بقلم : حسن عصفور
منذ انعقاد قمة دمشق بين ايران وسورية وحلفائهما وتحديداً حزب الله وحركة حماس، ويلاحظ ان بعض القضايا السياسية، تتجه نحو تصعيد ملموس من الطرفين خصوصا ساحتي لبنان وفلسطين بطريقة مبالغ فيها، بل وتخرج عن سياق المالوف السياسي، لكل منهما، على الاقل من اجل الظهور، بمظهر الحرص الوطني العام، والاختفاء خلف رصيد سابق، جعل من حالة التعاطف الجماهيري في الوضع العربي، مظهراً هاماً من حزب الله خصوصاً، بعد عدوان اسرائيل العام الماضي، والذي جعل من حزب الله وامينه العام، حاضرا في الذاكرة الراهنة للانسان العربي .. وايضا، حركة حماس تمكنت من ان تجد لها مكانة هي الاخرى، من خلال الظهور كـ \”حركة مقاومة\” ضد اسرائيل ومستفيدة من العمليات العسكرية داخل اسرائيل، والتي تصل بالعاطفة العربية الى حد النشوة، تعبيرا عن الكراهية لاميركا واسرائيل، وعدوانها المتواصل ضد الامة، وشعوبها وهو تعبير عن عطش فعلي لمقاومة الغطرسة الاميركية الصهيونية، بحيث لا يستطيع المواطن، والمثقف او السياسي المعارض لانظمة الحكم العربية، ان يميز بين ما هي الدوافع الحقيقة، لفعل هذا وذاك، ولماذا يتم استخدامها لاغراض غير تلك الاغراض العامة، للوطن … لا تمييز، لأن حجم الكبت السياسي والكراهية للسياسة العدوانية، يفوق في احيان كثيرة، لحظة التفكير الواقعي .. وتسود نظرية من يقتل \”عدوس فهو صديقي\” .. بعيداً عن السبب والهدف … وتلك المفاهيم التي اختفى وراءها البعض لتمرير اهداف ذات ابعاد، غير تلك الابعاد المعلنة.
والايام، لا تحتاج دائما لزمن طويل لاظهار زيف وكذب بعض المظاهر، المستخدمة لاغراض اخرى.
ومنذ قمة دمشق الاخيرة للتحالف السوري الايراني، الذي لم يعد من سر له، والاحداث في لبنان وفلسطين تتصاعد، بشكل غير محسوب، بل انها تتسارع بطريقة مفتعلة، ولا تقيم وزناً للقوى السياسية الاخرى او حتى للظروف المحيطة .
ففي لبنان، وبشكل غير مسبوق وخارج عن المألوف، شن امين عام حزب الله حسن نصر الله، هجوماً سياسياً حاداً على الحكومة اللبنانية، وتحالف 14 آذار في ظل الحديث عن لقاءات سياسية، للبحث عن حل للازمة اللبنانية، وجاء الخطاب في شكله ومضمونه، مخالفا للسياق العام للتطورات خاصة بعد لقاء باريس، والحضور الفرنسي المتلاحق من مبعوث الى وزير … ولكن وفي \”الاتجاه المعاكس\”، اتجه السيد حسن نصر الله، ولأن الامور باتت اكثر من واضحة، فإن اغلب المحللين السياسيين، اشاروا الى ان ذلك هو جزء من الخطة المتفق عليها في \”قمة دمشق\” والمهام الموكلة لاطرافها المختلفة، الى حين الوصول الى وضوح عام بين الولايات المتحدة وكل من ايران وسورية، اما \”حلاً سياسياً او حلاً عسكرياً\” ذلك ما أرادوه فى قمة دمشق ..
وفي ذات السياق، تقوم حركة حماس، بالاستمرار في تكريس وجودها \”المؤسساتي\” وبناء \”نظامها\” الخاص في قطاع غزة، دون الالتفات للتهم التي تقال هنا وهناك، لأن المسألة لا جدوى منها، ولم يعد ملائماً، الاختباء من \”كشف المستور \” .. فكانت مقابلة خالد مشعل، والتي اعترف فيها للمرة الاولى، بان ما قامت به \”حماس\”، لم يكن حركة عفوية او مصادفة، بل هي خطة متكاملة متفق عليها، من اجل ترسيخ حكم \”حماس\” … ولا شك ان هذا الاعتراف، لا يضيف شيئاً لابناء الشعب الفلسطيني، وانما هو رسالة الى بعض العرب، الذين اعتقدوا فعلا، ان \”حماس\” اضطرت الى فعل ذلك .. والمعلوم عند اهلنا، منذ اكثر من عام .. ان ايران ودمشق، تشهد تدريبات عسكرية خاصة ومتطورة، لعشرات المئات من ابناء \”حماس\”، مع توفير التمويل بمئات ملايين الدولارات، ولم يكن بها سر الا لمن اراد ان يخدع نفسه .. فاعتراف مشعل، هو الغاء للرواية الحمساوية السابقة بالكامل، بانهم لم يهدفوا الى ذلك .. ولكنهم وجدوها .. فهل يتعففوا عنها ..
ان المناسبة الآن ليس لكشف رواية \”حماس\” في الانقلاب .. وانما لماذا اعلن مشعل الاعتراف، بعد قمة دمشق بهذا الوضوح، خاصة وان جرائم \”حماس\” ضد حركة فتح وابنائها تصاعدت بشكل غير مسبوق منذ قمة دمشق، في سياق متفق عليه بين اطراف التحالف، وكان الهدف الذي كلفت به حركة حماس، ضرورة الضغط بكل السبل، وملاحقة حركة فتح في قطاع غزة، حتى لو ادى الى ارتكاب جرائم جديدة.
فغزة محاصرة في الظروف الحالية، وقادة \”حماس\” محاصرون بين دول المحور المذكور، لذلك فالتصعيد ضد \”فتح\” في قطاع غزة، قد يكون رسالة تهديد ليس من \”حماس\” وحدها، بل من اطراف \”دول المحور\” لـ \”فتح\” والمنظمة، في رسالة تهديد سياسي، واضحة، ولعل كتابات \”عزمى بشارة\” الاخيرة تشير بوضوح الى ما هي مخططات هذا المحور ..
ان التصعيد المتزامن من طرف تحالف دمشق ــ طهران، هو جز من خطة متفق عليها، تحتاج في ساحتنا الفلسطينية ادراك مخاطرها وصياغة سبل مواجهتها، وهنا الرئيس والحكومة يتحملان مسؤولية ذلك.
31 تموز 2007