كتب حسن عصفور/ سيكون يوم 21 ابريل من عام 2014 محطة سياسية خطيرة على طريق \”تهويد القدس\” ومصادرتها لصالح المخطط الصهيوني، إذ قررت محكمة أميركية، أنه من حق كل مولود في القدس ان يسجل البلد على أنها \”اسرائيل\”، خطوة هي الأولى منذ قيام دولة الكيان عام 1948، حيث رفض كل رؤوساء أميركا منذ ذلك الوقت، ومعهم غالبية العالم الاعتراف باحتلال اسرائيل للقدس الغربية ثم احتلالها للقدس الشرقية، وأدان العالم قيام حكومة الكيان بالاعلان عن ضم القدس لها، واعتبارها عاصمة لها..
لكن الحدث الخطير جدا، على مستقبل مدينة القدس بقرار المحكمة الأميركية يفتح الطريق واسعا لاعتبار مدينة القدس جزءا من دولة الكيان، ثم الاعتراف بها عاصمة \”ابدية\” لها، خطوة يمكن اعتبارها أحد أخطر النكسات السياسية التي تتعرض لها فلسطين، التاريخ والحاضر والمستقبل، وهو قرار تمهيدي لـ\”تهويد المدينة المقدسة\”، ومنح الحركة الصهوينة الفرصة كاملة للبدء في بناء مشروعهم الذي يحلمون به ويخططون له منذ سنوات طويلة، لاقامة ما يسمونه \”هيكل سليمان\” على حساب \”المسجد الأقصى\” وكنيسة القيامة\”..
القرار \”القضائي\” الأميركي قام بخرق كل \”المسكنات السياسية\” التي سارت عليها واشنطن منذ العام 1948، بعدم المساس بوضع القدس نظرا لحساسيتها وما يمكن أن ينتج عن ذلك من رد فعل عربي واسلامي بل ومسيحي ايضا، قد تقلب حال المنطقة من حال الى حال، وتفتح بابا لا يقف عن المساس بمصالح دولة الكيان فحسب، بل سيطال المصالح الأميركية ذاتها، وهي المسألة التي لا تتنازل عنها امريكا، ولكن ما حدث يوم 21 ابريل ( نيسان) تجاوز كل \”الخطوط بكل ألوانها القزحية\”، وأعلن استهتارا لا مثيل له بالعالم العربي أولا وأهل فلسطين وقيادتهم \”المستكينة\” ثانيا، بل هو تحد للعالم والشرعية الدولية التي أقرت قبل اشهر فقط حدود دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية..
الفضيحة الكبرى، ان القرار القضائي الأميركي تم اعلانه وتمر الساعات وتعقد اجتماعات فلسطينية، بينها اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح، والتي تعتبر ذاتها القيادة الفعلية للشعب الفلسطيني، ولم نجد كلمة واحدة، ولو عابرة عن تلك الخطوة الأميركية الأخطر ضد القدس ومستقبلها، قيادة فلسطينية غابت كليا وكل مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية عن ادراك خطر تلك الخطوة الأميركية، وكأن ما حدث لا يمت بصلة لعاصمة فلسطين، او للمدينة الأقدس في تاريخ فلسطين ومستقبلها، وليس مسا بالمنطقة التي من أجلها دفع الزعيم الخالد ياسر عرفات حياته ثمنا من أجلها، لرفضه كليا الاعتراف بحق \”يهودي\” في قدس الاقداس..
أن تلتقي قيادة فتح، ولا تجد وقتا لمناقشة مخاطر تلك الخطوة الكارثية، في حين تجد لها وقتا لبحث قضايا هامشية جدا، فتلك مصيبة المصائب، وأن تصمت القيادة الفلسطينية عن ما قامت به المحكمة الأميركية هو مساهمة عملية في تمرير المخطط الأميركي لتهويد القدس من بوابة \”قضائية\”..وسيكون لذلك لاحقا ترجمة سياسية عبر أكثر من مظهر، يؤدي في النهاية الى اعتبار القدس عاصمة دولة الكيان، ليسجل \”هزيمة تاريخية\” للموقف الفلسطيني والعربي مقابل \”نصر تاريخي للصهيونية\” وحركتها..
لا نريد من الفصائل والقوى أن تحرق الأخضر واليابس، كما تهدد ليل نهار لو اصيبت القدس بخطر، ولا نريد للوزير \”التقي – النقي الشفاف والحساس\”، والذي جافه النوم لأن ضميره أصيب بـ\”وخزة\” نتيجة مقتل مسؤول اسرائيلي بيد فلسطينية، ان يناشد من يناشد لكي يهبوا للدفاع عن القدس والمقدسات، لا نريد لحماس وفتح أن يتسابقا من اجل قيادة مشروع \”المقاومة سلمية كانت أم مسلحة\” للرد على تلك الخطوة الأخطر على مستقبل القدس، ولا نريد أن يدعو الرئيس محمود عباس لعقد أي لقاء قمة لبحث تلك الخطوة الكارثية، كون أهل القمم دوما يختبئون خلف عبارة نحن مع ما يريده شعب فلسطين وقيادته..
ما نريده اذا كانت قضية القدس لا تزال ضمن اهتمامكم أن تبادروا، وفورا باعلان أن الخطوة الأميركية هي خطوة \”غير شرعية وتشكل خطرا سياسيا\”، ويجب التراجع عنها الآن قبل الغد، وتمنح أمريكا مهلة زمنية محدودة ليعلن البيت البيض رفضه لتلك الخطوة، على طريق عدم التعامل معها، واعلانه التسمك باعتبار القدس ليست ضمن دولة الكيان، ودون ذلك تعلن قيادة فلسطين أنها تنسحب من كل أشكال التفاوض، وانها قررت العودة الى تنفيذ قرار الأمم المتحدة الخاص بدولة فلسطين، وعاصمتها القدس العربية المحتلة، وأن تبدا باتخاذ الاجراءات السياسية الكفيلة لتعزيز ذلك القرار..بما فيها تغيير الطبيعة القانونية – السياسية للواقع في الضفة والقطاع ضمن دولة فلسطين بكل ما يترتب عليه من مسؤوليات وخطوات تتفق مع ذلك القرار..
وأن تبدأ القيادة الفلسطينية وضع خطة سياسية شاملة للمرحلة المقبلة لعرضها على المجلس المركزي المقبل، لتكون ردا استراتيجيا حقيقيا على مخطط أميركا لتهويد القدس ومصادرتها..وعناصر تلك الخطة معلومة لكنها تنتظر ارادة وقرار سياسي كي تصبح فاعلة..
وبالقطع لا يمكن النصح بأن \”المواجهة الشعبية الشاملة\” ستغيب عن تلك الخطة لأنها أداة تنفيذية رئيسية لكسر ذلك الجبروت الذي اعتقد ان المشهد قد ساد له نتيجة انكسار حال الرأس الفلسطيني المهيمن على القرار الوطني..
ملاحظة: تبدأ اليوم رحلة مكالمة جديدة بمسمى انهاء الانقسام..مؤشرات ليست سيئة تطل..خاصة وأن طرفي الأزمة مأزومين ايضا!
تنويه خاص: لم نسمع يوما عن مهزلة كلامية وتصريحات لا صلة لواحد بالاخر كما يحدث من مسؤولين فتحاويين حلو ما يسمى \”حل السلطة وتفكيكها\”..مشهد كوميدي نادر..وله محطة حسابية أخرى لاحقة!