كتب حسن عصفور/ قلما تتصرف حركة “حماس” بمسؤولية انطلاقا من المشهد الوطني العام في فلسطين، ومنذ انطلاقتها المتأخرة عن ركب الثورة الفلسطينية المعاصرة 22 عاما، وهي تسير خلافا للمسار الوطني العام، وباتجاهات تبدو وكأنها “عكسية أو متعاكسة”، ولمن يريد البحث عن الشواهد لا عليه سوى ادارة محرك بحث على الشبكة العنكبوتية لمعرفة ومطالعة ذلك، وربما ساد الاعتقاد لحظة أن المسؤولية السياسية قد أنضجت بعضا ممن يملكون قرار تلك الحركة، خاصة بعد أن شهدت القضية الفلسطينية حالة من الارتباك العام بفضل ارتباك قيادتها في تحديد مسارها السياسي، ضمن الرؤية الفلسطينية وبحساب وطني دون رهنه لارضاء هذه القوة أو تلك..
وكانت الساعات الماضية أحد أهم “الفرص السياسية” التي توقعت مصادر سياسية فلسطينية أن تسحب حماس الى خانة المشاركة بالمسؤولية الوطنية، فبعد “غضب الرئيس عباس ونرفزته السياسية” قرر أن يفتح خزنته ليسحب منها بعضا من “حقوق فلسطين” المجمدة لارضاء أمريكا، دون غيرها من دول العالم، وأعلن انه قرر التوقيع باسم “دولة فلسطين” على 15 اتفاقية ومعاهدة، بعضها قد يصبح قيدا على سلوك الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أو مؤسسات السلطة ذاتها، لكن التوقيع فتح بابا أغلق منذ ما يزيد على العام أمام استنهاض الحضور الفلسطيني دوليا كي لا “يغضب السيد الكبير”..
فتحة الباب السياسي المغلق تلك، كان لها أن تصبح أداة لتغيير السلوك والحراك العام ايجابا، رغم كل الشكوك بنوايا متخذها، وما يحيط بها بأنها جاءت ” باتفاق مسبق مع امريكا” لتستخدمها كسلاح تهديدي في الضغظ على تل ابيب وتجبرها على ان تعود لـ”رشدها” دون غطرسة على البيت الأبيض، وتسمح لواشنطن باستكمال دورها لتنفيذ “مبدأ أوباما” للحل السياسي، لكن “حماس بدلا من ان تستقوي بتلك “الخطوة” وتذهب لتعزيزها بالمشاركة مع القوى الفلسطينية وتحويلها لأداة ضغط وطني وشعبي لاستكمال مسيرة “الحق الوطني لدولة فلسطين”، ذهبت في مسار آخر لتحتفي بفوز أردوغان، وفتحت الميادين في غزة لاستقبال المحتفين بذلك الفوز، ولم تكتف بفرحتها العجيبة، الا أنها اصرت على تكريس شذوذ سلوكها السياسي عن الوطني العام برفع لوحة كبيرة جدا في الميادين، تحت شعار “قادة رجال تنتظرهم القدس”.. وتضع صورا لأولئك الرجال لنجد اسماعيل هنية وخالد مشعل، وهما من قادة حماس، ثم أمراء قطر الوالد والإبن، وخامسهم رجب طيب اردوغان..وطبعا لولا الخوف والرهبة لكانت صورة مرسي المخلوع بأمر شعب مصر سادسهم..
مشهد يلخص رؤية حماس لجوهرالواقع القائم، وحسابتها الخاصة جدا في التعامل معه، فاللوحة الحمساوية اختزلت العالم و”الرجولة السياسية” في شخص اميري قطر وأردوغان وطبعا رئيسها المقيم في الدوحة بحماية أميركية ونائبه الخطيب العام في قطاع غزة ومعهم اردوغان، ولا نعرف حتى تاريخه كم جندي قطري سقط شهيدا دفاعا عن قضية فلسطين، وكم بندقية أو صاروخ تم ارساله، وما هو الدور البطولي لهما، غير امداد خزين حماس بالمال لتستمر في خطف قطاع غزة..ربما اكتشف خالد مشعل بعد اقامته في الدوحة، أن القواعد الأميركية، وهي الأكبر في المنطقة، تشكل “السلاح الاستراتيجي السري” للجيش القطري القادم لتحرير القدس وفلسطين، بعد أن يتم تأميمها بفضل “تميمها”..
