كتب حسن عصفور/ جاء قرار المملكة العربية السعودية باعتبار الجماعة الاخوانية حركة ارهابية، بمثابة “قنبلة سياسية نووية”، يفوق في قوتها وأثرها ما سبق أن حدث بالنسبة لمصر الثورة، كون السعودية شكلت الحاضنة الأهم تاريخيا للجماعة الاخوانية، سياسيا وماليا واقامة، وفتحت لهم باب العمل والتربح والاغتناء من ثروتها الاقتصادية الجديدة، بعد أن طردوا من مصر الناصرية، نتيجة خيانتهم “العهد” ومحاولتهم اغتيال الزعيم، ولم تبخل السعودية بكل منافع الحياة على تلك الجماعة، التي سبق لمؤسسها حسن البنا أن انحنى بجسده لتقبيل يد الملك عبد العزيز، في حركة “نفاق سياسي نادرة”..
قرار العربية السعودية، يشكل عبرة سياسية لكل من يخون “العهد”، ولا نظن أن ما قدمته المملكة لتلك الجماعة كان يمكنه أن يقابل بحركة من قلة وفاء لا مثيل لها، ولقد بدأت حركة قلة الوفاء وخيانة الأمانة الاخوانية ضد المملكة السعودية قبل سنوات، وخاصة منتصف العشرية الحالية من القرن الواحد والعشرين، وقد أعلن عن تلك الخيانة السياسية للجماعة الاخوانية الأمير الرحال نايف بن عبد العزيز يوم أن كان وزيرا للداخلية، بكلمة قصيرة جدا، قال فيها أن “لحم كتف الاخوان من خير المملكة..فلما خيانتها”..عبارة أحدثت في حينه ضجة داخل الاسرة الحاكمة، حيث اعتبرها البعض من أمراء المملكة أنها خروج عن التقليد السعودي، بأن لا يتم الحديث عما فعلوا مع غيرهم مهما كانت النتيجة، لكن القول فتح جرحا في صدر الإسرة الحاكمة، ولم يندمل أو يعافى..حتى جاء القرار!
تبعيات قرار المملكة لن يقف عند حدودها، فقريبا جدا تبدأ رحلة مطاردة “الجماعة” في أكثر من بلد عربي، وقد يتجاوز القرار كل مخيلة ممكنة، خاصة وأن هناك بوادر بدأت في موريتانيا، وبالتأكيد سيصل القرار الى دولة الامارات والبحرين لاحقا وقبلهما مصر، الى جانب دول اخرى، وهو ما قد يترجم الى عملية مطاردة دولية لتلك الجماعة، حيث ستسخدم العربية السعودية ومعها دول عربية أخرى، ثقلها الاقتصادي لخدمة ذلك القرار، وستجد دول اوربية حرجا كبيرا في كيفية التعامل مع القرار السعودي – العربي ضد الجماعة الارهابية..وستكون بريطانيا وفرنسا وأمريكا وربما سويسرا في موقف غاية في الصعوبة اذا ما قررت المملكة السعودية تصعيد موقفها الى اجراءات محددة، ومعها مصر التي تلاحق الجماعة وقادتها المطلوبين للقضاء المصري..
قادم الأيام سيكشف أن قرار السعودية لن يقف عند حدودها الجغرافية، خاصة وأنها وضعتها على قدم المساواة مع “القاعدة” و”النصرة” و”داعش”، وهي حركات يعتبرها القانون الأميركي حركات ارهابية، ولا نظن أن الاكتفاء باصدار قرار سيكون كافيا من جانب الحكومة السعودية، خاصة وأن احساساهم بـ”الخيانة والغدر” يفوق أي دولة اخرى..
ولكن السؤال الأكثر تعقيدا نتيجة القرار السعودي وقبله المصري، وما يمكن أن يليه من قرارات لدول عربية، سيكون مطروحا على القيادة الفلسطينية وخاصة الرئيس محمود عباس، كيف سيتعامل مع منتجات القرار وانعكاسه على العلاقة مع حركة “حماس” التي تعلن ليل نهار عن افتخارها بأنها جزء من التنظيم الاخواني، خاصة وأنه قبيل ايام قليلة من قرار السعودية كان هناك قرار قضائي مصري بحظر حركة حماس وانشطتها في مصر، وهي قرارات لا يمكن فصلها الواحد عن الآخر..
هل سيكتفي الرئيس عباس بقراءة التقارير عن تلك القرارات وكفى، أم أنه سيقوم بدراستها وفقا للمصلحة الوطنية العليا، التي تحتاج الى قراءة غاية في الهدوء، وبعيدا عن العواطف الانفاعلية، وعله سيجد نفسه امام ضرورة أن تعلن حركة حماس أنها ليست جزءا من “تنظيم الاخوان” لا الدولي ولا المحلي، وأن ذلك الاعلان قد يساعده في عدم اتخاذ أي قرار قد يضع حماس أمام معادلة قانونية جديدة في فلسطين..
دراسة البعد السياسي والقانوني للقرار السعودي والقضائي المصري أصبح “واجبا وطنيا”، كي لا تدفع منظمة التحرير والشعب الفلسطيني ضريبة لا يجب أن يدفعها، ولعل قيادة فتح تضع ضرورة اعلان حماس تخليها الرسمي عن اي علاقة تنظيمية – فكرية بالاخوان المسلمين جزءا من “باقة المصالحة” المطلوبة، لو قدر لها أن تكون يوما..المطالبة ليست شرطا بل ضرورة لازالة اي التباس بين حركة فلسطينية وجماعة ارهابية، وكي لا تصبح لاحقا منظمة التحرير أمام مساءلة سياسية عربية..
استمرار مكابرة حماس او تجاهل فتح والقيادة الرسمية الفلسطينية لهذه المعالجة لن يفيد احدأ..بل قد يصبح قيدا الى جانب القيود التي تحاصر الشعب الفلسطيني..الوضوح طريق لا بد منه!
ملاحظة: قيام أجهزة حماس الأمنية بقمع وملاحقة من قام بتأبين ذكرى شهداء في خان يونس ليس سوى انعكاس لحقيقة الحركة التي تخطف القطاع..رعب وهلع من أي حراك مهما كان شكله ولونه..الخوف لن ينتهي ما طال الاختطاف!
تنويه خاص: وقاحة نتنياهو السياسية تتصاعد بعد عودته من رحلة واشنطن..ليت الفريق المفاوض يقف أمام هذه الغطرسة المتعاظمة!