كتب حسن عصفور/ لا نعتقد أن ابناء الشعب الفلسطيني في وطنه وشتاته، تعاملوا بجدية سياسية مع الخبر الذي انتشر فجأة في وسائل اعلام متنوعة، عن قرار لحركة فتح بدراسة تعيين “نائب للرئيس” محمود عباس دون تحديد. عدم الجدية في التعاطي مع الخبر كان صفعة لمن ابتدعها، رغم محاولة البعض فرضه بطريقة مسرحية كوميدية من خلال اختلاق “معارك وهمية”، و”بطولات ساذجة”، الا أن المسألة لم تتجاوز في النقاش الوطني سوى متابعتها كخبر يخص “الداخل الفتحاوي” المصاب بـ”طموح” ذاتي لهذا وذاك..
ما اعلن عن البحث في تعيين “نائب للرئيس”، لم يصل لأن يصبح خبرا مؤكدا أو حقيقة سياسية، كونه لا زال خبرا منسوبا لأشخاص يدار حولهم بعضا من البحث عن اثبات الذات السياسية، في حين آخرين، ومن فتح أيضا، لا يرونه شيئا جديا ولا ضرورة له من حيث المبدأ، بينما الاطار المنسوب له القرار لم يكن له اسهاما مباشرا، لا نفيا ولا تأكيدا، ما يؤشر بلا جدية الخبر، ولكن التعامل معه قد يكون مفيدا لالقاء الضوء على مغزى هذه “الزوبعة السياسية” لمنصب حساس..
بداية لا بد من التذكير، عل الذكرى تنفع من يحب أن ينتفع، بأن من عرقل استحداث منصب لرئيس السلطة الوطنية في تعديلات القانون الأساسي وقانون الانتخابات عام 2005 وبعد استشهاد الزعيم الخالد ابو عمار، كان غالبية نواب حركة فتح في المجلس التشريعي، عندما تم البحث في ضرورة تطوير دور المؤسسة الفلسطينية والقانون الانتخابي بما يتيح حماية النظام السياسي استباقا للإنتخابات المقبلة، خاصة وأن القوى المعارضة اعلنت مشاركتها في تلك الانتخابات، وكانت حماس احد تلك القوى، ونظرا لأن القانون الأساسي اعاد توزيع المهام التنفيذية بين الرئيس ورئيس الوزراء، وفقا للضغط الأميركي ودور فريق فلسطيني محدد بتمرير تلك العملية، كان متوقعا ان تنتج الانتخابات احتمالية بروز “أزمة” بين الرئيس ورئيس الحكومة المنتمي للقوى الفائزة بالأغلبية البرلمانية، لذا عرض بعض النواب، بعض نواب فتح ومستقلين – وكاتب هذه السطور كان احدهم – اقتراحات محددة لمنع حدوث “ازمة سياسية” او ما يمكن تسميته بـ”ازدواجية السلطة”، منها حق الرئيس بالدعوة لانتخابات مبكرة في حال نشوء ازمة مستعصية، وتعيين نائب لرئيس السلطة الوطنية، بصلاحيات محددة تجاوزا لرئيس المجلس الشتريعي، واعتماد قانون “التمثيل النسبي الكامل” في الانتخابات البرلمانية..
ولكن “فريق الاصلاح الديمقراطي” الذي لعب دورا جوهريا في تمرير المطالب الأميركية لاضعاف سلطة الرئيس ابو عمار، قاد حملة شرسة ضد المقترحات تحت “شعارات مخادعة” بأنها تكريس لديكتاتورية الرئيس على حساب البرلمان..وحدث لاحقا ما حدث، وانتهى الأمر بما تعيشه فلسطين من مؤامرة لا حدود له عبر انقسام وطني هو الهدية الأهم للمشروع الصهيوني، واليوم عندما يتم تسريب حديث عن البحث لتعيين نائب للرئيس، دون تحديد واضح عن أي رئيس من الرؤساء الثلاثة، رئيس دولة فلسطين، أم رئيس منظمة التحرير أم رئيس السلطة الوطنية، وقد يضاف لها رابع اذا ما اعتبرت رئاسة فتح ضمن تلك الرئاسات ايضا، لا يمكن اعتباره الحديث جادا وجديا..
