كتب حسن عصفور/ بعد أن احتلت مكانة مرموقة في مختلف وسائل الاعلام، وأحدثت ما أحدثت من ضجيج سياسي داخل دولة الكيان، ووسط يهود أمريكا وصهاينتها أينما وجدوا، وفي \”بقايا الوطن\” الفلسطيني، خرج وزير الخارجية جون كيري لينفي تصريحات نسبها اليه أحد أشهر المواقع الإخبارية الأميركية\” ديلي بيست\”، والطريف في النفي بأنه اشار الى عدم وصفه \”اسرائيل كدولة عنصرية\”، مقابل تأكيده القول الى امكانية حدوث فوضى عارمة لو لم تلتزم اسرائيل بالتوصل الى \”حل الدولتين\”..
النفي بذاته يمكن اعتباره توضيحا أكثر منه نفيا صريحا، فالموقع الأميركي أكد يوم أمس، أنه حصل على حق تسجيل لقاء كيري، أي ان الحضور والتسجيل هو عمل رسمي سمح به الوزير شخصيا، لذا لا يمكن اعتبار ما تم نشره محاولة لـ\”تشويه شخصية كيري\” أو النيل منه، خاصة وأن النفي لم يتضمن ما نسب لكيري من قول أنه لو تم \”استبدال القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية\” فذلك سيساعد على تحقيق حل سياسي، فيما تجاهل النفي ايضا أنه يملك مشروعا شاملا \”رزمةكاملة\” للحل السياسي سيتقدم بها في الوقت المناسب، دون تحديد ما هو الوقت المناسب وماذا يعني به..
من الصعب اتهام \”الموقع الاميركي\” بقيامه بتحريف تصريحات الوزير كيري وهو الذي اصطحبه لتسجيل الحوار، والكلام المنسوب له لم يصف اسرائيل بأنها الآن \”دولة عنصرية\” بل هو ربط ذلك فيما لو رفضت التوصل الى \”حل دولتين لشعبين\”، وهذا في الحقيقة موقف جزء مهم من داخل \”البيت الاسرائيلي\” ايضا، بل ومن بين صفوف الحركة الصهيونية، وهو لا يشكل موقفا مخترعا لوصف سياسي لما ستكون عليه، رغم أنه قائم منذ زمن الاغتصاب والاحتلال..
لكن ماذا كان الهدف مما قام به الوزير الأميركي لتوجيه تلك الرسائل، والتي يمكن اعتبارها \”هامة وخطيرة أيضا\”، ولماذا اختار لقاءا سمح بتسجيله لاطلاق تلك \”الحملة\” ولم يقل ما قاله ضمن لقاء رسمي أو مؤتمر صحفي أو اي مناسبة أخرى، وما أكثرها للوزير..
ربما لجأ الوزير الى تلك \”الحيلة السياسية\” كي يرسل رسائله ويتركها لتحدث ما تحدثه من \”هزة سياسية واعلامية\”، ثم يلجأ الى \”العرف التقليدي\” لكثير من الساسة بنفي ما نسب له، أو اعتبارها خرجت عن سياقها، وهو يدرك تماما أن الرسائل قد أدت ما أريد لها من وظيفة مباشرة، وهو ما حدث فعلا، سواء داخل دولة الكيان في صفوف الموالاة والمعارضة على حد سواء، أو داخل \”بقايا الوطن\”، فيما انتفض اعضاء من الكونغرس المعروفين بالأشد صهيونية من نواب اسرائيل، وطالبوا باقالة كيري..الهزة حدثت فعلا وحقق كيري ما أراد منها سياسيا واعلاميا..
الا أن المسألة لا تقف عند حدود \”هزة اعلامية\” أو \”سمة بدن نتنياهو وتحالفه\”، و\”ترهيب عباس\” وكفى، بل تحمل فيما تحمل بعضا مما يمن اعتباره \”تفكيرا أميركيا\” لاستعادة هيبتها التي اصيبت بزلزال سياسي غير محسوب في المنطقة والمشهد الاقليمي وفشلها في تحقيق مشروعها الاستعماري التقسيمي، الى جانب الصفعات المتتالية التي تتلقاها من روسيا الاتحادية في أكثر من مكان..
