بقلـم: حسن عصفور
بعيداً عن الـمسميات التي أخذت وقتاً طويلاً من البحث، بعد هزيمة الأمة عام 1967، نكسة، هزيمة، فضيحة.. إلى غير ذلك، بعيداً عن كل ذلك فإن الواقع قد جسد هزيمة ثقيلة للأمة العربية، وبالتحديد لروحها الكفاحية وكرامتها الوطنية، إلى جانب احتلال أراضٍ عربية، ما زال غالبها محتلاً بشكل أو بآخر عدا الأراضي الـمصرية، التي عادت وفقاً لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
ومع تلك الهزيمة، فإن انطلاقة حركة الـمقاومة الفلسطينية في حلتها الثانية، بعد كانون الثاني 1965، جاءت لتعطي بعداً يحد من حجم الهزيمة السياسية والعسكرية، تزامن معها استعداد مصري حقيقي لخوض معركة عسكرية، بدأت بما عرف في حينه، بحرب الاستنزاف، إلى أن وصلت إلى حرب أكتوبر العام 1973، وكانت الـمقاومة الفلسطينية التي تطورت في فعلها لتصبح ثورة تجسد في كيان منظمة التحريرالفلسطينية، التي جاءت ذكرى تأسيسها قبل عدة أيام (28 أيار) ببرنامج سياسي متحرك منذ البداية، فالثورة كانت بداية الرد على الهزيمة، أدخلت اعتزازاً عربياً لا حدود له بحركة الشعب الفلسطيني الثورية والتي معها تمت إعادة الاعتبار للحضور الوطني للشعب الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتأكيد، فان الثورة الفلسطينية الـمعاصرة، كانت ابرز فعل استراتيجي عربي، رداً على الهزيمة، تمكنت من توحيد حركة الأمة حولها، وقطعت الطريق، على استغلال إسرائيل للهزيمة، كما خططت لها الإدارة الأميركية وإسرائيل، وبعض من العرب في حينه… تلك القيمة الإستراتيجية، يحاول البعض في الداخل الفلسطيني، وحولنا العربي، تجاهلها والقفز عنها، لحسابات سياسية صغيرة، إلا أن التاريخ لن يحذف ذلك الفعل السياسي الاستراتيجي، الذي حد من أبعاد الهزيمة، بناء على رغبة هذا الطرف أو ذاك.
ومن هذه الانطلاقة، تمت إعادة إحياء روح الكفاح في الـمواجهة، بتداخل مع الفعل العسكري الـمصري، ليقطع الطريق على أعداء الأمة من إهانتها.
وما يدعو للسخرية، إن بعض ممن يحاول فتح النار بمناسبة أربعين عاماً على حزيران 1967 لا يتذكر إلا فعل الهزيمة، وكأنهم يريدون تكريس حالة انكسار الأمة في ذلك الحين، ومحاولة تعويض جزء مما خسرته إسرائيل وأميركا نتيجة الرد الاستراتيجي على منطق الهزيمة… نعم هزمت الأمة واحتلت الأرض العربية والفلسطينية، ولكن الرد الاستراتيجي جاء من تلك الهزيمة، بل لولا تلك الهزيمة لـما تمكنت الحركة الوطنية الفلسطينية من الظهور والبروز والحضور، كما حدث لاحقاً، لأنها الطرف الذي لـم يحسب له حساب حقيقي في الـمعادلة الإقليمية والدولية آنذاك، رغم حضور \”فتح\” العسكري الحديث… إن محاكمة الهزيمة من البعض اليوم، لا يجب إن تكون من بعد الانكسار فقط، فهذه حقيقة حدثت، ولكن الأهم، هو ماذا بعد الهزيمة، ولعل الضرورة السياسية تقول، كيف لنا أن نقطع الطريق على تكرار هزيمة إستراتيجية جديدة، يكون ضررها أكثر شدة وعصفاً بواقعنا العربي… سواء على الصعيد الوطني لكل بلد من بلداننا أو على مجمل الواقع الإقليمي، والـمعطيات السياسية القائمة، وطبيعة التآمر وأدواته وأشكاله التي تباينت عن شكل مؤامرة ــ عدوان العام 1967 وخاصة استخدام مظاهر الفتن الطائفية، القومية والسياسية إلى جانب التفتت الإقليمي الغريب في منطقتنا، بحيث لـم يعد بالإمكان أن تتوافق دولتين عربيتين على شيء، لفترة زمنية معقولة، حتى التفاهم السياسي والذي اعتقدنا انه سيشكل مركزاً للثقل العربي، لـم يستمر طويلاً، بل انه في طريقه إلى الضمور، وعودة \”صغار الأمة\” للظهور وإثارة الفتن، وزرع روح الهزيمة، باسم الشفافية، حتى يفقد الإنسان العربي الأمل في الـمقاومة والـمواجهة ضد مشروع استعماري مهما كانت مسمياته، سواء أكان من أميركا وإسرائيل أم من دول إقليمية مجاورة… فالـمؤامرة على الأمة في هذه الآونة، اكبر خطورة من نكسة 1967 لأن أدوات الـمواجهة أكثر بهتاناً مما كانت عليه آنذاك.
إن \”النكسة\” الراهنة التي تعيشها الأمة أكثر شمولية، لأنها تطال الوعي والسلوك إلى جانب السيطرة على مقاليد الحكم مترافقة مع نشر كل أشكال الفتن والتي سقط بها الكثيرون في امتنا… ومع شمولية النكسة الراهنة، فان الوضع الفلسطيني وما نتج عنه من \”تقاتل\” يحاول كل طرف فيه أن يبرر لـماذا فعل، وليس قطع الطريق على تكرار الفعل.. يساهم في تعميق النكسة السياسية في الواقع العربي، الذي باتت أدوات إعلام ناجحة مهنياً هي ذاتها أدوات هدم حضور أمة…
ليس مطلوباً تكرار مشاهد الهزيمة، بل علينا أن لا نأسر ذاتنا داخلها… لا بد من الانعتاق بأدوات قادرة على التقدم وليس إغراق الأمة بجهد سياسي يكرس الهزيمة والعار… أدوات الفعل الوطني في بلادنا متوفرة، وعليها ألا تخضع لهجوم عدواني مبرمج ومخادع وضلالي..
5 حزيران 2007