كتب حسن عصفور/ بعد أن نفذت حركة “حماس” عمليتها العسكرية داخل أحد مطاعم تل أبيب، وادت لمقتل واصابة العشرات بين صفوف الاسرائيليين، كان متوقعا ما هي “الخطوة التالية” التي سيقدم عليها الارهابي اريك شارون، فقد سبق له القول صراحة، أن أي عملية عسكرية “انتحارية” ضد الاسرائيليين سيكون الرد بحصار مقر الرئيس ياسر عرفات واجتياح الضفة الغربية، وشن حرب على مقار السلطة، ودون أدنى إدراك من قيادة حماس لخطورة تلك التهديدات قامت بتنفيذ ما منح شارون “الذريعة” التي نفذ من خلالها خطة عسكرية بمسمى “السور الواقي” ليحاصر مقر الرئيس ابو عمار ويجتاح الضفة الغربية اجتياحا واسعا، وتبدأ عملية قصف مقار الرئاسة والسلطة في الضفة والقطاع..
12 عاما منذ تنفيذ تلك العملية الاحتلالية، والتي اعلنت رسميا انتهاء كل أمل كان مخزونا للتوصل الى اتفاق سلام أو التوصل لعملية سياسية تؤدي الى وضع نهاية للصراع المباشر، خاصة وأن عملية حصار الزعيم في نهاية شهر مارس (آذار) عام 2002 جاءت بعد 3 ايام من اقرار القمة العربية في بيروت لأول مبادرة “سلام عربية شاملة”، دعت فيما دعت لحل نهائي للصراع يفتح الطريق لاقرار سلام جماعي بين الدول العربية ودولة الكيان، الا أن شارون وضع تلك المبادرة التي لا تزال خزينة أدراج الجامعة العربية تحت جنازير آليته العسكرية التي أعادت احتلال الضفة بطريقة فاقت ما حدث عام 1967..
ولأن المبادرة العربية لم تأت من أجل التوصل لحل سياسي جاد، لذلك لم يكن لها أثر في تغيير معادلة الحرب الشارونية على القضية الفلسطينية وزعيمها أبو عمار، فتلك المبادرة، هدفت لتمهيد الطريق أمام الرئيس الأميركي لعرض خطة تصفية الزعيم ياسر عرفات في 24 يوينو( حزيران)، والتي اسماها هو وبعض فريق فلسطيني تجاوب معها، بـ”عهد بوش” لـ”حل الدولتين”، والواقع السياسي انها كانت أول دعوة رسمية أميركية تعلن ضرورة الخلاص من القائد الفلسطيني ياسر عرفات بمسمى اختيار قيادة “أكثر ديمقراطية للشعب الفلسطيني”، كلمات كانت واضحة جدا، استثمرت حالة العرب المخزية في التواطئ على حصار ابو عمار، وحرب شارون الاحتلالية للبدء في تنفيذ مرحلة التصفية السياسية للزعيم الشهيد..
في معركة الحصار الشاروني الثاني لياسر عرفات، بعد الحصار الأول عام 1982 في بيروت، أدرك الزعيم أن “المؤامرة” وصلت الى حد فاصل، وقد تحقق غايتها فقال قوله المأثور والخالد بخلوده: “شهيدا ..شهيدا.. شهيدا”، ذلك النداء الذي أعلن للشعب الفلسطيني وللعالم أجمع أن ياسر عرفات لن يستسلم ابدا، وأنه اختار طريق الشهادة بديلا لأي حل استسلامي لشخصه، وصنع مرحلة تاريخية تضاف لمراحل تاريخ التضحية والبطولة التي دمغت شعب فلسطين في طريقه للتحرر والاستقلال وبناء دولته الوطنية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس العربية المحتلة عام 1967، وروحها المقدسة في البلدة القديمة بأقصاها وكنيستها..
كان بالامكان لياسر عرفات أن يختار طريقا آخر، لكنه يدرك بحدسه وحسه السياسي الكبير أن اي خيار غير الخيار الذي اختار سيكون الحاق “عار أبدي” ليس لاسمه فحسب، بل لقضيته وشعبه، فكانت القولة الأشهر لرئيس وزعيم في التاريخ الحديث..شهيدا..شهيدا..شهيدا..مقولة ستبقى طاقة محركة للشعب الفلسطيني الى أن يحقق أهدافه في التحرر والحرية..
وبعد 12 عاما استمعنا لوزير اسرائيلي يتحدث بلغة مهينة بحق الرئيس محمود عباس، اقوال الوزير الارهابي بينيت ضد الرئيس عباس، وتلفظه بما قال من تسخيف وتهديد، ما كان لها أن تمر كما حدث، وأن تكتفي حركة فتح بتصريح الناطق الرسمي باسمها بالطلب من نتنياهو توضيحا واعتذارا لتلك “الأقوال المهينة” للرئيس بشخصه ومنصبه، كان لها أن تشكل قوة دافعة لحركة فتح أن تخرج اليوم في ميادين الضفة والقطاع لترد على “التطاول السافل لذاك الارهابي” بعمل كفاحي ضد الحضور الاحتلالي..مظاهرات تبرز الطاقة الكفاحية وليس “عملا استعراضيا على طريقة الكشافة والجوالة المدرسية”..فعل يقول للمحتلين ارحلوا ولا غير الرحيل نقبل، وأن للرئيس شعب يحميه..
ذلك الرد هو المطلوب على من قال أن “جيش الاحتلال” هو من يحمي الرئيس عباس ولو خرج لن يستمر نصف ساعة..أي حركة يمكنها أن تسمح بتمرير اهانة كتلك الاهانة!
الشعب الفلسطيني لا ينتظر توضيحا ولا اعتذارا لتصريحات وزير ارهابي، بل رده يجب أن يكون فعلا ميدانيا يعيد استنساخ “الروح العرفاتية” في التحدي والشهادة!
ملاحظة: اعادة القائد الكبير نايف حواتمة لعرض مبادرة تطويرية لانهاء الانقسام، لا يجب أن تكون خبرا فحسب..هل تلتقط قوى “اليسار وأطرافه” جوهر المبادرة ويتحرك منفردا دون انتظار “عطفا” من طرفي الأزمة، لتصبح “فاعلا سياسيا” بدل من ان تستمر “مفعولا به”!
تنويه خاص: متى تنتهي “حركة الوهم الوطني الفلسطيني – وهم” من موقف الانتظار لحل اميركي يمكن أن يكون في مصلحة شعب فلسطين..كفاكم أوهاما وتضليلا يا – حركة وهم – !