل مكونات العمل السياسي بأن النظام هو نظامنا… والسلطة سلطتنا.. حتى وإن اختلفنا مع الحكومة…
إن الحكومة يجب أن تبدأ ممارستها في تعلم حق الاختلاف، وترسيخ قيم التسامح والإخلاص بالعمل ومحاسبة كل من يتجاوز ذلك، مهما كانت هويته السياسية أو موقعه، لأن طريق التقدم يبدأ من هنا… وهو الطريق الذي سيكسب لنا مزيداً من الاحترام والتقدير… خاصة وأننا سنذهب بعد أيام عدة إلى القمة العربية، والتي تأتي في سياق تاريخي مفصلي لأمتنا العربية… وأيضاً لقضية فلسطين.. ولربما يكون من حسن حظ شعبنا أن تتشكل الحكومة قبل القمة، حتى يذهب الفلسطيني موحداً سياسياً وتنظيمياً، وفد يترأسه الرئيس عباس، وسيحدد خطابه القادم الملامح الرئيسية لما نريده كشعب من القمة العربية التي يجب أن تتمسك بمبادرتها نصاً وروحاً، وأن توجه رسالة سياسية لكل من إسرائيل وأميركا، بأن المبادرة ذاتها قد شكلت نقلة استراتيجية في العمل السياسي العربي… وإن كان لا بد من شيء جديد، في القمة العربية، هو أن يتفق قادتنا على وضع آلية تنفيذ للمبادرة، من خلال آليات فعل واقعية، نتحرك وفقها نحو العالم ونعمل على فك حصار العزل السياسي، والتحضير الجاد نحو إعادة العملية لمسارها السليم عبر آلية ضغط نمتلك كل مقوماتها…
إن قمة العرب القادمة تشكل لنا، نحن الفلسطينيين، الحاضنة التي نحتاجها، الآن ولاحقاً… وعلينا أن نعمل على ترسيخ عمقنا العربي قولاً وفعلاً عبر تلاحم حقيقي، بعيداً عن الشعارات التي لا معنى لها… فالتكامل مع المحيط العربي من خلال التفاهم السياسي هو الطريق الذي نريد.. والذي يجب أن يكون… وعلى المحيط العربي وخاصة دول المركز الإقليمي المؤثر والفاعل أن تعمل جهدها لاحتضان الفلسطيني وإعادة الانطلاق معه نحو الجديد السياسي
20 آذار 2007