كتب حسن عصفور/ لم ينتظر الشعب الفلسطيني من طرفي الأزمة الوطنية، التي امتدت طوال سبع سنوات منذ الانقلاب الأسود، وأدى لخطف قطاع غزة بيد حركة حماس، أن يقدما مبرراتهما لاعادة توقيع ما سبق الاتفاق عليه بعد الانقلاب عام 2007، فالعناوين أكثر وضوحا من أن يتلوها مسببي الكارثة، إذ لم يكن أمام قيادة \”حماس\” مخرج آخر لأزمتها الخاصة جدا، سواء في \”بقايا الوطن\” أو في حضورها الإقليمي، الذي انسخط ليتقوقع في بلدة قطر، بحماية أمنية أميركية خالصة، لمن كان يمنح نفسه ألقابا وأوصافا، تبدأ بالمقاومة وتنتهي بما يفوقها وصفا يقترب من \”القداسة السياسية\”، الى جانب نصائح جاءت من شخصيات حمساوية وصديقة لها وبعض باحثيها من قطاع غزة، أنها لا تملك خيارا لتفادي الكارثة الأكبر التي تنتظرها في القطاع، سوى العودة للاتفاق مع فتح..
ولأن الأزمة مع الشقيقة الكبرى مصر، لم تعد أزمة اغلاق أو فتح معبر لقادة حماس، بل معبر نحو المجهول، إن لم تعيد صياغة علاقاتها بمصر، ولأن ذلك يبدو من الصعوبة راهنا، نتيجة موقف قطر المقرر في توجه منهج حماس السياسي العام إقليميا، وارتباطها العضوي تنظيميا وفكريا بالجماعة الاخوانية، التي باتت منبوذة ومحظورة ليس في مصر فحسب، بل في أكثر من مكان ودولة، لذا بحثت حماس عن \”طريق التفافي\” كي لا تغرق في \”مجهول المستقبل\” مع مصر والإقليم، فلم تجد أمامها سوى \”استخدام معبر فتح السياسي\” عله يشكل لها \”ورقة الانقاذ المؤقت\” لأزمة هي الأخطر التي تواجهها منذ التأسيس، كون كل الطرق لم تعد سالكة للحراك في المنطقة، خلافا لما كان أيام بدايتها السياسية اواخر 1987، حيث وجد بها البعض أداة لمناكفة منظمة التحرير والزعيم الخالد ياسر عرفات..
حماس أجبرت على الرضوخ لما حدث، وهو ما كشفه غياب الرؤية السياسية للتوقيع الجديد، رغم انه جاء في لحظة مفصلية في المشهد السياسي الفلسطيني، لجهة تحديد الرؤية لمرحلة مقبلة، لكنها تجاهلت ذلك في حينه لـ\”تخطف التوقيع\” عله يكون جسرا لعبور مأزقها التاريخي..فيما قيادة حركة فتح، يدرك القاصي والداني أنها فقدت \”البوصلة السياسية\”، فهي لم تعد تعرف حقيقة أين تضع قدمها في الخطوة التالية، اهي مع المفاوضات التي لم تنتج سوى اهانة سياسية لها وللشعب والقضية الوطنية، أم تدير الظهر كليا وتقطع الحبل السري بتلك المفاوضات التي تقول هي بها ما يعجز البعض قوله من اوصاف بلا حصر من العبثية الى المدمرة..
ولأن فتح مصابة بحالة ارتباك سياسي لا مثيل له، فقد وجدت في رضوخ حماس الآني، فرصتها لتحويل مسار النقد العام لسلوكها السياسي ضمن الحلقة التفاوضية الى استثمار لحظة المصالحة كي تبدو في مظهر القائد السياسي العام لمجمل شعب فلسطين، وتجعل من ملف المصالحة غطاء لعجزها عن الجواب للسؤال المطروح رسميا عليها وقيادتها، ماذا بعد انتهاء المدة الزمنية للمفاوضات، فرغم مرور يومين كاملين على ذلك ففتح حتى الآن لم تعلن موقفها من الذي يجب أن تقوم به، ولجأت الى حيلة سياسية تعتقد أنها \”ذكية\” بأن تحمل اسرائيل مسؤولية الفشل ويكرر بعض ناطقيها ذات الكلام الممل جدا، بأن على اسرائيل أن تختار بين السلام أو الاستيطان، رغم ان نتنياهو أعلن خياره صريحا قاطعا بالاستطيان وليس السلام، الا أن قادة فتح يصرون على طرح السؤال الغبي..لأنهم لا يملكون جوابا على ماذا بعد..
المسألة ألان لم تعد بحثا عن مسببات أو ضرورات طرفي الأزمة الانقسامية لتلاقي مصلحتهما الخاصة، مع الرغبة الشعبية العامة بانهاء الانقسام، بل ما يجب معرفته هو اين تريد فتح ان تذهب بالمصالحة، هل الى مسارها التفاوضي وتعليق \”القضية الوطنية\” لأشهر اضافية كما قال الرئيس محمود عباس، أم أنها تنتظر موقفا أميركيا يجسر \”الهوة\” بينها وحكومة الاحتلال..سؤال لا زال عالقا في حلق الحركة المنتشية بـ\”اتفاق غزة\”، ينتظر معجزة لازاحة شوكته..
