مع انتخاب محمود عباس يناير 2005 رئيسا مكملا، كان الاعتقاد أن يتم العمل بتنفيذ “وعد بوش الإبن” يونيو 2002، الذي اشتهر لاحقا إعلاميا باسم “حل الدولتين”، خاصة وأن الرؤية الأمريكية اشترطت في حينه “إزاحة” المؤسس، لكن ما حدث جاء في مسار مضاد كليا، بدأت بتجاهل شارون للرئيس المنتخب، عندما أعلن الخروج من قطاع غزة سبتمبر 2005، دون تنسيق أو حتى إعلام مع محمود عباس، في أول إشارة سياسية قاطعة، أنه “ليس شريكا” خلافا لكل ما قيل قبل نوفمبر 2004.
إعلان شارون الإحادي بالخروج من قطاع غزة، وتجاهل الرئيس الفلسطيني عباس، كان الضوء الأخضر نحو ترتيبات مشهد سياسي جديد، بدأت بطلب أمريكي – أوروبي ضرورة إجراء انتخابات تشريعية جديدة، ما يمكن اعتباره “مفاجأة كبرى”، خاصة وأن الفترة الزمنية لاستلام الرئيس عباس مهمامه قصيرة جدا، ولم يملك وقتا كفايا لترميم مكونات السلطة الفلسطينية بعد أطول مواجهة عسكرية مع المحتلين.
لكن الأمر لم يكن مرتبطا بـ “المكذبة الدائمة” للتحالف الغربي” (الأمريكي – الأوروبي) بحثا عن التجديد الديمقراطي، خاصة وأن الاتفاق بين منظمة التحرير وإسرائيل حدد المسألة بوضوح، لكن الذهاب لفرض الانتخابات لهدف سياسي تكميلي لمشروع شارون بضرب الكيانية الأولى عبر أدوات غير يهودية.
لم يقاوم الرئيس عباس “الضغط الغربي”، فوافق على إعلان انتخابات تشريعية يناير 2006، وجاءت المفاجأة الكبرى الثانية”، عندما أعلنت حركة حماس مشاركتها في تلك الانتخابات، بعد رحلة تخوين للسلطة الفلسطينية واتفاق إعلان المبادئ (أوسلو)، والعمل بكل السبل لافشاله بالتعاون مع قوى إقليمية، اكتشفت أن المجلش التشريعي “مؤسسة وطنية”، دون تقديم قراءة نقدية أو مراجعة فيما كان وما سيكون ، من الرفض التخويني إلى القبول الإيجابي.
وجاءت “المفاجأة الكبرى الثالثة” عندما وافقت دولة الكيان والتحالف الغربي على مشاركة حماس في الانتخابات، دون أن تعلن التزامها باتفاق إعلان المبادئ، والنظام الأساسي للسلطة الفلسطينية، او ميثاق منظمة التحرير، حيث منحت ضوءا أخضر كاملا، بالمشاركة دون قيود، ونسقت دولة قطر كل ترتيبات المشهد الانتخابي، والذي فرض فرضا على الرئيس عباس.
وجرت الانتخابات، فكانت كما المتوقع تماما، رغم أنه بدأ كـ”مفاجأة رابعة” بفوز حماس بأغلبية واسعة، من حصار المقاعد الفردية، بعدما “تفتت فتح الفردية”، فيما تساوت في القائمة النسبية، نتائج تساوقت مع ما سبق من نتائج الحصار الخانق للسلطة الفلسطينية.
مارس 2006، أعلنت حماس حكومتها برئاسة إسماعيل هنية، الذي تقدم ببرنامج عمل أمام المجلس التشريعي، بحضور الرئيس عباس، كل ما كان به مخالف للنظام الأساسي والبرنامج الوطني، ورغم ذلك، لم تحتج أمريكا ولا دولة الكيان، وبالتبعية دول الغرب “الديمقراطي”، في مفاجأة هي الخامسة.
وخلال عام وقليل مارست حماس عملا انفصاليا بعيدا عن “المؤسسة الرسمية”، بتشكيل “أجهزتها الأمنية الخاصة في قطاع غزة دون مساسها في الضفة الغربية، بموافقة الرئيس عباس، ودون أي اعتراض من دولة الكيان، التي تجاهلت تلك الإفعال.
بعدما أكملت حماس تشكيل أجهزتها الأمنية الخاصة وفرضت سيطرتها على حساب أجهزة الأمن الرسمية، نفذت يوم 14 يونيو 2007، القفزة الكبرى الخلفية لتدمير الكيانية الوطنية الفلسطينية الأولى، فأعلنت “حكمها المستقل” في قطاع غزة، وقطعت كل صلة بالأصل الكياني.
