كتب حسن عصفور/ في مقابلة خاصة مع صحيفة مصرية، قال الرئيس محمود عباس، ان امريكا، دون غيرها، تستطيع أن تفرض \”حلا سياسيا\” لو أرادت ذلك، والعبارة هنا تفتح جملة من الاسئلة أو يمكن اعتبارها استفسارات، فهي توحي باعادة استنساخ المقولة الشهيرة جدا للرئيس المصري الراحل أنور السادات، يوم أراد أن ينقل الدفة من \”كتف الى كتف\”، وانهاء مرحلة العلاقة الخاصة مع \”الاتحاد السوفيتي\” آنذاك، ليبدأ رحلة \”البحث عن العسل\” في الولايات المتحدة، والنتيجة لتلك النقلة الكارثية واضحة جدا على مصر ودورها الاقليمي ومكانتها الدولية، وتطورها على مختلف السبل السياسية والاقتصادية..
لكن الأهم فيما قاله الرئيس في المقابلة التي نشرتها \”المصري اليوم\” يوم الجمعة بتاريخ 18 ابريل 2014، أن ذلك الاستنتاج يشير الى أن الآلية الرسمية الفلسطينية لا تقيم وزنا لكل المؤسسات الدولية، التي باتت حقا سلاحا بيد \”دولة فلسطين\” القائمة رسميا بقرار دولي، رغم أنف الولايات المتحدة وتحالفها المنبوذ، ولا يأخذ هذا الاستنتاج \”الغريب\” أن التطورات الدولية تتجه، وسريعا، لاعادة ترتيب المشهد اقليميا ودوليا، بعد أن نفذ رصيد أمريكا وخداعها، خاصة أثر اسقاط تحالفها \”الجديد\” اقليميا بالضربة المصرية وأيضا السورية، ولذا فالمؤشرات تتجه لهزيمة \”المشروع الأميركي\” الانفصالي – التقسيمي، الذي حاولت فرضه عبر الجماعة المنبوذة \” الاخوان\” وفرقها المختلفة..
وبعيدا عن المشهد الدولي وترتيباته الجديدة، التي تغيب عن قراءة القيادة الرسمية الفلسطينية، فالأهم هو ما بيدها من اسلحة تفوق بقوتها كل ما سبق من اسلحة سياسية، هو سلاح المطادرة الجنائية لدولة الكيان ذاتها، وهو ما يمكن أن يكون \”التغيير الرئيسي\” في معادلة الصراع مع العدو الاحتلالي، ونقلة استراتيجية في تغيير موازين التعامل مع القضية الفلسطينية، ولكن ذلك يشترط أولا أن تؤمن القيادة بذلك، ايمانا حقيقيا، وأن تعمل بكل جد وجدية لاكمال مشوار الهجوم السياسي الذي بدأ وأنتج قبول\” دولة فلسطين\” عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، ما يفرض تغيير كلي للسلوك السياسي وطريقة إدارة الصراع، وللأسف فذلك ما لم يتحقق رغم أهميته القصوى لتحديد طبيعة مشهد العلاقة التصارعية مع دولة الكيان، وتم الارتماء في \”القفص الأميركي\”، وتوقف حركة \”الانطلاقة السياسية\” عند محطات هامة لكنها تركت الأهم، ولعل العبارة التي يؤمن بها الرئيس عباس، أن أمريكا صاحبة \”الحل والربط\” في قضية السلام، تفسر لماذا تجاوبت القيادة الرسمية الفلسطينية مع الرغبة الأميركية بتعطيل حركة الانطلاقة الثورية السياسية الفلسطينية..
ولو افترضنا حسن النوايا في التعبير، وأن هناك ما يمكن تبريره لذلك التعبير المتسرع، ونفترض أن ذلك يملك بعض \”المنطق السياسي\”، فلنا أن نتوقف أمام \”الدور الأميركي\” المباشر في العملية التفاوضية، وحقيقة رؤيتها السياسية للقضية الفلسطينية و\”حل الصراع\”، سواء عبر المواقف المعلنة، او من خلال المشاركة التفاوضية، وهي تجربة طويلة جدا، فمنذ أول مشروع عرضه ريغان عام 1982، ولخص الرؤية بـ\”حكم ذاتي محدود\” يرتبط كونفدراليا بالاردن، والرؤية الأميركية تدور في ذات الحلقة مع تغييرات نسبية، وحتى \”مواقف بوش الابن\” التي تحدثت لأول مرة عن \”دولة فلسطينية\” بشكل واضح، أواخر عام 2001، الا أنها كانت مناورة سياسية لتصفية الرئيس ابو عمار، تجسدت في خطابه يوم 24 يونيو – حزيران عام 2002، يوم أن عرض بشكل واضح ما يعرف اليوم بـ\”رؤية بوش لحل الدولتين\”، اذ دعا صراحة الى البحث عن قيادة فلسطينية جديدة، وبدأت بعده \”رحلة تصفية الزعيم\” بدلا من تصفية الاحتلال..
