بقلم: حسن عصفور
منذ بداية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، كان البعض يتحدث عن اقامة دولتين لشعبين، في حين لم يكن هناك اصلا، دولتان والبعض في كل طرف من طرفي الصراع، كان يطرح دولة واحدة لشعب واحد على حساب الآخر، واستمر الحال، الى بداية حدوث تغير جوهري، في التفكير الفلسطيني، بعد عام 1988 بشكل نهائي، بالدعوة لاقامة دولة فلسطينية مستقلة، الى جانب دولة اسرائيل فوق الاراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 وقبلها كان بداية التحول التدريجي، في البرنامج السياسي الفلسطيني، منذ العام 1974 مع التوافق على النقاط العشر أو ما عرف بالبرنامج المرحلي الفلسطيني، والذي تحدث عن اقامة سلطة وطنيه فلسطينية، فوق اي ارض يتم تحريرها … واخذ المسار بالتطور التدريجي الى ان وصل برنامج السلام الفلسطيني التاريخي عام 1988، والمتوج بالبرنامج القائم على اساس الاعتراف الرسمي بقراري مجلس الامن 242و338 واقامة الدولة الوطنية في حدود عام 1967، مما فتح الطريق، لصعود مكانة منظمة التحرير الفلسطينية عالميا، بشكل صاروخي، كما يقال، تحقق معها مكاسب سياسية، رسخت من مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد (قبل ان تقوم حركة حماس بمحاولة شرخها في انتصار انتخابي مخادع) قادتها الى ان تنجز اتفاقا سياسيا تاريخيا، مع دولة اسرائيل عام 1993، وهو اعلان المبادئ والمعروف باتفاقية اوسلو، حيث اعترفت اسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، مقابل الاعتراف بوجودها كدولة قائمة … والاعتراف هنا له دلالة خاصة .. فاسرائيل دولة قائمة معترف بها قانونا وواقعا من قبل الامم المتحدة، مع مقاطعة عربية (عدا مصر بعد كامب ديفيد) الا انها كانت حقيقة سياسية، تبحث عن الاعتراف الفلسطيني بها، وجاء ذلك في لحظة سياسية خاصة، لم تتكرر منذ لحظتها، فكانت \”الاتفاقية\” اقرب الى التبادلية السياسية منها الى الاملاء السياسي كما يحاول البعض ان يرى بعين واحدة ونصف مريضة ايضا، وفتح \”اعلان المبادئ\” الباب ليس فقط بالاقرار الاسرائيلي والاعتراف بممثل الشعب الفلسطيني الشرعي، بل بقيام اول سلطة وطنية فلسطينية في التاريخ السياسي الفلسطيني، كنواة للدولة الفلسطينية، رغم ان التطورات لاحقا، لم تتم بالشكل المتفق عليه، بسبب تراجع اسرائيل السياسي عن السير والالتزام بجوهر، اتفاق \”اعلان المبادئ \” ووصول الليكود الى الحكم، وعدم الادراك الفلسطيني ان الالتزام بالسلام كان يتطلب التزاما واضحا بوقف العمليات العسكرية التي استمرت بها بعض القوى وخاصة حركة حماس لاجهاض المسار السياسي، وكان التساهل من القيادة السياسية، وخاصة رمزها الخالد ابو عمار سببا في استغلال اسرائيل لها، لتوقف فعليا مسيرة العملية السياسية، (قارنوا مسلك حماس بعد خطف غزة ومسلكها قبل ذلك)، ومع ذلك فان الحقيقة السياسية، التي رسختها منظمة التحرير لن تنتهي كما يعتقد البعض، سواء في اسرائيل او فلسطين، فالكيانية الفلسطينية حقيقة لن تتوقف، حتى ينالها الشعب الفلسطيني وذلك يتطلب جهدا مميزا، ولكن وحتى لا نبقى اسرى بعض المقولات التضليلية ونحن نبحث عن كياننا المستقل، علينا ان لا ننجرف في استخدام مصطلحات سياسية هي لا تعكس الواقع، بين الطرفين الفلسطينى والاسرائيلى … ولعل بعض المقولات التضليلية، المستخدمة دون تمحيص سياسي وفكري، هو شعار \”دولتين لشعبين\” مقولة اخترعها الاميركان لكى يتم التساوي بين طرفين، وهما غير ذلك تماما، وقبلها ايضا، اخترعوا لنا شعار ما زال مستخدما دون تمحيص جاد هو شعار \”الارض مقابل السلام \” … كلا الشعارين خادع .. وسنركز الان، على شعار حل \”دولتين لشعبين\” .. وهو في الواقع يتجاهل ان اسرائيل دولة قائمة لم يعد امامها، عقبة كبيرة حتى في الاعتراف بها، خاصة على ضوء المبادرة العربية للسلام، وقبلها التمثيل الديبلوماسي \”الخجول\” من بعض العرب، الى جانب اعتراف كامل من قبل مصر والاردن .. وطبعا منظمة التحرير … لذلك فالمسألة هنا هي غياب الدولة الفلسطينية والمطلوب اقامتها، وفقا للشرعية الدوليه منذ عام 1947 وحتى اليوم، اى ان الغائب، عن الواقع السياسي هو الدولة الفلسطينيه، لذا فان الحديث عن اقامة \”دولتين لشعبين\” يضعف المقولة الرئيسية، وهي التركيز على اقامة الدولة الفلسطينية وانهاء الاحتلال مقابل الاعتراف باسرائيل، ولكي لا يصبح الشعار اقامة الدولة الفلسطينية هو الحقيقة السياسية، فان اميركا، قامت بعملية تضليلية جديدة، لانهاك الذاكرة السياسية، والمساومة اللامنطقية بين واقع ليس متساويا، فعليا ليس قائما … لان الدولة الفلسطينية هي التي يجب ان تكون وتقوم مع اقامة الدولة الفلسطينية وبعدها فقط، يمكن القول \”دولتين لشعبين\” قد يعتقد البعض اننا لسنا بحاجة، الى تعديل مفاهيم لغوية، في فترة تعيش بها ساحتنا ازمات متتالية، ابرزها ازمة \”خطف غزة\” الا ان العقل السياسي، لا يتوقف، ويبدو انه لن يتوقف، خاصة وان اميركا تعد العدة للقاء واشنطن الخريفي، ومن هنا الى ان نصل، علينا استخدام لغتنا السابقة، قبل المستحدث الاميركي، الدولة الفلسطينية الى جانب دولة اسرائيل … ولننسَ قليلا، المقولة الاميركية، مع الاحترام للرئيس جورج بوش …لانه قلما يتعمق في الشعارات او المقولات السياسية … خاصة تلك التي تتجه لدعم الحالة الفلسطينية.
نقاش سياسي من هذا النوع، لا يمس النقاش اليومي والمستحوذ على كل شيء والخاص بما يحدث في غزة … مع ذلك نحتاج لتعديل المقولة لنواصل فعلنا الوطني الايجابي.
14 آب 2007