بقلم : حسـن عصفور
في الآونة الأخيرة أخذت بعض المصطلحات في التردد بطريقة ملفتة للانتباه ولعل مصطلحات كالإصلاح.. الإرهاب.. التغيير.. والوقت المناسب، من بين أكثر المصطلحات التي سمعتها وقرأت عنها في الآونة الأخيرة داخل المجتمع الفلسطيني.
ولفت انتباهي أثناء الحوار الداخلي أو مع بعض وسائل الإعلام ونحن نتبادل وجهات النظر فيما يواجه شعبنا من واقع احتلالي أو وضع سياسي داخلي أو رؤية لابد منها أن البعض يسألك: وهل هذا هو الوقت المناسب ؟! ولعل هذا التعبير هو الصيغة العصرية لمقولة تم بناء مستقبل أمة عليها مقولة \”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة\”.
لا شك أن الاستخدام لمقولتي \”الوقت المناسب\” أو \”لا صوت فوق صوت المعركة\” نجد في طيات بعض مردديه حسن نية وإحساساً بالمخاطر، ولكن كلنا نعرف أن النوايا الطيبة والمشاعر النبيلة لا يمكن لها أن تحرر وطناً أو تعيد بناء دول أو ترتقي بأمم، فشرط كل ذلك يأتي في نهايتها \”النوايا الطيبة والمشاعر النبيلة\”.
ولكن في المقابل، فإن القوة النافذة لهذه المقولات لها أهداف لا علاقة لها بنوايا الفئة الطيبة وأن الهدف الحقيقي من طرح مثل هذه المقولات هو ليس إلا:
* مصادرة حرية التفكير والرأي وبالتالي مساهمة التعبير عن رؤية مختلفة فيما يجري.
* مصادرة القيم السياسية التي تشكل أداة وتحريك لما هو ساكن.
* مصادرة القدرة على إمكانية الفعل التطويري الشامل.
* الاستمرار في تكريس الواقع بما له وإلغاء ما عليه.
* الحرمان من تخطئة ما قيل من قبل أصحاب تلك المقولات..
ويمكن أن نعدد كثيراً مما يكمن في بواعث استخدام مثل هذه المقولات التي لم تجن لأمتنا وشعوبها وبلدانها سوى استمرار الهيمنة الاستعمارية الشاملة على بلادنا، وتوسع رقعة العدوان الاستعماري الاحتلالي لأوطاننا تجاوزت فلسطين التاريخية بما رافقها من أشكال للإرهاب المنظم أميركياً – إسرائيلياً وانعكاس ذلك على انحطاط سياسي، اقتصادي، أخلاقي، ثقافي، قيمي وروحي ربما لم تشهد له الأمة مثيلاً. بحيث أصبح الإنسان مفتقداً للكثير مما يجب توفره لكي يشعر أن الأوطان هي لشعوبها.. ولربما أن الانتماء لدولنا أخذ يتجه اتجاهاً آخر…
ماذا يعني الوقت المناسب ؟! وحول أية قضية أو قضايا يصبح الوقت غير مناسب وكيف تم ابتكار هذا الإصطلاح الذي يشكل أحد تعابير \”الإرهاب الفكري\”.
إن \”الوقت غير المناسب\” لأصحاب هذه المقولة هو \”الوقت المناسب\” لاستمرار سير الأمور كما هي دون اعتراض أو تعارض بعيداً عن النقد أو المواجهة أو التعبير عن مفهوم مغاير.
إن \”الوقت غير المناسب\” لفئة ما هو الوقت المناسب لاستمرار جملة من الأخطاء الخطيرة على مستقبل الوطن والشعب والأمة…
إن النقاش الوطني حول مجمل القضايا: سياسية، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية وفكرية وغيرها من المواضيع التي تؤثر على مستقبلنا ومستقبل بلادنا.. فالنقاش أو \”الجدل الوطني\” هو ضرورة لا بد منها لأن طريق البناء/التطوير أو التغيير يمر عبر هذه البوابة التي يحاول البعض إغلاقها لتبقى حالنا \”لا تسر عدواً ولا حبيباً\”.
كيف يمكن تكوين جيل يمكن له أن يصبح جيلاً للقيادة، وهل نستطيع أن نكتشف قادة المستقبل أو بناءهم دون أن يدركوا أولى مقدمات القيادة، والقيادة هنا ليس السياسية فقط.. هل مطلوب تكريس مقولة أنه \”لا يوجد بديل في الوقت الراهن\” هي \”البديل المناسب\” ، هل حرمان الشباب وجيل الوسط في بلادنا من القدرة الشمولية على المساهمة في متابعة الرؤى الفكرية ـ السياسية والمساهمة في بلورتها أو تطويرها أو المساهمة في خلقها ضرورة لاستمرار \”الوضع القائم\”.. وهل يدرك أصحاب \”الوقت غير المناسب\” أنه لا يمكن تقديم خدمة أفضل إلا بإجراءات تساهم في خلق ما هو قادر على تقديم الأفضل.. فالحركة كما يقال في قرانا هي البركة.. فهل البركة تصبح حراماً في بلادنا كما يحاول الكثيرون أن يحرموا علينا الإمكانية في \”الاجتهاد\” مهما كان شكل و طبيعة هذا الاجتهاد.. إن حركة \”التنوير\” في منطقتنا قيل عنها وحوربت أيضاً بمقولة \”الوقت غير مناسب\” وكل ما يخالف ما هو قائم بشكل غير ديمقراطي أو بشكل استبدادي يشكل عملاً غير مناسب في وقت غير مناسب.
ولكن النتيجة الفعلية لتلك المقولة الهزلية هي أننا لا يمكن لنا أن نحصل على \”شيء مناسب\” اللهم إلا إذا اعتبر أصحاب هذه المقولة بأن استمرار الركود هو \”الفعل المناسب\”.
ولكن الحقيقة التي يجب ألا تغيب هي أن الفعل المناسب هو الاستمرار في العمل لإحداث التغيير لكل ما هو مناسب حتى لا نرى مكاناً أو زماناً نسمع فيه مثل هذه المقولات والأفعال غير المناسبة.. فالديمقراطية الحقة لا مكان فيها لتلك المقولات.. فالأوقات كلها مناسبة للفعل وتقديم الرؤى والبرامج لإحداث الجدل الضروري لعدم الركود أو السكون، وهكذا انطلقت شعوب من الظلام الى حركة نهضوية شاملة، في حين انحدرت شعوب من النهضوية إلى ظلام دامس في كل ما يحيط بنا…
إن الوقت المناسب للعمل المناسب حتى يحدث التغيير والتطوير المناسب في كل ما يستحق ذلك…
ملاحظة: الوقت المناسب لن يأتي أبداً..لأنه يعني السكون، والحياة اذا سكنت ماتت…
14 تشرين الأول 2004