وربما يتذكر الرئيس عباس اكثر من غيره، ان اتفاق اوسلو عام 1993 كان يجب ان ينتهي خلال 5 سنوات لينتج قيادم دولة فلسطينية في ظل التسوية التاريخية، ولكن امريكا الراعبة رسميا للمفاوضات، لم تقدم يوما ما يؤكد أنها تريد \”حلا سياسيا\”، بل كانت طرفا معطلا ومعرقلا لكل فرصة كانت تتاح لذلك، بفعل المجموعة اليهودية الصهيونية، بقيادة روس – انديك، التي تحكمت بقرار الخارجية الأميركية، ولعل تنشيط \”الذاكرة\” مفيدا هنا، بالحديث عن \”قناة ستكهولوم\” التي كانت مفاوضات غير معلنة وبقرار رسمي من الرئيس ابو عمار ومعرفة الرئيس الحالي عباس، رأس وفد فلسطين بها القيادي ابو علاء، وشارك بها كاتب السطور، ولا ثالث لهم أو رابع كما ذكر الرئيس عباس في خطابه الفضيحة، فيما الجانب الاسرائيلي ترأسه شلومو بن عامي، مفاوضات تقدمت كثيرا عن غيرها، وقاربت ان تصل الى وضع إطار قريب جدا من \”وثيقة طابا\” الى أن حضر الأميركي دينس روس فذهل مما سمع ورأى، وسارع بالطلب من رئيس وزراء الكيان في حينه يهود براك لانهاء قناة ستكهولوم واستبدالها بقمة في كمب ديفيد..
يمكن للرئيس عباس ان يعود للسيد ابو علاء لمعرفة حقيقة تلك القناة التفاوضية، لو خانته الذاكرة بحكم ضغط العمل وحجم المهام، بدلا من الحديث عن روايات وهمية..امريكا الراعي هي من منع استمرار مفاوضات كانت تقترب من رسسم طرؤية مشتركة\” لحل سياسي..وبعده بدأت الاعيبهم لحصار القضية الوطنية منذ كمب ديفيد عام 2000 لأن الموقف الرسمي الأميركي أنهم لا يؤمنون حقا باقامة دولة فلسطينية مستقلة، فسقف أمريكا ما تم تحديده في رؤية تقرير عام 1988، تحت مسمى \”البناء من اجل السلام\”، وقدمت في حينه دائرة العلاقات القومية والدولية التي كان رئيسها ابومازن شخصيا، وبمشاركة كاتب السطور، في كشف حقيقة ذلك التقرير، الذي لخص الحل باقامة \”حكم ذاتي كامل\” متربط كونفدراليا مع الاردن..بالامكان العودة له – طبعا لا يوجد في \”ذاكرة دائرة المفاوضات\”، لانه كتب قبل تأسيسها..
ومن ذلك الحين، وحتى تاريخه فالرؤية الأميركية ترفض جوهر \”دولة فلسطينية في الضفة والقطاع والقدس الشرقية\”، ولعل تصريحات أوباما الأخيرة غاية في الوضوح الفكري – السياسي..\”دولة في بعض الضفة\” تتنظر سنوات الى ارتباط قطاع غزة بها.. للأسف تصريح لم تقف أمامه القيادة الرسمية ولا التفاوضية لحسابات طريفة التفكير أن \”أمريكا صاحبة الحل والربط\”..
بختصار وكي لا يصبح المقال رؤية تاريخية شاملة لحساب الموقف الأميركي، نقول أن امريكا لا تريد حلاسياسيا شاملا عادلا يؤدي الى اقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هي تبحث عن \”حل ذاتي\” لبعض الضفة، ويمكن استبدال الكيانية المستقلة في قطاع غزة، ولذا لن تغضب واشنطن أن تتحدث حماس عن المقاومة في غزة كما يحلو لها، لكن أي عبارة مماثلة في الضفة تعتبرا \”حراما سياسيا\”..
الدولة الفلسطينية وفق قرار الأمم المتحدة \”حرام سياسي شرعا\” لأميركا، تلك رؤيتها ولن تتقدم ما لم تتغير طريقة التفكير الرسمي واستخدام كل الأسلحة التي باتت متاحة ومشروعة لشعب فلسطين..دون ذلك سينتظر أهل فلسطين طويلا جدا، قبل رؤية \”الزعيم الخالد الشهيد ابو عمار ليكتمل بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس\”..
كفى أوهام..أمريكا لن تأت بدولة بذات الأدوات والسياسيات القائمة..ولن تفرض حلا دون أن تدرك أنها ستدفع الثمن غاليا..
ملاحظة: مبروك الاعلان الرسمي لانضمام فلسطين لاتفاقية لاهاي..وبعد كيف ستسفيد فلسطين من ذلك الانضمام..تحديد الآلية بات الأهم الآن..
تنويه خاص: رحل الكاتب العالمي وصديق شعب فلسطين ماركيز..نتمنى من كتاب فلسطين تكريم اسمه لمواقفه الخاصة مع قضية شعبنا وحقوقه الوطنية!