فلو ان الأمر فعلا يرمي لخدمة القضية الوطنية وحرصا على “المؤسسة الفلسطينية” لكان ذلك موضع نقاش في أطر منظمة التحرير الفلسطينية، مع التقدير لمكانة فتح، لكن القرار الخاص بالمؤسسة الأم لا يتم التعامل معه ضمن أطر فرعية، الى جانب أن عرض مسألة “النائب” تأتي في ظل احتدام الخلاف الوطني على قضايا جوهرية، كالمفاوضات التي تسير في اتجاه مخالف كليا للاتفاقات الوطنية، وما يتسرب منها وعنها لا يبشر مطلقا بأي “أمل وطني”، الى جانب أن الانقسام يزداد تجذرا رغم كل الحملات الاعلامية الكلامية بالمصالحة..
فلو كانت هناك جدية حقيقية لدراسة المستقبل القادم فالأولوية تكون لخيارات الوطنية كرد على ما سيكون بعد فشل المفاوضات في زمنها المحدد، ولن يمدد دقيقة واحدة كما يعلن فريق التفاوض – رغم الشك الكبير بصدق الكلام -، خاصة وان من سيقود المسيرة في حال حدوث شاغر رئاسي، محدد قانونا ودستوريا، ولكن لو أريد حقا الجدية للبحث لكانت هناك سبل أكثر جدية في التعامل مع الشعب الفلسطيني وقواه، لمناقشة مسألة بهذه الحساسية، ولا تترك لتداولها بين “الهواة”..
ولكن يبدو أن صاحب فكرة النائب كانت له غاية غير حقيقة ما تم اعلانه، منها انه يريد بها ممارسة ضغط خفي على الرئيس محمود عباس نفسه كتهديد سياسي لمستقبله، لتمرير مؤامرة المشروع الأميركي تحت بند “اصلاحي” كما حدث مع تمرير “مؤامرة رئيس الوزراء” في زمن الشهيد الخالد اذا لم يوافق على مشروع اوباما التصفوي، كما يراد بها اشغال الشعب والقوى عن جوهر المشروع التفاوضي ومخاطره، والتقاعس القيادي الرسمي في تقديم الخيارات والتحرك نحو المساهمة الوطنية في تفعيل ملف مقاطعة دولة الكيان دوليا، وتشكيل لجان عمل حقيقية لمتابعة ما بعد فشل التفاوض، وفتح ملف تصويب العلاقات مع بلدان عربية باتت في حالة ريب وشك سياسي من سلوك القيادة الرسمية التفاوضي..
فكرة “النائب” وطريقة عرضها وتداولها تكرس اسلوب الاستخفاف في التعامل مع القضايا الجوهرية، وايضا النظرة الفوقية من فتح للقوى الأخرى..وعمليا هي فكرة اريد لها حرف مسار نقاش جدول اعمال وطني من قضايا مركزية الى ثانوية..عمليا باتت فكرة “فشنك” ولم تنجح سوى في كشف احقاد البعض على البعض..
لذا نقول لـ”السيد النائب”..ابق حيث أنت فلا مكان لك وما اثير ليس سوى مناورة لها مرام غير ما اشيع..استرح!
ملاحظة: تمتلك حماس فرصة هامة جدا لتبيض صفتحها السياسية في ظل أزمة التفاوض..التخلي عن “وهم الحكومة”..وخلع “جلباب الأخونة”..عندها يمكنها قيادة “جبهة لاسقاط مشروع كيري”..وبدونها تكون هي اصلا جزءا من تمرير ذاك المشروع – المؤامرة!
تنويه خاص: ما هي أخبار المقدسي المتهم في ملف فساد وتزوير..سؤال الى السيد رفيق النتشة رئيس محكمة جرائم الفساد..ننتظر والشعب جوابا.. طبعا لو كان في جواب من اصله!