كتب حسن عصفور/ قبل أن تبدأ عملية تسريب ماذا حدث في “اللقاء الباريسي” بين الرئيس محمود عباس والوزير الأميركي جون كيري، اعلن كيري بعضا مما ينتظر أهل فلسطين، بأنه لا يعتقد أن المستوطنين سيخلون المناطق التي يسيطرون عليها، ما يتم تفسيره أما أن تقبل القيادة الفلسطينية بقاء تلك الفئة الارهابية فوق ما سيمنح لها من اراضي لاقامة “كيان جزئي” في الضفة الغربية، أو أن لا مجال لتطبيق اي فكرة جادة لانسحاب اسرائيلي من الأراضي المحتلة، والقبول بحل “التقاسم الجغرافي الوظيفي” كي يسمح ببقاء كل مستوطن حيث هو الآن..
تصريح لا يوجد به أي “تدليس اعلامي” كونه منشور صوتا وصورة، وهو رسالة علنية للطرف الفلسطيني عن جوهر اتفاق الاطار الذي يتم تداوله رسميا، في ذات الوقت الذي يؤكد السيد الأميركي حق المستوطنين بالبقاء، تخرج الناطقة باسم الخارجية الأميركية لتنتقد تصريحا منسوب لمسؤول وفد فتح التفاوضي صائب عريقات يلمح به، الى أن احد الخيارات بعد فشل المفاوضات سيكون الاتجاه لسلاح مقاطعة اسرائيل..تصريح عمليا لا يسمن ولا يغني من جوع للشعب الفلسطيني، لأنه كلام مسترسل متكرر، ومحاولة لبتر اي ردة فعل شعبية غاضبة ضد المفاوضات المعيبة وطنيا وسياسيا، ومحاولة يائسة وبائسة لتبيض موقف المفاوضين الذي لا يمكن تبيضه، بعد كل ما بات معلوما ومعروفا عما يحمله كيري..وتصريحات الرئيس عباس الاعلامية الأخيرة وخاصة حول امكانية تمديد زمن التفاوض واستبدال قوات بقوات وقبول الحل الانتقالي وما كان من كلام مع طلبة يهود اثارت ما اثارت..
لكن المسؤولة الأميركية لم تحتمل تلك المحاولة التهديدية “البريئة” لكبير مفاوضي فتح، فارادت قطع الطريق على استخدام الكلام للتهديد حتى لو كانت تهديدات فشنك 100%، وهي التي انتقدت تصريحات عريقات عن تهديد مستقبلي قد لا يرى النور مع هذه القيادة ابدا، تتجاهل أن اهم قوى المقاطعة لدولة الكيان ومؤسساتها تأت من بلدان غربية ومؤسسات اميركية وبريطانية واوربية، والتجاوب الفلسطيني والعربي معها لازال في مرحلة خجولة جدا، وقد لا ترتقي لأن تقارب ولو من بعيد تلك الحملة الأميركية الشعبية والاوربية لمقاطعة دولة الكيان..ولأن خارجية امريكا لا تجرؤ انتقاد تلك المؤسسات لكنها تستطيع وبيسر شديد ان تقول ما تريد ضد بعض اطراف فلسطينية، تعلم أنهم لن يمتلكوا الشجاعة للرد عليها، بل وربما يرقصون فرحا بتلك الملاحظات علها تكون “وسيلة خداع” لتحسين موقفهم بعد هذا “النقد الاميركي”..
لا نعلم هل لازال فريق التفاوض الفلسطيني مصرا على عدم رؤية الحقيقة بأن اطار واشنطن، لم يعد ملائما ولا مناسبا لكي يمكن التعامل معه، وهو ليس أفكارا قاصرة فقط، كما وصفتها حنان عشراوي، بل هي افكار معادية وتصفوية للقضية الفلسطينية، والاستمرار بالتعاطي بها ومعها يسجل خسائر سياسية جوهرية، خاصة وأن هناك فرصة سياسية مناسبة جدا توفرها “القفزة الروسية” السياسية نحو المنطقة والعالم..
فروسيا اليوم، ليست هي تلك التي كانت قبل ما يزيد على 20 عاما، بل ليست هي التي كانت قبل عامين أو عام، فمنذ اللحظة التي تمكنت بها من كسر شوكة المشروع الأميركي في سوريا، كان يجب أن تقفز القيادة الرسمية الفلسطينية الى التقاط تلك اللحظة التاريخية، وتعيد برمجة جدولها الوطني ومسارها السياسي على ضوء تلك اللحظة الفاصلة سياسيا في المنطقة..رسالة اعلنتها موسكو أن المنطقة لم تعد حكرا اميريكا ولن تكون بعد اليوم مرتعا للعبث الأميركي..ولكن البعض الرسمي الفلسطيني لا زال لا يرى بدء حركة “الطلاق الاحتكاري” مع واشنطن، وبداية نهضة سياسية جديدة، ويصر البعض على أن أمريكا صاحبة الملف العام بنسبة 99.999999%، بما يفوق النظرية البائسة” للرئيس المصري الراحل انور السادات..
وكي لا يبقى ذلك البعض الفلسطيني غارقا في “سواده” وخوفه الخاص، نشير أن الفرصة لا تزال متاحة للهروب من “نفق الظلامية السياسية الأميركية”، مع استمرار الهجوم الروسي نحو المنطقة، والزيارة التاريخية للمشير السيسي والوزير المصري نبيل فهمي الى موسكو، وعقد مؤتمر روسي خليجي وتصريحات لافروف بخصوص قدرة روسيا على عقد مؤتمر خاص لبحث العلاقة بين دول الخليج العربية وايران لتصويب العلاقة المرتبكة – الملتبسة، والقدرة الروسية التي يراها كل صاحب عقل ومالك عين في تحديد مسار الملف السوري، هي مؤشرات تقول أن المصلحة الوطنية الفلسطينية تفرض تصويبا لمسار “الانحشار الذاتي” في الخندق الأميركي، خاصة وأن مشروع اميركا بات واضحا جدا..لا دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة، ولا تنفيذا لقرار الأمم المتحدة الخاص باللاجئين 194، ولا انسحاب اسرائيلي كامل لا قواتا ولا مستوطنين، ولا أمن فلسطيني خاص، ولا علاقة بين الضفة والقطاع وأن المطلوب حل انتقالي جديد..و”يهودية دولة اسرائيل” شرط لأي اتفاق قادم..تلك عناوين بارزة وواضحة في مشروع أميركا..فلما الانتظار، بعد ان ظهر أن هناك فرصة وقدرة للكف عن اهدار وقت الشعب الفلسطيني..والعودة لشن الهجوم السياسي نحو العالم ليس لفرض المقاطعة لدولة الكيان وملاحقتها فحسب، بل لتعزيز مكانة “دولة فلسطين” على طريق تحريرها!
الطريق سالكة جدا..فقط تنتظر قرار القيادة الرسمية صاحبة القرار الشرعي لا غير!
ملاحظة: صمت قيادة فتح على تصريحات أحد مسؤوليها بخصوص اعتراف الرئيس عباس بـ”يهودية اسرائيل” سمح للاعلام الاسرائيلي استغلاله خير استغلال.. يبدو أن اعلام فتح مشغول بحماس والتجنح الفتحاوي أكثر!
تنويه خاص: اعلنت مصادر فتحاوي أنها تمتلك “وثائق” لاتصالات حماس باسرائيل وهنية بنتنياهو..طيب ليش ما تنشروها بدلا من الحكي..و”المية بتكذب الغطاس” بعد ما نفت حماس!