الفشل الأميركي في اجبار دولة الكيان بالمضي في ابقاء مسار التفاوض حيا، حتى دون أن يصل الى نهاية كاملة يشكل اهانة سياسية كبرى لدولة تفقد يوميا جزءا هاما من \”هيبتها\”، وهي تحاول من خلال استغلال فلسطين لتبدو وكأنها لا تزال تملك \”مفتاحا سحريا\” لدور تأثيري في المنطقة، نظرا لمكانة فلسطين القضية، خاصة وهي تجد كل التسهيلات – التنازلات السياسية التي طلبتها من الرئيس محمود عباس وحركته فتح، دون أن تدفع اسرائيل \”مقابلا سياسيا معقولا\”، حتى صفقة الأسرى التي كانت الغطاء لتمرير التنازل السياسي الفلسطيني والعودة للمفاوضات لم تلتزم بها حكومة بيبي، ووجهت للإدارة الأميركية اهانة سياسية مباشرة، بل واستخفافا غريبا بوقف الجزء الأخير من \”الصفقة مدفوعة الثمن\”..
رسائل كيري كان لها عنوان واضح، ان حكومة نتنياهو ليست ثابتا أميركيا، واسقاطها قد يكون الحل الممكن، خاصة وأن الادارة الأميركية سبق لها فعل ذلك بعد توقيع \”بروتوكول واي ريفر\” عام 1998، والتي تنصل نتنياهو منه عند عودته التزاما بتحالفه اليميني المتطرف، فعملت واشنطن كل ما يمكنها واسقطته من خلال العمل بتقديم انتخابات مبكرة ادت لفوز يهود براك، واليوم يعيد نتنياهو ذات اللعبة بشكل مختلف، يتنصل من اتفاقه مع ادارة اوباما بل ويسخر منها كما لم يسخر من قبل..لذا يمكن اعتبار تسجيل كيري ليس سوى \”حيلة بارعة\” لإرسال ما لا يمكن قوله بشكل صريح، من ضرورة استبدال القيادتين الاسرائيلية والفلسطينية لتسهيل الحل السياسي..
ومن الممكن اعتبار ذلك أيضا رسالة ارهاب سياسي لعباس وفريقه من أنهم ايضا مهددون، وبدأت الرسائل تحضر من خلال اعلام اسرائيلي عن \”البدائل\” لعباس وفريقه، لو انه لم ينفذ كل ما هو مطلوب منه في التفاوض وعدم الذهاب الى الامم المتحدة وتفعيل استحقاقات \”دولة فلسطين\”، وقد استجاب له سريعا بتأجيل كل ذلك 3 اشهر مقبلة.
رسائل كيري ليست مزاحا سياسيا، سواء قام بنفي بعضها أو كلها، فما اراده قد وصل لمن يهمه الأمر.. وكلا طرفي التفاوض باتا تحت \”تهديد مباشر\”..الطرف الفلسطيني بدأ بالتجاوب وأخذ علما فأجل كل خطوات تستفز أمريكا الى مرحلة لاحقة، والنقاش انفتح على مصراعيه داخل دولة الكيان..والأيام القادمة ستحمل كثيرا مما يمكن اعتبارها \”خطوات خارج الصندوق\” من طرفي التفاوض وراعيها!
ملاحظة: اليوم تنتهي المدة الرسمية لزمن المفاوضات..ماذا سيكون رد فعل الرئيس عباس وفتح وبعض من ايده في استكمال مسار التفاوض..وطبعا لا نعرف رد فعل حماس التي بدأت تتصرف كالنعامة!
تنويه خاص: ردة فعل ادارة اوباما على اتفاق المصالحة يختلف كليا عما كان سابقا..واشنطن لن تقف ضد حكومة عباس المقبلة ما دامت تحقق لها ما تريد سياسيا..اهلا!