يوم 14 يونيو 2007، يوم إعلان “إنطلاقة الردة الوطنية” وتحقيق “الانقسام الكيان التمثيلي، بعدما عملت أمريكا ودولة الكيان على خلق “بديل موازي” تمثيلي منذ عام 1988، فقطفت أولى الثمار، بعد تعزيز دورها بنفوذ إقليمي عربي قادته قطر، بتوافق كامل مع واشنطن وتل أبيب، وأعلن ذلك مرارا الأمير تميم وقبله حمد بن جاسم.
بدأ “التحالف الأمريكي – الإسرائيلي القطري” بتغذية حكم حماس الانفصالي الارتدادي في قطاع غزة، إلى أن بدأت تطورات إقليمية وكذا في الضفة والقدس، مع تعزيز التهويد العام فيها، تطلب الأمر الانتقال من رحلة تعزيز الانفصالية الخاصة إلى مرحلة التدمير العام، وفرض واقع سياسي خال من الكيانية الوطنية الفلسطينية الموحدة، خاصة بعدما احتلت فلسطين مكانها كدولة عضو مراقب في الأمم المتحدة، ودولة في الجنائية الدولية.
يوم 7 أكتوبر 2023، أطلقت حركة حماس ما اسمته عملية “طوفان الأقصى” في اقتحام السياج الفاصل ودخول بدات إسرائيلية، استمرت لساعات بعمق 20 كم، دون ادنى مواجهة من جيش الاحتلال، في مشهد بدأ كفيلم سينمائي لا أكثر.
ودون الخوض في تفاصيل الحدث، وبعد مضي 19 شهرا، تكشفت كثيرا من الوقائع، ما تطلب القيام بحدث كبير لتبدأ رحلة التغيير الكبير، ليس فلسطينيا فقط بل إقليميا، فسارع رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية نتنياهو يوم 9 أكتوبر 2023، أي 48 ساعة لا غير من حدث غزة (المحلي جدا نظريا)، ليقدم خدمة تاريخية بكشف المستور في الفعل الأكتوبري، والتخطيط له، والغاية الجوهرية منه، بناء “شرق أوسط جديد”.
بعد 19 شهر من يوم 7 أكتوبر، أظهرت الأهداف الاستراتيجية التي حققتها دولة الكيان والولايات المتحدة، وفي الممقدمة منها، إنتهاء زمن “الاستقلالية الكيانية الفلسطينية” الموحدة لزمن طويل قادم، بكل تفاصيل ما حدث خرابا ودمارا ومقدمة تهجير واسع في قطاع غزة وتهويد عام في الضفة والقدس، إلى جانب الإقليمية حيث باتت دولة الكيان لاعبا مركزيا في المنطقة، برضى بعض العرب.
هل هناك قدرة وطنية على كبح فرامل قطار التدمير الذي كان ويتواصل..ربما ليس في ظل الواقع الإقليمي الراهن، لكن الخيار الممكن الوحيد أن يعلن الرئيس عباس دولة فلسطين تحت الاحتلال، وربطها بتحديد انتخابات عامة لمؤسسات الدولة، لتنتقل المعركة من تدمير إلى مقاومة التدمير..فعل ربما مستحيلا بواقع الرسمية لكنه الخيار الذي لا خيار غيره.
وأخيرا.. انكشف الخيط الرفيع بين خطف غزة يوم 14 يونيو 2007 بيد حماس فعلا معدا لكسر الكيانية الوطنية الأولى..ويوم 7 أكتوبر 2023 “طوفان حماس” التكميلي لتدمير الكيانية الفلسطينية.
ملاحظة: أهل غزة اللي قاعدين منتظرين خبر صفقة وقف الموت..قطعوا عنهم الاتصالات بالعالم بعد ما صارت طوشة دولة العدو مع الفرس..وهيك الخوف انه زوج سارة اللي كان بده صفقة صار مش فاضي لهم..طيب وبعدين شو يا جماعة البرم..
تنويه خاص: محزن كتير لما وزير خارجية حكومة زوج سارة يهين رئيس البلد اللي بنى المفاعل النووي لهم..بدل ما يبوس ايده ورجله صبح ومسا.. صار يتعنظز عليهم..يا زمن مشقلب شو شقلبك أكتر..
لقراءة مقالات الكاتب تابعوا الموقع الخاص