بقلـم: حسن عصفور
يوماً بعد آخر، تشير الأحداث الجارية في الضفة الغربية والقطاع إلى إن الـمشروع الإسرائيلي يحقق أهدافه، بأقل تكلفة متوقعة وأرخص بكثير من أية مواجهة سابقة ضد أي قرية أو مخيم في فلسطين الـمحتلة، فالحديث الآن عن \”الـمشروع الوطني\” لـم يعد سوى جملة في بيان سياسي أو بلاغ ما، أو ربما يخطئ متحدث إعلامي لفصيل ما، بالكلام عن \”الـمشروع الوطني\” أو الأهداف الـمشروعة للشعب الفلسطيني.
ولو أراد البعض الـمهتم بالبحث عن \”الغرائب\” العودة للقراءة في بيانات سياسية فلسطينية أو متحدثي الفصائل، لوجد أن الـمشاكل الداخلية ــ الداخلية تسيطر سيطرة شبه كاملة على مجمل النصوص، وإن كان هناك خروج عن \”النص\” فإنه يكون باستخدام الـمقولات الوطنية العامة لخدمة \”الأهداف الخاصة\” للفصيل هنا أو هناك، حالة من الـمأساة السياسية التي لن تجلب نصراً لأحد، ولن تجلب كسباً لوطن، وستنتج أشكالاً جديدة من \”الكانتونات\” الخاصة تحت السيطرة الإسرائيلية مهما حاول البعض الكذب والخداع وتصوير الأمر على غير واقعه.
ولو أراد الإنسان أن يمر مروراً دون انحياز سياسي أو فكري ويكتفي بالرصد؛ فسيرى أن الدور الذاتي في تكريس الـمشروع الإسرائيلي، هو نتاج موضوعي للتطورات التي شهدتها فلسطين منذ \”انتخابات 2006\”، وهي الانتخابات التي اعترفت واشنطن وإسرائيل، وكذلك قادة حماس بأن هدفها الأساسي كان إحضار حركة حماس للنظام السياسي الفلسطيني، وقد أثبتت مجمل التطورات اللاحقة لهذه \”الانتخابات الديمقراطية، أنها كانت التجربة الأميركية الأنجح لتحقيق دعوتهم بانتشار \”الفوضى الخلاقة\” مع تزاوج مع الفكرة الإسرائيلية التاريخية، بإلغاء الوحدة السياسية والوطنية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، التي كرسها النضال التحرري والكفاحي الفلسطيني منذ الاحتلال العام 1967 إلى أن اعترفت به إسرائيل قانونياً وسياسياً في \”اتفاقية أوسلو\” التي أكدت نصاً صريحاً واضحاً لا غبار عليه مفاده \”أن الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة\”.
هذه الوحدة التي كانت الاساس السياسي لقيام السلطة الوطنية رغم قيود الصلاحيات، إلا أنها كانت الاعتراف الإسرائيلي الأول بالكيانية الفلسطينية الـموحدة.
ذلك الأمر الذي لـم يستقم مع الفكرة الإسرائيلية ــ الصهيونية التقليدية، فعملت منذ العام 1995 على محاولة تكسيرها بأفكار جديدة، وحاول شمعون بيريز أن يعيد صياغة فكرة رابين التي حلـم بها حول قطاع غزة، فتقدم بمشروع خداعي، عندما اقترح البدء بإنشاء \”دولة فلسطينية\” تكون في قطاع غزة، كاملة السيادة وبمعابر ومطار وميناء وقوات وكل \”الـمرفقات السيادية\” الخادعة، على أن تكون هناك دراسة جادة لكيفية \”التقاسم الوظيفي \”داخل الضفة الغربية بين إسرائيل ومنظمة التحرير وأيضاً الأردن خاصة في الجانب الـمتعلق بالجانب الديني في مدينة القدس ومنطقة الأغوار والـمعابر هناك.
جاءت تلك الأفكار الإسرائيلية لخلق واقعين سياسيين مختلفين في الضفة والقطاع، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل العام 1967 وإلغاء الاعتراف السياسي ــ القانوني الذي جاء في اتفاقية أوسلو، العام 1993 بوحدة الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عليها.
فبعد أن فشلت إسرائيل في تمرير مشروع \”بيريز\” الخداعي، وبعد وصول الليكود إلى الحكم وإيقاف العمل باستكمال مفاوضات \”الحل الدائم ــ النهائي\”، ومن ثم الخداع الـمشترك الأميركي ــ الإسرائيلي لتمرير \”أكذوبة\” الحل في قمة كامب ديفيد العام2000، ثم اللجوء إلى استخدام \”الحسم العسكري\” الإسرائيلي ضد السلطة وإعادة احتلال الضفة الغربية بالقوة العسكرية وتدمير مقومات البناء السلطة الوطنية، الذي تزامن مع فرض \”نظام سياسي جديد\” بالقوة العسكرية، من خلال تقسيم الصلاحيات القانونية والسياسية في السلطة الوطنية وفقاً للـمشروع الأميركي الجديد ــ الذي دعا إليه جورج بوش في الرابع والعشرين من حزيران العام 2002، تلك الدعوة التي تضمنت موضوعياً، أساس تصفية \”النظام السياسي الفلسطيني\” الذي جاء نتاج حالة كفاحية طويلة، أبرزها الانتفاضة الوطنية الكبرى العام 1987، والتحضير لصياغة سياسية جديدة تعيد الاعتبار لـمشروع شمعون بيريز القديم ــ الذي وجد ضالته لاحقاً في ــ خطة شارون \”فك الارتباط\” بقطاع غزة وإبقائه تحت السيطرة العامة \”الخارجية، واستمرار السيطرة الأمنية الكاملة على الضفة الغربية، مع إعادة الاعتبار لبعض التسهيلات السياسية ولكن دون إعادة للوحدة السياسية بين الضفة والقطاع واقعياً، حتى وإن استمر الحديث بها نظرياً.
والآن وعلى ضوء ما هو قائم، واستناداً لاعتراف إسرائيلي مهم مؤخراً، بأن هناك واقعاً جديداً ينشأ في \”قطاع غزة\” وفق ما نقلته جريدة (هآرتس) يوم 27/7/2008 فإنه \”وبعد ثلاث سنوات على \”فك الارتباط عن غزة\” وخمسة عشر عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو فإن إسرائيل تواجه كياناً فلسطينياً مستقلاً مع مسؤولية أمنية ومدنية كاملة على منطقة متواصلة لا وجود فيها للجنود والـمستوطنين … وأخيراً تضيف الصحيفة \”وجد من يتحمل مسؤولية إدارة غزة من دون محكمة عدل عليا … ومنظمات حقوق الإنسان، كما كان رابين يتمنى …\” وهنا تتساءل (هآرتس) : هل \”إمارة حماستان \”خير أم شر إسرائيل\” بعد أن اقتنع قادة حماس بأن عليهم إعطاء فرصة للتعايش الهادئ\” القصد هنا صفقة التهدئة.
وفي الضفة الغربية، فإن إسرائيل تعطي لبقايا السلطة وظائف مدنية مقلصة في ظل سيطرة أمنية كاملة لها وسيطرة مطلقة على حركة الـمواطنين داخل مدن الضفة وخارجها … في حين أنها تقوم بعملية تهويد واسعة في مدينة القدس.
ذلك هو القائم اليوم: قسمة وطن … تقاسم وظيفي.
فهل ما يحدث راهناً له صلة حقيقية بالـمشروع الوطني الفلسطيني؟! سؤال بعيد عن أية حسبة فصائلية أو حزبية.
04 آب 2008