الا أن الأهم الآن هو موقف حركة \”حماس\”، الذي لم يعد واضحا من القضايا السياسية الجوهرية التي هي مطروحة على الساحة الفلسطينية، حيث تحاول الحركة أن تهرب من التطرق لها، خاصة الملف التفاوضي ومستقبله، وكيف لها أن تتصرف إن استمرت فتح بمسارها وخيارها التفاوضي، اين تكون حماس، هل ستقف مع القوى الرافضة لذلك المسار وتعلن موقفها علانية وبكل شفافية دون الهروب الى نفق الضبابية والغموض، أم تلجأ للتأكيد على تفهمها لسياسة الرئيس محمود عباس انطلاقا من توصية من خارج الحدود..
هل تبحث حماس عن موقف يحمي رأسها في المرحلة المقبلة عبر ارضاء دول بعينها، وتتهرب من الصدام السياسي مع الخيار التفاوضي الذي لا زال قائما حتى تاريخه، وتصبح جزءا من \”مولاة سياسية عائمة\”، أم أنها تأخذ سلوك \”المعارضة الواعية\” ضمن بوتقة الاتفاق لخيار لا يرضى عنه الشعب الفلسطيني، وأن تكون جزءا من \”معارضة وطنية\” لتصويب المسار وليس خطفه لحساب خاص، وأن وجودها ضمن المؤسسة الوطنية العامة يمنحها قوة مضافة للمعارضة الناعمة لخيار تفاوضي لا نود اعادة استخدام أوصافها له قبل اتفاق غزة، لكن ما نريده هو أن لا تفقد بوصلة سياسية لتحديد مسارها، وتختبئ خلف الهروب الغامض ودون تحديد موقف من مجريات الأحداث..
سلوك حماس السياسي منذ توقيع اتفاق غزة، يشير الى أنها تسلك مسارا هروبيا، وكشف خطاب الرئيس عباس امام المجلس المركزي ذلك، عندما رحبت به، رغم ما تضمنه من مواقف تشكل مساسا بالموقف المطلوب لمواجهة خيار دولة الكيان، وتمسكه بتمديد الفترة الانتقالية، وتناوله مسألة \”الاعتراف المتبادل\” دون الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك بات بحاجة ماسة الى تناول جديد بعد الانتصار التاريخي لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وأن على دولة الكيان أن تعيد صياغة موقفها من الاعتراف وفقا لتلك الحقيقة السياسية الجديدة، الى جانب اعتباره \”التنسيق الأمني\” ثابتا لا يمكن المساس به مهما حدث، وهو موقف يفتح الباب لعشرات الأسئلة، حول استمرار التنسيق الذي ارتبط أساسا ضمن الاتفاقات الموقعة بمقابل سياسي، وليس من أجل مكافئات خاصة..
حماس لا تحدد رؤيتها السياسية تجاه قضايا جوهرية، وتكتفي بكلام عام بلا معنى، والمطلوب منها أن تتخلى عن اللغة العائمة، التي تقال في كل زمان، الى تحديد رؤيتها السياسية من القضايا المثارة حاليا، سواء المفاوضات أو مستقبل الكيانية الفلسطينية والخطوات التالية لتعزيزها وطبيعة الانتخابات المقبلة للرئاسة والبرلمان وارتباطها بدولة فلسطين، وصياغة الدستور المؤقت او الاعلان الدستوري..تلك الاسئلة تحتاج لجواب من حماس بصفتها الجديدة كشريك لفتح في تحمل المسؤولية، وإن كان لها رأي آخر، وانها ليست جزءا من مسار مرتبك لتعلن ذلك، أما المراوحة بين لا موالاة ولا معارضة وكأنها \”جنس سياسي ثالث\” فلن يخدهما أولا وبالتأكيد لن يخدم القضية الفلسطينية..
حماس الى أين..سؤال ينتظر جوابه شعب فلسطين داخل الوطن وخارجه..وبالتأكيد قوى وأطراف عدة!
ملاحظة: لماذا تتهرب قيادة فتح من اعلان موقفها من تمديد المفاوضات..لما الهروب غير البناء..بلاش تذاكي على شعب يدرك جيدا أن خداعه لن يمر حتى لو صمت بوعي!
تنويه خاص: في يوم أول ايار- مايو، تحية للقبضة التي أعادت رسم الخريطة السياسية الكونية..فقبضتهم أنتجت ثورة اكتوبر العظمى في روسيا التي قطعت طريق الاستعباد الكوني الذي كان سائدا..قبضة لم تصل بعد لما تستحق لكنها حتما سترتفع يوما أعلى من جلاديها الطبقيين والسياسين!