كتب حسن عصفور/ كانت هناك فرصة تاريخية أمام اعضاء المجلس المركزي الفلسطيني لتصويب المشهد السياسي العام، في ظل حركة انتفاض شعبية عربية ضد السياسة الأميركية في بلادنا، ومحاولتها فرض مشروع استعماري يعيد ترسيم حدود المنطقة وفقا لنفوذ سياسي جديد، فرصة استعادة الروح الكفاحية لمؤسسات منظمة التحرير كانت مواتية جدا، لكن كثيرا ما \”يزبط المثل الشعبي\” بأن \”تجري الرياح بما لا تشته السفن\”، وخرج بيان المركزي المنتظر ليؤكد فيما يؤكد موافقته على استمرار المفاوضات ضمن \”شروط\”، وأعاد كاتبي البيان ذات الشروط التي أقرتها كل المؤسسات الوطنية سابقا، من تجميد الاستيطان ووقف الاجراءات الاسرائيلية واحترام اسرائيل لمرجعية السلام وغيرها..
ولأن \”عشاق التفاوض\” كانوا يبحثون عن الاستمرارية لتلك المفاوضات، التي اعلنت دولة الكيان ايقافها من طرف واحد، بشكل مؤقت، الى حين أن يجد \”الموهوب\” كيري سبيلا لاعادة أصحاب الحقائب الى طاولة المفاوضات، وهو على دراية كاملة، بل ويقين أن كل الشروط لا قيمة لها في اليوم التالي لانتهاء جلسة الاجتماعات، فقد فعلوا كل ما يحلوا لهم ولم يجدوا صعوبة في \”توفير الذرائع\” لتبرير تكسيرهم الشروط السابقة والتي تتطابق مع شروط المجلس، وغالبا لا يقيمون وزنا لتلك الشروط، ما دامت المعارضة إما منهكة أو ضعيفة أو غائبة، فما بالك بعد أن باتت حركة \”حماس\” حركة مستأنسة لسياسة الرئيس عباس وأصبحت جزءا مكملا لها، بفعل موقف قطري وأمل بفتح باب خروجها من مأزقها الخاص والعام..
كانت الشعبية على حق كامل، وهي تعلن مغادرتها قاعة الاجتماع لأن المجلس المركزي قرر منح الغطاء للتفاوض بأن يكون هو سيد الموقف، اقله خلال أشهر 3 قادمة، ولذا لم يكن من باب اللهو السياسي أن يعلن المجلس أنه قرر تشكيل لبحث كيفية التعامل مع المركز القانوني لدولة فلسطين خلال 3 اشهر، وهذا القرار يشكل أطرف \”نكتة سياسية\” يمكن قراءتها، وهي فعليا ليست سوى \”حيلة سياسية جديدة\” لمنح الرئيس عباس وفريقه التفاوضي فرصة جديدة لعدم اغلاق باب المفاوضات، رسالة للولايات المتحدة، بتأجيل كل قرار من شأنه \”تعكير مزاج ادارة الرئيس أوباما\” لمدة 3 اشهر، والى حين أن تجد مفتاح \”علاء الدين السحري\” لفك طلاسم التفاوض القائمة..
خطيئة كبرى وقعت بها \”القوى الديمقراطية\” والأعضاء المستقلين الذين يرفضون التبعية، بعدم اعلانهم ذات موقف الجبهة الشعبية، والانسحاب من الجلسة الختامية ورفض البيان بفقرتية اللتان تتيحان مد أمد التفاوض، وايقاف مفعول اقرار حقيقة دولة فلسطين قانونيا وسياسيا، ووقعوا في فخ تأجيلها تحت \”غطاء تشكيل لجنة للدراسة والبحث\”..وهذه المسألة وحدها كفيلة بتعرية حقيقة الهدف من وراء منح الفرصة التفاوضية 3 اشهر جديدة، فأي منطق يمكن تصديقه بعد مضي عام ونصف العام أن يتذكر المجلس المركزي تشكيل \”لجنة لبحث المركز القانوني لدولة فلسطين\”، وهل حقا أن المسألة تحتاج دراسة المركز القانوني أم العمل على تنفيذه فورا، وهل تسمية دولة فلسطين بديلا للسلطة تحتاج ذلك، وهل مراسيم الرئيس محمود عباس التي سبق أن اصدرها بخصوص تغيير المسمى واصدار الهويات والرقم الوطني وجواز السفر قبل أكثر من عام، وأوقفها بعد اتفاق مع امريكا للذهاب الى التفاوض، كانت بحاجة لدراسة، أم ان الانضمام لعضوية المؤسسات الدولية بحاجة لتفكير عميق جدا..
والغريب أن المجلس المركزي لم يتطرق في بيانه لا من قريب أو بعيد الى طبيعة المرحلة الانتقالية والالتزامات المتبادلة التي لم تعد دولة الكيان ملتزمة بها، بل أن المجلس المركزي تجاهل وبغرابة سياسية عجيبة مفهوم الاعتراف المتبادل بين دولتي فلسطين واسرائيل وفقا لقرار الأمم المتحدة، واقر كل ما هو لمصلحة استمرار الواقع القائم بما عليه من التزامات وخاصة التنسيق الأمني، وتجاهل كليا ما له منها لأن اسرائيل ضربتها عرض الحائط..
ما حدث من بيان المركزي ليس سوى تكريس لنهج التفاوض، ما سيمنح قوى التدمير السياسية وقتا مضافا لاعاقة انطلاقة الروح الكفاحية الفلسطينية دوليا واقليما، ووقتا مضافا للمشروع الاحتلالي لكسب مزيد من البعد التهويدي في القدس المحتلة وتوسيع رقعة الاستيطان..
باختصار، ربح وفد التفاوض بأن يجد له غطاءا سياسيا في مفاوضاته القادمة، بعد أن فقدها خلال المرحلة السابقة، سيعود الى التفاوض باسم \”الشرعية الفلسطينية\”، ومعها تأييد مبطن من حركة حماس التي لم تعد تهتم لشيء وطني سوى خلاصها الذاتي..ستعود المفاوضات قريبا جدا، ولكن ستسقط كل شروط البيان..ولنا لقاء قريب مع من وقع في \”غفلة سياسية\” باسم \”المصلحة العليا\”!
ملاحظة: تصريح الرئيس محمود عباس عن المحرقة لا يمكن اعتباره موقفا لشعب فلسطين..فهو موقف خاص به وله وحده..وحتما فتح لن تقبل به حتى لو أصيبت مؤقتا بالصم..تصريح خارج كل السياق الوطني العام!
تنويه خاص: كيري تحدث لأول مرة أن هناك ضرورة لاستبدال القيادتين من اجل احلال السلام..فعليا هو يبحث عن طريقة أميركية لاسقاط نتنياهو..اسلوب سبق القيام به خلال فترة كلينتون ومع نتنياهو أيضا!