بقلـم :حسـن عصفور
نجح العرب في قمتهم الأخيرة، في قطع الطريق على قوى الشر السياسي، في أميركا وإسرائيل، من الاختباء وراء مواقف كانت تريدها تلك القوى، حتى تستمر في الـمضي قدماً بسياستها العابثة في الـمنطقة، وغير العابئة بمخاطر استمرار سياسة الغدر السياسي والعدوان والاحتلال التي تمارسها في بلادنا.
حسناً فعلت القمة العربية الأخيرة، من تكريس \”البحث عن السلام\”، كخيار استراتيجي للأمة العربية، وتجديد شباب \”الـمبادرة العربية للسلام\” بوضع آلية تحرك جديدة، حتى نتمكن من إعادة فرض منهج تتهرب منه إسرائيل ومعها الإدارة الأميركية… مع الأمل بأن تكون الآلية الجديدة ليست كالتي سبقت من لجان سباعية وثمانية وتساعية… الخ، لـم تثمر شيئاً جاداً في حينه…
فالآلية الجديدة، يجب أن تستند أولاً: إلى إرادة سياسية فعلية نحو الوصول إلى سلام عادل وشامل، يضع حداً للاحتلال الإسرائيلي، ويعيد ما هو محتل من الأراضي الفلسطينية والعربية ويمهد لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، ويضمن حل قضية اللاجئين وفقاً للقرار 194، باعتبار ذلك أساس السلام الـمستقر للوضع في الـمنطقة العربية…
وثانياً: إلى قوة ضغط شامل بمختلف أشكاله على إسرائيل وأميركا، لإعادة توازن مفقود، هو شرط لا بد منه، إذا ما أردنا تحقيق مضمون الـمبادرة العربية… وأدوات الضغط التي تملكها كثيرة وعديدة، ويمكن استخدامها دون أن تخاف أنظمتنا من مخاطر رد الفعل الأميركي والإسرائيلي، خاصة أن ذلك يأتي في سياق مدار السلام وليس غير ذلك، وفي إطار التوافق الاستراتيجي العربي مع أميركا.
وثالثاً: تقديم الـمغريات السياسية الراهنة واللاحقة التي يمكن لإسرائيل أن تجنيها من جراء ذلك، ليس أقلها اندماجها في إطار \”التعاون الإقليمي\” بكل مكوناته وأشكاله، باشتراط ألا يتم إحداث خلل في عناصر العملية، قبل العبور الجاد نحو الالتزام الإسرائيلي الفعلي بالوصول إلى السلام الشامل… خاصة وأننا ندرك من التجربة أن إسرائيل إذا ما أخذت فإنها تعد بالعطاء وهي لاحقا تحدد شكله وطبيعته! وبالتالي لا بد من وضع مرتكزات واضحة للتبادلية السياسية الـمطلوب إنجازها، ويجب ألا نخضع للنظرية الأميركية، التي تحاول ترويجها، عندما تفشل في الحصول على أي شكل من أشكال الالتزام السياسي من إسرائيل، فلـم يعد سراً، أن الإدارة الأميركية قد حددت بوضوح أنه لن يكون هناك ضغط على إسرائيل تجاه الـمسألة السياسية، وسيتم استبدال الضغط السياسي، بما تسميه الأوساط الأميركية ـ الإسرائيلية بسياسة \”الإقناع اللطيف\” أو بعبارة أخرى \”التدليل الناعم\”، تحت ذرائع ليست جديدة، كالقول إن الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها ضعيف في هذه الفترة، وهو غير قادر على تقديم \”تنازلات\” (لا نعرف عما يتنازلون) في هذه الآونة، أو الدخول في مفاوضات الحل النهائي أو حضور مؤتمر دولي للسلام، أو قمة سياسية \”عشارية\”، أو أي شكل جماعي آخر..
ولكن إسرائيل لديها \”الرغبة الجادة\” لبحث السلام، مع من تختاره هي لبحث السلام، وهي مستعدة لتقديم \”تنازلات مؤلـم\” كأن تلتقي بممثلي بعض الدول العربية، وأن يلتقي أولـمرت مع أبو مازن كل أسبوعين لقاء للحديث عن الاستعداد للإسرائيلي للسلام، ولكن حتى لا يقال أن إسرائيل تخادع العرب فهي تنظر إلى العملية السياسية مشروطة بعدم بحث قضية الحدود وقضية القدس وكذلك موضوع اللاجئين… فالسلام في إسرائيل لا يمر بهذه الـمحطات، باعتبارها مطبات تعطل مسار الحركة الإسرائيلية، ولكنها ستقفز عن هذه الـمعطلات، للدخول في محادثات سلام، تبحث التهدئة الشاملة، وحواجز أقل، واستيطان أقل، واعتقالات واغتيالات أقل، وتحويل أموال فلسطينية من الـمصادرة لديها حسب الرغبة الإسرائيلية، وكما اقترح بعضهم يمكن لإسرائيل أن تزيل \”الغلاف الجمركي\” بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لتكريس الفصل الشاروني ـ الأولـمرتي… في حين أن البنك الدولي يرى بضرورة تخفيف الارتباط الاقتصادي وفتح معبر رفح للتصدير… تلك أسس السلام التي تطرحها إسرائيل في سياق استقبالها لـمبادرة السلام العربية…
ولأن الـمفاوضات لـم تعد ترفاً، يمكن لنا الاكتفاء بالحديث عنه، وأننا نريد السلام الاستراتيجي، فإننا لا بد لنا من قراءة سياسية لهذا العمل السياسي، والذي هو شكل من أشكال \”العنصرية السياسية\” التي تأتي تتويجاً لـما أعلنته بعض الـمراكز الإسرائيلية حول \”جدول العنصرية\” السنوي في إسرائيل، والذي نشر عشية القمة العربية، حيث اتجهنا نحوهم بمبادرة سلام شجاعة.. فكان ردهم بأن (30.7%) من يهود إسرائيل يمتلكون كراهية لسماعهم اللغة العربية أو من يتحدث بها… و(2ر15% ) يعتبرون أن زواج اليهودية بعربي (داخل إسرائيل) خيانة قومية ودينية، وأن (2ر57%) لا يوافقون على الـمسكن في مبنى مشترك مع عربي و(2ر16%) غير مستعدين لأن يكون لهم أصدقاء عرب، فيما يؤيد ( 9ر93%) منهم سحب حق التصويت من الـمواطن العربي، وأن ( 9ر94%) لا يقبل أن يكون مسؤوله في العمل عربيا، في حين يؤيد ( 9ر05%) ضرورة تشجيع العرب على ترك إسرائيل (الطرد الـمهذب)، وأخيراً ( 2ر65%) يعتبرون العرب تهديداً أمنياً وديموغرافياً لإسرائيل..
هذا هو جدول إسرائيل السياسي في الـمرحلة القادمة، وما لـم يدرك العرب أن الـمبادرة السلامية وحدها لا تعني شيئاً لإسرائيل ما لـم يرافقها أدوات قوة ضغط حقيقي وأدوات جذب فعلية..
تلك الـمعادلة التي بها نطرح أفقنا السياسي مقابل جدول عنصريتهم… مع ملاحظة أن أولـمرت يعدنا بمفاجآت \”اللهم احمنا من تلك الـمفاجآت\”.
03 نيسان 2007