أما اردوغان التي ترى فيه اسطورتها الخاصة، فحتى تاريخه ومنذ 13 عاما على وجود حزب أردوغان في السلطة، هل لحماس أن تقدم كشفا بحساب السلاح والعتاد التركي الذي ساهم في تطوير وتحديث المقاومة خاصة القسام منها، ربما تعتبر حماس أن “سفينة مرمرة” التي مرمرها جيش الاحتلال، وكل ما كان “غضبا وانفعالا”، هو ذلك النموذج الذي سيكون..ولكن تركيا الغاضبة من مرمرة “مرمرة”، لم تغلق يوما بوابات “التنسيق الأمني الاستراتيجي” بين جهازي المخابرات التركية والموساد الاسرائيلي، وليت سيد هنية يسأل مسؤوله الأمني، افتراضا انه يتابع، ماذا كانت طبيعة ومهمة رئيس الموساد في تركيا خلال أحداث تقسيم العام الماضي التي ارتعش لها حكومة اردوغان، ولماذا أمضي اياما بها دون أن تشير حكومة اردوغان لتلك الزيارة، التي كشف عنها الاعلام العبري..ربما يعتبر هنية وحماس أن الجيش التركي، وهو ثان قوة عسكرية في حلف الناتو، المعروف لكل طفل فلسطيني أنه أداة استعمارية قد يصبح “جيشا للسلطان القادم لتحرير فلسطين” بعد أن “يحرر سوريا من نظامها”!
المسألة هنا ليست تلك اليافطة، والصور التي بها، لكنها تترجم السلوك الانتهازي لحركة مفترض انها حركة مقاومة من أجل فلسطين، وليس “حركة نفاق” من أجل جلب مال قطر ومساعدات تركية لتحسين التواصل بين حماس ودولة الاحتلال فيما يخص الحصار، لو كانت حماس جادة في ما رفعته من صور وكتابة على تلك اليافطة، “رجال تنتظرهم القدس”، لن نسألهم عن اي زعيم عربي أو دولي ليسوا على وئام سياسي معه، لكن لماذا لم نجد صور قادة ايران ضمن تلك “اللوحة البهيجة”، خاصة وبحسبة بسيطة جدا سنجد أن ايران هي أكثر دول العالم تقديم خدمات ومساعدات مالية وعسكرية وأسلحة وأمن وشبكات اتصالات..اي انها قدمت كل ما يمكن اعتباره “البنية التحتية لقدرات حماس العسكرية”، ولولا ايران لكانت حماس في مكان غير المكان، وكذلك أين صورة حسن نصرالله، الذي كان بطلا ونموذجا للمقاومة في كل خطابات قادة حماس قبل أزمة سوريا.. وبالتأكيد كان لصورة الأسد ان تكون جزءا من تلك اللوحة لقبل اعوام ثلاث فقط..ولماذا لم تر حماس في اي قائد فلسطيني جزءا من تلك اللوحة، على الأقل من تقول انهم شركاءها في “المقاومة” كرمضان شلح..
حماس لا تبحث عن رجال من اجل القدس ولا نصرة فلسطين، لكنها تبحث عن رجال لتعزيز خزينتها المالية لانقاذها من افلاس عام..
كان لحركة حماس، أن تستفيد من “ارتباك المشهد التفاوضي” لتتقدم خطوة نحو الحاضنة الفلسطينية وتعلن قبل ان يصلها “وفد سياسي، او سياحي لا نعرف” أنها موافقة وفورا على اجراء الانتخابات العامة وأنها تكلف الرئيس محمود عباس بتشكيل الحكومة دون أن يرسل لها اي مبعوث، وتكتفي بارسال ورقة موقعة من هنية أو مشعل لتأكيد ذلك الالتزام، فالمصالحة متفق عليها، ولا تحتاج لمن يعيد التذكير بها، فالقضية الوطنية ومحاصرة الارتباك التفاوضي هو خير تذكير بها..كان هناك فرصة لحماس لتعود الى “داخل المشهد الوطني” وليس الرقص على أطرافه احتفاءا بأوهام لا أكثر..
ولكن، هل لمن يرى بأمراء قطر رجال من اجل القدس ويتجاهل من يستحق فعلا، خاصة مصر وجيشها، له أن يكون ضمن المشهد الوطني..”حماس” تبقى “حماس”، وكل من يظن أنها تغيرت وخرجت من شرنقتها الكارهة للآخر واهم لا أكثر!
ملاحظة: من باب العجب أن تخرج جماهير فتح بآلاف في ميادين الضفة ترحيبا بقرار هو حق متأخر، كان يجب معاقبة من قام بتأخيره، في حين لا نراها في ميادين مواجهة شعبية يدعو لها رئيسها ليل نهار، دون حس أو خبر!
تنويه خاص: وزير اسرائيلي اسمه عوزي لنداو، كان من اقطاب يمين الليكود ثم هجره لحزب اكثر كراهية لفلسطين، وشارك في مظاهرات عام 1995 كانت سببا لاغتيال رابين..وكان يرى في اتفاق اوسلو كارثة..اليوم يدعو حكومة بيبي لالغاء الاتفاق الذي لم يعد له مكان سوى في أرشيف دائرة المفاوضات!